اخبار البحرين
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢٩ حزيران ٢٠٢٥
كامل جميل - الخليج أونلاين
المحلل السياسي مسار عبد المحسن راضي:
- الضربة الصاروخية الإيرانية على العديد كشفت أنَّ 'الخليج العربي في العقلية الإيرانية لا يعدو كونه مجرَّد فتيل لإشعال صراعها مع الغرب'.
- طهران مُلزمة بالاعتراف بأن وزنها الجيواستراتيجي في العالم محمي بواسطة بكين وموسكو.
- طهران ملزمة في حربها مع 'إسرائيل' أن تُخرِج الخليج العربي من حسابات الرد.
- الخليجيون معنيون بعدم انزلاق المنطقة إلى مسرح توازنات.
مثّل الهجوم الصاروخي الإيراني على قاعدة العديد بدولة قطر في 23 يونيو 2025- رداً من إيران على مشاركة الولايات المتحدة في الحرب الجوية التي شنتها 'إسرائيل' عليها- صدمة لدى العواصم الخليجية التي أبدت استياءً شديداً لوّح بتأثر العلاقات بين دول الخليج وإيران.
ولطالما اتسمت العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران بتقلبات حادة، بين فترات من التوتر الأمني والسياسي وأخرى من الحوار الدبلوماسي المحدود.
وكان مارس من عام 2023، نقطة تحولٍ في مسار هذه العلاقات، عندما دشّنت الصين مساعي حثيثة نجحت من خلالها في استعادة جسور التواصل بين الرياض وطهران انعكس إيجاباً على علاقات الأخيرة بعواصم الخليج، لكنالهجوم الإيراني وضع هذا التحسن في العلاقة على المحك.
في أعقاب الهجوم على العديد، صدرت بيانات شديدة اللهجة عن دول الخليج الست، جاء فيها:
دانت دول الخليج ومجلس التعاون الخليجي بأكمله، ما وصفته بـ'عدوانٍ إيرانيٍّ خطيرٍ ومرفوض'.
عدّت دول الخليج أن الاستهداف يمثل انتهاكاً صارخاً لمبادئ حسن الجوار وقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
عبّر البيان الختامي للاجتماع الاستثنائي الـ49 للمجلس الوزاري الخليجي، المنعقد بالدوحة في 24 يونيو 2025، عن 'أسفه الكبير وإدانته الشديدة لهذا العدوان'.
أكد البيان رفضه القاطع لأي مساس بسيادة قطر أو تهديد لأمنها واستقرارها.
وسط تصاعد الغضب الخليجي، دعا المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، أنور قرقاش، إيران إلى 'ترميم الثقة مع دول الخليج'، مؤكداً أن الهجوم على قطر 'يمس أمننا جميعاً'.
وقال قرقاش في منشور على منصة 'إكس' (28 يونيو 2025)، إن دول الخليج وقفت بقوة ضد الحرب الإسرائيلية على إيران، وسعت عبر كل المنابر الدولية لخفض التصعيد، وعلى رأسها الملف النووي.
ورأى أن استهداف السيادة القطرية ضرب لثوابت العلاقات؛ ويستوجب من طهران مراجعة جادة.
من جانبها، اعتبرت قطر أن الهجوم على قاعدة العديد ألحق أضراراً بالعلاقة مع إيران. وقال رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: 'ما حدث سيترك ندوباً على العلاقة، ونأمل أن يُفهم أن الجوار لا يُنتهك'.
في السياق ذاته، وصف مستشار رئيس الوزراء القطري، الدكتور ماجد الأنصاري، الهجوم بأنه 'لحظة فارقة'، مشيراً إلى أن الدفاعات القطرية تصدّت بنجاح لمعظم الصواريخ، ما شكّل 'رسالة ردع' واضحة.
وأضاف الأنصاري، في حديث لشبكة CNN (27 يونيو)، أن أمير قطر تلقى اتصالاً من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عُرض خلاله التوسط لاتفاق بين إيران و'إسرائيل'، وهو ما باشرت قطر العمل عليه فوراً.
وأشار إلى أن الرئيس الإيراني اعتذر رسمياً من أمير قطر في اتصال هاتفي، مبيناً أن الرد كان دبلوماسياً رغم خطورة الهجوم، في إشارة إلى احتواء الموقف ومنع التصعيد.
وأكد الأنصاري أن استهداف قاعدة العديد، التي تضم أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي، شكّل تهديداً مباشراً لأمن قطر والمنطقة.
في الوقت الراهن، يبدو أن دول الخليج، رغم إداناتها الحادة، لم تُغلق الباب تماماً أمام طهران، إذ ما تزال مسألة إعادة بناء الثقة مطروحة على الطاولة، لكن تحت سقف واضح من الشروط والضمانات.
ومع إعلان وقف إطلاق النار بين إيران و'إسرائيل'، بفضل الوساطة القطرية والأمريكية، تبدو المنطقة أمام فرصة نادرة لصياغة شراكة إقليمية جديدة تتجاوز الأزمة الراهنة.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستختار إيران، هذه المرة، الإقدام على خطوات ملموسة تبني بها الثقة المفقودة، أم أن ندبة حادثة العديد ستطبع في الوجدان الخليجي رهاب التعامل معها لسنوات قادمة؟
الكاتب والمحلل السياسي مسار عبد المحسن راضي يقول: إنه 'في أوقات الأزمات التي تواجهها الدول، خاصَّةً تلك التي تمسُّ بشكلٍ مباشر، طبيعة النظام وكيان الدولة، تبرز الذاكرة المؤسساتية لأيَّة دولة، حيثُ الحرب تحديداً، تنفض الغبار عن الأصدقاء و الأعداء في القبو التاريخي لهذه الدولة أو تلك'.
ويشير راضي في حديث لـ'الخليج أونلاين'، إلى أن 'مشكلة إيران هي امتلاء قبوها التاريخي بالأعداء، والخصوم، والمنافسين، والمنافسين المحتملين'.
ويرى أن الضربة الصاروخية التي وجهتها إيران ناحية قاعدة العديد في قطر كانت 'كارثيَّة'، مبيناً أنها كشفت من بين أمورٍ عديدة، أنَّ 'الخليج العربي في العقلية الإيرانية لا يعدو كونه مجرَّد فتيل لإشعال صراع طهران مع الغرب'.
والأهم في هذا كله هو رد الدوحة؛ إذ 'كشف بُعداً خليجياً في السياسات العالمية' بحسب راضي، الذي ينصح طهران بـ'أن تصنع منه نُسخة لإدارة سياساتها في المنطقة العربية'.
ويواصل: 'الدوحة فهِمت أن هدف تل أبيب هو إجبار المنطقة على أن تدخل في الحرب ولو لوجستياً معها ضد إيران'، مؤكداً أن 'الدوحة أبطلت نظرية الدومينو السياسية التي كانت إسرائيل تريدها'.
يلفت راضي إلى أن طهران ملزمة في حربها مع 'إسرائيل' بأن تُخرِج الخليج العربي من حسابات الرد؛ كما أخرجت الولايات المتحدة منها عندما ضربت 'العديد'.
وشدد على أن الخليجيين معنيون بعدم انزلاق المنطقة إلى مسرح توازنات، وأن طهران مُلزمة بالاعتراف بأن وزنها الجيواستراتيجي في العالم محمي بواسطة بكين وموسكو.
بدورهما فإن بكين وموسكو 'تجدان مغامرة طهران العقائدية في المنطقة ضريبة جانبيَّة. لكن بكين وبعد أن كانت جسراً لانفراجٍ دبلوماسي بين الرياض وطهران في مارس 2023، قالت ضمنياً: 'ادفعي أنتِ ضرائبك'، وفق راضي.
ويختم المحلل السياسي حديثه قائلاً: 'جليد الصواريخ الإيرانية سيذوب في حرارة الخليج. والحرارة الدبلوماسية لهذه المنطقة قد تسهم في إذابة كيان الدولة في طهران إذا ما استمرت في اعتبار المنطقة جزءاً من شتائها التاريخي'.