تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى زيادة الضغط على الديمقراطيين لإعادة فتح الحكومة الفيدرالية، مستغلة الأزمة المتصاعدة في قطاع الطيران الأمريكي، مع دخول الإغلاق الحكومي شهره الثاني واستمرار تأثيره على الموظفين والعاملين في القطاعات الحيوية.

ويوجد نحو 700 ألف موظف فيدرالي يعتبرون 'أساسيين' ويجبرون على العمل دون أجر طوال فترة الإغلاق، ورغم أن مراقبي الحركة الجوية لا يمثلون سوى أقل من 2% من هذا العدد، فإن معاناتهم استحوذت على اهتمام خاص نظرا لتأثيرها المباشر على حركة الطيران وسلامة المسافرين، بحسب صحيفة 'واشنطن بوست' الأمريكية.

وقال نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس، إن الاضطرابات التي تشهدها الرحلات الجوية في أنحاء البلاد قد تتفاقم إذا قرر المراقبون المنهكون وعمال الطيران الآخرون التوقف عن العمل احتجاجا على عدم تلقي رواتبهم، مضيفا: 'انظروا، قد يتحول الأمر إلى كارثة، نحن نتحدث عن أشخاص لم يتقاضوا رواتبهم منذ ثلاثة أو أربعة شيكات، كم منهم سيتوقف عن الحضور إلى العمل؟'.

وفقد المراقبون الجويون أول راتب لهم هذا الأسبوع، ما أثار قلقا واسعا داخل القطاع، وقال فانس: 'الجميع هنا قلقون جدا من أننا سنشهد المزيد من التأخيرات والمزيد من الضغط على من يديرون النظام الجوي، ما سيؤدي إلى مشكلات متزايدة للمسافرين والعاملين على حد سواء، وهم الذين يجعلون هذا القطاع المتألق من الاقتصاد الأمريكي يعمل بكفاءة'.

ورغم هذه التحذيرات، فإن تأثير الإغلاق حتى الآن كان محدودا نسبيا، فقد أقر وزير النقل الأمريكي شون دافي في مؤتمر صحفي عقده في مطار لاجوارديا بأن الاضطرابات أقل من تلك التي شهدها القطاع خلال آخر إغلاق حكومي، لكنه أشار إلى أن النظام الجوي الأمريكي 'لا يزال هشا'، إذ يعاني من عجز في نحو 3 آلاف مراقب عن العدد المطلوب لتشغيله بكفاءة.

وبحسب بيانات شركة 'سيريوم' لتحليلات الطيران، فإن أداء القطاع خلال الأسابيع الأولى من الإغلاق كان متوسطا إلى جيد، مع تغير طفيف في حركة المطارات الكبرى، بينما كانت أغلب الاضطرابات مرتبطة بعوامل الطقس في شمال شرق البلاد أكثر من ارتباطها بنقص العمالة.

إلا أن بيانات إدارة الطيران الفيدرالية كشفت تباينا كبيرا في نسبة التأخيرات المرتبطة بنقص الموظفين، إذ بلغت 53% من مجمل التأخيرات في يوم 7 أكتوبر، قبل أن تنخفض في اليوم التالي إلى 4% فقط، مقارنة بمتوسط 5% قبل الإغلاق.

ويرى المحللون أن شركات الطيران كانت محظوظة نسبيا لأن الإغلاق وقع خلال فترة موسمية هادئة عادة بالنسبة للقطاع، وأن طقس أكتوبر المعتدل ساهم في تقليل الاضطرابات، وقال هنري هارتفيلدت، محلل الطيران ورئيس مجموعة 'أتموسفير للأبحاث'، إن شركات الطيران عادةً ما تقلص رحلاتها في هذه الفترة لتجنب فائض العرض وخفض الأسعار.

وأضاف أن الشركات كانت مستعدة مسبقا لسيناريو الإغلاق من خلال خطط طوارئ وضعتها استنادا إلى تجاربها السابقة، وأشار كريس سونونو، الرئيس التنفيذي لمجموعة 'إيرلاينز فور أمريكا'، إلى أن الاستثمارات الأخيرة في التقنيات الحديثة وتطوير الأنظمة التشغيلية بعد الجائحة ساهمت في زيادة مرونة شركات الطيران.

ومع ذلك، شهدت بعض المطارات الرئيسية نقصا في العاملين هذا الأسبوع، من بينها مطار لوس أنجلوس الدولي خلال عطلة نهاية الأسبوع، وعدة مطارات أخرى مثل مطار ريجان في واشنطن ومطار أوهير في شيكاغو، ما أدى إلى تأخيرات لافتة، وأظهرت بيانات 'سيريوم' مؤشرات على تباطؤ واسع في النظام الجوي، مع زيادة الإلغاءات في مطارات نيويورك الثلاثة الكبرى ومطار بوسطن لوجان الدولي، في إشارة إلى أن الضغوط بدأت تتصاعد بشكل منهجي.

من جانب آخر، قال الوزير دافي ومسؤولون آخرون إن تداعيات الإغلاق تتجاوز تأخير الرحلات، إذ تشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونجرس إلى أن الاقتصاد الأمريكي قد يخسر ما بين 7 و14 مليار دولار نتيجة توقف برامج الإعانات الغذائية وتأخر صرف رواتب الموظفين الفيدراليين.

وأوضح دافي أن 'العديد من مراقبي الحركة الجوية يمكنهم الصمود بعد أول راتب مفقود لأنهم يعملون منذ 10 أو 20 عاما، لكن هناك آخرين من الجيل الجديد ما زالوا في التدريب ولا يمكنهم تحمل ما يحدث الآن'، مضيفا أن نقص الكوادر أو التشتت الذهني في أبراج المراقبة سيؤدي إلى إبطاء عمليات الإقلاع والهبوط في مطارات عدة عبر البلاد، محذرا من أن مزيدا من التأخيرات وربما الإلغاءات قد تكون النتيجة المباشرة.

كما أبدى الوزير قلقه من تأثير الإغلاق على خطة الإدارة لتوظيف وتدريب مراقبين جدد في إطار مساعي تحديث نظام الملاحة الجوية الوطني، مشيرا إلى أن تمويل أكاديمية المراقبين في أوكلاهوما سيتي قد ينفد قريبا، ما قد يدفع بعض المتدربين إلى العدول عن الالتحاق بالوظيفة، لافتا إلى أن 'بعض المتدربين في الأكاديمية أو المقبولين في الدفعة القادمة قرروا الانسحاب، ونحن نرى هذا التأثير الآن بالفعل'.