قصف جوي مكثف في الخرطوم وترتيبات إنسانية من مصر

قوات 'الدعم السريع' تواصل محاولات السيطرة على سلاح المدرعات ومصادر من الجيش السوداني تؤكد تكبدها خسائر في المعدات والأرواح

تواصلت المعارك والاشتباكات بين الجيش وقوات 'الدعم السريع' في العاصمة السودانية مع استمرار التحليق المكثف للطيران الحربي وشنه غارات عنيفة على مواقع الدعم السريع في مناطق عدة بمدن العاصمة الثلاث (الخرطوم وبحري وأم درمان) التي لم تنقطع عنها أصوات القصف الجوي المدفعي المتبادل منذ فجر أمس الثلاثاء 29 أغسطس (آب) الجاري.

المدرعات مجدداً

وتجددت المعارك والاشتباكات والقصف الجوي والمدفعي في محيط سلاح المدرعات جنوب الخرطوم لليوم العاشر على التوالي، وهي المنطقة التي لا تكاد تهدأ من المعارك والاقتتال والقصف الجوي والمدفعي منذ بداية الأسبوع الماضي، في ظل إصرار قوات الدعم السريع على مواصلة هجماتها اليومية بغرض دخول المعسكر والسيطرة عليه، وذلك على رغم الخسائر الكبيرة التي يتكبدها في كل مرة، بحسب المتحدث باسم القوات المسلحة العميد نبيل عبدالله، الذي اعتبر أن كل محاولات القوات المتمردة لاقتحام المعسكر باءت بالفشل.

وبحسب مصادر عسكرية، شن الجيش هجمات جوية وصاروخية متلاحقة على مواقع عدة لقوات 'الدعم السريع' في جنوب وغرب أم درمان، وكذلك في شرق النيل محدثاً فيها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.

في محيط سلاح المهندسين جنوب أم درمان، تواصلت الاشتباكات المتقطعة بين الجانبين، في وقت صعد فيه الجيش من غاراته الجوية المكثفة على مواقع الدعم السريع أمام السوق الشعبي والمنطقة الصناعية وسط أم درمان، حيث شوهدت أعمدة الدخان الكثيفة تغطي سماء المنطقة، كما تواصلت المعارك على امتداد شريط المصانع الغربي، حيث تنتشر مجموعات من قوات الدعم السريع شمال حارات محلية أم بدة المكتظة بالسكان التي يشكو أهلها من تعرض معظم حاراتها إلى عمليات سلب ونهب بقوة السلاح.

وفي وسط الخرطوم أطلق سكان جزيرة توتي صرخات استغاثة من حصار قوات 'الدعم السريع' للجزيرة بإغلاق الجسر البري الوحيد الذي يربطها بالعاصمة السودانية، ما تسبب في أوضاع إنسانية صعبة نتيجة نفاد المواد التموينية وتوقف الخدمات الطبية في الجزيرة.

كردفان ودارفور

وأشارت مصادر أمنية إلى وقوع اشتباكات بين الجيش و'الدعم السريع' شرق مدينة أم روابه بالقرب من مدينة تندلتي، في شمال كردفان، تمكن فيها الجيش من تكبيد الدعم السريع خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، في وقت زعمت فيه الأخيرة دخولها مدينة أم روابه وبسط سيطرتها عليها.

في دارفور تجددت مرة أخرى الاشتباكات المتقطعة بين الجيش وقوات 'الدعم السريع' في مدينة الجنينة بغرب الإقليم الواقعة تحت سيطرة 'الدعم السريع' منذ حادثة اغتيال الوالي السابق خميس أبكر.

 منذ يومين التقطت مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور بعض أنفاسها مؤقتاً، إثر نجاح وساطة قادتها القوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان، في وقف مؤقت للقتال بين الطرفين المتقاتلين داخل المدينة.

وأوضح مصدر أهلي، أن توقف القتال منح الناس فرصة لدفن موتاهم بشكل مأسوي ومحزن في مقابر جماعية، دفن فيها ما لا يقل عن 39 من جثث الأطفال والنساء والرجال، ينتمي كثيرون منهم إلى أسرة واحدة نتيجة تساقط القذائف المدفعية الثقيلة المتبادلة على الأحياء ومنازل المدنيين.

مبادرة وطنية

إلى ذلك أعلنت مجموعة من الشخصيات السودانية القومية والأكاديمية برئاسة الجزولي دفع الله رئيس الوزراء السابق، عن مبادرة لوقف الحرب في السودان، تشمل التوقيع على وثيقة حسن نوايا وإعلان خروج المتمردين من منازل المواطنين والمرافق الخدمية وتسريح العناصر الأجنبية وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين.

واختتم الفريق عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عصر أمس زيارة رسمية لجمهورية مصر العربية استغرقت يوماً واحداً، أجرى خلالها مباحثات مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، تناولت تطورات الأوضاع في السودان.

نفى البرهان أن تكون القوات المسلحة حاضنة لأي مجموعات إرهابية أو منحازة إلى أي جهة، لكنها تظل قوات قومية، مؤكداً حرص الجيش على فترة انتقالية (حقيقية) تنتهي بانتخابات حرة نزيهة، مجدداً عدم رغبة المؤسسة العسكرية الاستمرار في حكم البلاد.

كما ثمن رئيس مجلس السيادة، في كلمة له عقب لقائه الرئيس السيسي، مواقف مصر قيادة وشعباً تجاه الشعب السوداني ومساندته ودعمه له في محنته الراهنة، فضلاً عن حرص مصر على استقرار وسلامة السودان.

واتهم البرهان مجموعات 'الدعم السريع' المتمردة بارتكاب جرائم حرب في كل من الخرطوم والجنينة في غرب دارفور ونيالا في جنوب الإقليم وأماكن أخرى.

ووصف وزير الخارجية المكلف، علي الصادق، في تصريحات صحافية عقب عودة الوفد إلى مطار بورتسودان، الزيارة بالمثمرة والبناءة، مشيراً إلى أن الجانبين استعرضا في مباحثاتهم المشتركة عدداً من القضايا الملحة، منها التكدس في المعابر بين البلدين، واتفقا على تسريع العمل فيها.

أوضح الصادق، أن المباحثات تناولت أيضاً الوجود السوداني الكبير في مصر وما تقوم به الحكومة المصرية من جهد في تسهيل خدمات استقبال السودانيين.

 لفت الوزير المكلف، إلى أن الجانبين بحثا كذلك تسهيل حركة رجال الأعمال بين البلدين بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين، وقضية المدارس السودانية في مصر بما يسهم في توفيق أوضاعها لضمان استقرار العام الدراسي.

خريطة طريق مصرية

في السياق، وصف مرتضى أحمد عيسى، أستاذ العلوم السياسية، زيارة البرهان إلى مصر بأنها تأتي في إطار موقف مصر المبدئي الداعي إلى وقف الحرب وجهودها التي لم تنقطع في سبيل تقريب الرؤى وفق مخرجات اجتماع قمة دول جوار السودان، ومن بعدها مخرجات اجتماع وزراء خارجية الجوار في العاصمة التشادية أنجمينا.

أشار عيسى إلى أن الحديث عن طرح خريطة طريق مصرية لحل الأزمة، ينبني في الأساس على القبول المسبق للقيادة السودانية ببيان ومخرجات قمة دول الجوار وتوصيات اللجنة الوزارية، التي تعمل كآلية اتصال لوضع خطة عمل تنفيذية للتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية، تتضمن وقف إطلاق النار ومعالجة القضايا الإنسانية، ثم الشروع في عملية سياسية شاملة، سيما وأن معظم القوى السياسية المدنية في السودان تعول على جهود الحكومة المصرية في العمل مع البرهان من أجل وقف إطلاق النار وتعزيز التفاهمات السياسية بين السودانيين.

وأوضح الأستاذ الجامعي أن الزيارة والاستقبال الرسمي تؤكد وقوف مصر مع شرعية القوات المسلحة السودانية، منوهاً بأن هناك قضايا حيوية طرحت وترتبط بتسهيلات ووعود مصرية تجاه الأزمة الإنسانية الراهنة في السودان.

ولفت عيسى إلى أن مصر بتنظيمها لمؤتمر دول الجوار الذي وجدت مخرجاته مباركة الاتحاد الأفريقي وكذلك قوى إعلان الحرية والتغيير بشقيها (المجلس المركزي) و(الكتلة الديمقراطية) قد أحدثت مقاربة مهمة تمهد لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، وتشكل أرضية جيدة للحوار السياسي المرتقب، بخاصة في ظل ترحيب البرهان بمسار المؤتمر.

في السياق ومع تصاعد الأزمة الإنسانية، أعلنت الأمم المتحدة الموافقة على تخصيص 20 مليون دولار إضافية من الصندوق المركزي للطوارئ لمواجهة الاحتياجات الطارئة في السودان.

كانت الأمم المتحدة، قد وجهت تحذيرا قوياً من أن الصراع في السودان يدفع المنطقة كلها إلى كارثة إنسانية.

وحذر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفث، من أن مئات الآلاف من الأطفال في السودان يعانون سوء التغذية الحاد، ويواجهون خطر الموت إذا تركوا دون علاج.

ومع استمرار العنف في تدمير البلاد، تشير التقديرات إلى أن أكثر من 1.7 مليون طفل يتنقلون داخل حدود السودان، وأكثر من 470 ألف طفل عبروا إلى البلدان المجاورة، وفق تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).

إلى ذلك رجحت مصادر حكومية مطلعة أن تكون الزيارة الخارجية الثانية للفريق البرهان بعد مغادرته مقر القيادة العامة والخرطوم، ومنذ اندلاع الحرب في 15 أبريل (نيسان) الماضي، إلى عاصمة مدينة جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان، متوقعة أن يتواصل برنامج الزيارات خلال الفترة المقبلة ليشمل عدداً من الدول العربية والأفريقية الأخرى.