يلاحظ أن التعديل المقترح من قبل هيئة أسواق المال على قواعد حوكمة الشركات قد ركز بصورة رئيسية على مسألة إلزامية القواعد وطبيعتها القانونية. فعند صدور القواعد للمرة الأولى، تبنت الهيئة مبدأ الالتزام أو التفسير (Comply or Explain) في المادة 11، وهو المبدأ الذي يمنح الشركات قدرا من المرونة في التطبيق، بحيث يمكنها عدم الالتزام بالقواعد متى ما قدمت تفسيرا مقنعا للمساهمين يبرر ذلك. إلا أن التطبيق العملي في الكويت لهذه القواعد أظهر أن الهيئة قد تعاملت مع المخالفات باعتبارها مخالفات موجبة للجزاء، بعضها يوجب الجزاء الفوري والآخر يوجب الجزاء بعد مرور المهلة التي تمنحها الهيئة للامتثال، وهو ما يتنافى مع الطبيعة غير الإلزامية المفترضة في هذا النموذج.

ومن ثم، فإن تحويل كل قواعد الحوكمة إلى قواعد إلزامية يعد تطورا منطقيا ومتسقا مع الواقع العملي، إذ يسعى إلى مواءمة النصوص القانونية مع التطبيق الفعلي. ويترجم هذا التوجه إلى تبني نموذج الالتزام وإلا Comply or Else، الذي يجعل أحكام الحوكمة ملزمة قانونا وترتب مسؤولية على الشركات في حال مخالفتها. ورغم أن هذا الاتجاه يتعارض مع توصيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) التي تؤكد أن أفضل الممارسات في هذا المجال تقوم على مبدأ الالتزام أو التفسير كما أن العديد من الأنظمة التشريعية تعتمد هذا المبدأ في تطبيق قواعد حوكمة الشركات كما هو الحال في المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا، فإن خصوصية البيئة الكويتية تبرر هذا النهج، فحوكمة الشركات في الكويت حديثة النشأة، كما أن دور المساهمين وأصحاب المصالح والمجتمع المدني في الرقابة والمساءلة لا يزال محدودا، مما يجعل من تعزيز الإلزام والرقابة التنظيمية خطوة ضرورية لترسيخ مبادئ الحوكمة.

وفي المقابل، فإن التعديل المقترح على البند 9 من المادة 3 - 7 يثير إشكالية تتعلق بتناقضه مع التوجه الإلزامي للمادة 11، حيث ينص التعديل على إلزام الشركة «بإعداد تقرير حوكمة سنوي يتلى في الجمعية العامة للشركة يتضمن متطلبات وإجراءات استكمال قواعد حوكمة الشركات ومدى التقيد بها، مع بيان القواعد التي تم الالتزام بها والقواعد التي لم يتم التقيد بها مع مبررات عدم الالتزام». ورغم أن هذا النص يعزز الشفافية والإفصاح، إلا أنه يعطي انطباعا بأن للشركة حرية اختيار تطبيق القواعد أو عدمها طالما قدمت تفسيرا لذلك، وهو ما يعيد فعليا إحياء مبدأ المرونة (Comply or Explain) الذي يفترض أن التعديل على المادة 1 قد تجاوزه.

ولتحقيق الاتساق التشريعي والموضوعي بين المادتين، يقترح إعادة صياغة البند 9 بحيث يؤكد على الطبيعة الإلزامية لقواعد الحوكمة، من خلال النص على أن يتضمن التقرير السنوي بيان مدى التزام الشركة الفعلي تطبيق قواعد الحوكمة، مع الإشارة إلى الجزاءات التي فرضت عليها أو التي قد تتعرض لها نتيجة إخلالها بالالتزام بقواعد الحوكمة.

في ضوء ما تقدم، يوصى بأن تتبنى هيئة أسواق المال أسلوبا تدريجيا في تطبيق الإلزام الكامل بقواعد الحوكمة، بحيث يتم الانتقال المرحلي من النظام المرن (Comply or Explain) إلى النظام الإلزامي (Comply or Else)، وفق معايير محددة تراعي حجم الشركة وطبيعة نشاطها ومستوى نضج إدارتها المؤسسية. كما يستحسن أن تصدر الهيئة دليلا تفسيريا محدثا يوضح نطاق الإلزام، ويبين بصورة تفصيلية الجزاءات المترتبة على المخالفة، بما يضمن وضوح القواعد ومنع التضارب في التطبيق.

وعلى المدى البعيد، يفضل أن تتجه الكويت نحو تعزيز ثقافة الحوكمة الطوعية القائمة على الوعي المؤسسي والمسؤولية الذاتية بالإضافة إلى توسيع دور المساهمين وأصحاب المصالح في الرقابة والمساءلة. وبذلك تصبح الرقابة الذاتية داخل الشركات، ورقابة المساهمين وأصحاب المصالح، مكملة للرقابة التنظيمية التي تمارسها الهيئة. إن تحقيق هذا التوازن بين الإلزام والمرونة هو ما سيسهم في بناء منظومة حوكمة متكاملة تراعي خصوصية السوق الكويتي، وتتماشى في الوقت ذاته مع المعايير والممارسات الدولية.

د.دانة الدعيج