اخبار مصر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥
السيسي وبوتين يشهدان تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة الأولى وتوقيع أمر شراء الوقود النووي للمحطة الواقعة شمال غربي البلاد مع ترجيح بدء التشغيل 2028
في خطوة جديدة نحو استكمال 'مشروع الضبعة النووي' في مصر، شهد الرئيسان المصري عبدالفتاح السيسي والروسي فلاديمير بوتين اليوم الأربعاء مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالمحطة الواقعة في مرسى مطروح شمال البلاد، كما شهدا توقيع أمر شراء الوقود النووي.
وبحسب هيئة المحطات النووية، لتوليد الكهرباء في مصر فإن وعاء ضغط المفاعل، الذي جرى تركيبه اليوم، هو أحد المكونات الرئيسة في المحطة النووية، ويحتوي بداخله على قلب المفاعل الذي تجرى فيه سلسلة التفاعلات النووية المتحكم بها، ويتميز الوعاء بقدرته العالية على تحمل الضغط ودرجات الحرارة المرتفعة، مع ضمان الإحكام الكامل ضد أي تسرب، مما يجعله عنصراً أساسياً في منظومة الأمان والموثوقية التشغيلية للوحدة النووية.
ومثل تركيب وعاء ضغط المفاعل، خطوة مهمة في استكمال بناء أول محطة للطاقة النووية في مصر، بتنفيذ شركة 'روساتوم' الحكومية الروسية للطاقة النووية بعد اتفاق حكومي وقعه البلدان في عام 2015، ويهدف إلى إنشاء أربع وحدات طاقة نووية لتوليد قدرة إجمالية تبلغ نحو 4800 ميغاوات، على أن يبدأ تشغيل المفاعل الأول عام 2028، ثم المفاعلات الأخرى تباعاً.
خلال مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل، شدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على أن حلم بلاده بمشروعها النووي للطاقة السلمية 'أصبح حقيقة بفضل العلاقات الاستراتيجية بين مصر وروسيا'، قائلاً 'نقوم اليوم بصياغة الصفحة الأولى لتاريخ بلادنا في هذا المجال، ففي منتصف القرن الماضي انتظرنا هذه اللحظة، فهي لحظة مهمة حتى نقوم ونحقق هذا الحلم، واليوم نرى أن هذا الحلم قد أصبح حقيقة بفضل هذه الجهود المبذولة من الجميع وتلك العلاقات الوثيقة بين كل من مصر وروسيا'، موضحاً أن العلاقات بين البلدين قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وقال السيسي في كلمته، خلال مراسم احتفالية تمت عبر تقنية الفيديو كونفرانس، إن محطة الضبعة النووية أحد المشاريع القومية المهمة لمصر، وأن بلاده ستمضي 'في مسيرة البناء والتنمية على رغم ما يحيط بنا من تحديات'، معرباً في الوقت ذاته عن امتنانه لمشاركة نظيره الروسي 'في الفاعلية التاريخية بتركيب وعاء الضغط الخاص بالمفاعل النووي الأول هنا في محطة الضبعة، وكذلك توقيع اتفاق توريد الوقود النووي لاستمرار عمل وتشغيل هذا المشروع'.
وبحسب السيسي فإن مشروع الضبعة 'أظهر أهمية إعداد الكوادر المصرية المتخصصة'، مشيراً إلى أن المشروع أسهم في توفير آلاف من فرص العمل.
من جانبه أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن مصر تولي اهتماماً كبيراً ليس فقط في ما يخص مشروع الضبعة للطاقة النووية في الاستخدامات السلمية، ولكن أيضاً في التعاون المشترك بيننا والدعم المستمر لعلاقات الصداقة الثنائية بين روسيا ومصر.
وأضاف بوتين في كلمته أن 'بناء هذه المحطة بمشاركة روسية يعد عملاً ناجحاً، ونحن ننطلق لمرحلة أخرى أساسية من أجل تعزيز قدرات هذه المحطة بتقنيات حديثة وإنتاج الطاقة النووية وسد كل الاحتياجات الخاصة بالاقتصاد المصري'، مشيراً إلى أن الوحدة الأولى من المحطة ستسهم في إضافة قدرها 35 ألف كيلووات من الطاقة الكهربائية.
وأمس أعلنت رئاسة الجمهورية المصرية أن الرئيسان السيسي وبوتين سيشاركان 'في فعالية تاريخية بمناسبة تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى، إلى جانب توقيع أمر شراء الوقود النووي، في خطوة محورية تضاف إلى مسيرة استكمال مشروع محطة الضبعة النووية'.
واعتبر المتحدث باسم الرئاسة المصرية محمد الشناوي أن 'مشاركة الرئيسين في هذا الحدث تجسد عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وتمثل امتداداً لمسيرة التعاون الثنائي المثمر عبر مشاريع عملاقة تركت بصماتها الواضحة على مسار التنمية، بدءاً من تشييد السد العالي في ستينيات القرن الماضي، وصولاً إلى المشروع القومي لإنشاء محطة الضبعة النووية'.
منذ عقود طويلة، عد امتلاك مصر 'برنامج نووي سلمي' لتوليد الطاقة الكهربائية 'حلماً بعيد المنال'، بعد أن بدأت أولي مساعيها في هذا الاتجاه خلال حقبة خمسينيات القرن الماضي، إلا أن تلك الجهود شهدت تعثرات متتالية قبل أن توقع القاهرة أخيراً مع شركة 'روساتوم' الحكومية الروسية في عام 2015 اتفاق تعاون لإنشاء محطة نووية في منطقة الضبعة بكلفة تبلغ 25 مليار دولار (قدمتها موسكو قرضاً حكومياً ميسراً للقاهرة)، وذلك قبل أن يوقع السيسي وبوتين الاتفاقات النهائية الخاصة ببناء المفاعل النووي في ديسمبر (كانون الأول) 2017.
وبحسب بيانات رسمية مصرية، فإن المحطة التي يتم بناؤها في مدينة الضبعة بمحافظة مرسي مطروح (تبعد نحو 300 كيلومتر شمال غربي القاهرة) تتكون من أربع وحدات للطاقة، بقدرة 1200 ميغاوات لكل منها، بقدرة إجمالية 4800 ميغاوات، ومزودة بمفاعلات الماء المضغوط من الطراز الروسي 'في في إي أر 1200'، وهو من الجيل الثالث المطور.
وتقام محطة الضبعة التي تعد من أضخم مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية في القارة الأفريقية، على مساحة 45 كيلومتراً مربعاً بطول 15 كيلومتراً على الساحل الشمالي وبعمق خمسة كيلومترات، وتتكون المباني الرئيسة بها من مباني التوربينات والتحكم والملحقات وغرفة البخار ومبنى المفاعل ومبنى الأمان.
وتعد المحطة المصرية من الجيل الثالث المتقدم للمحطات النووية، الذي يعمل بالماء المضغوط ويتوافق مع متطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي مصممة لتحمل تحطم طائرة بقوة 400 طن أو الزلزال الذي تصل شدته إلى تسع درجات على مقياس ريختر، وهي مماثلة لمحطة لينينغراد الروسية للطاقة النووية التي نفذتها 'روساتوم'، ويرجح اكتمال عمل الوحدات الأربع للمحطة النووية في الضبعة بصورة كاملة بحلول عام 2030، بحسب رئيس هيئة المحطات النووية للطاقة الكهربائية في مصر.
ووفق الشروط التعاقدية بين البلدين، فلن يقتصر دور الجانب الروسي فقط على إنشاء المحطة، بل سيقوم أيضاً بإمداد الوقود النووي طوال العمر التشغيلي لمحطة الضبعة النووية، كما سيقوم بترتيب البرامج التدريبية للكوادر البشرية المصرية وتقديم الدعم في تشغيل وصيانة المحطة على مدار الأعوام الـ10 الأولى من تشغيلها. علاوة على ذلك، سيقوم الجانب الروسي بإنشاء منشأة لتخزين الوقود النووي المستهلك، وذلك بحسب بيان حكومي مصري في عام 2023.
كذلك تسهم كوريا الجنوبية في مشروع الضبعة عبر شركتها الحكومية للطاقة المائية والنووية 'كيه إتش إن بي'، من خلال توريد معدات ومواد البناء الرئيسة والفرعية، وفق وسائل إعلام محلية.
وتسعى القاهرة من امتلاكها إلى محطة طاقة نووية سلمية لتنويع مصادر الطاقة لديها وخفض الاعتماد على الغاز الطبيعي والمنتجات البترولية، إذ بحسب رؤيتها للتنمية المستدامة 2030 تستهدف البلاد إدخال الطاقة النووية بنسبة ثلاثة في المئة في مصادر الطاقة لعام 2035، إلى جانب 42 في المئة من مصادر الطاقة المتجددة (رياح/ شمسية/مائية) مقارنة بـ20 في المئة عام 2022، ويرى خبراء ومراقبون أن مشروع الضبعة النووي يوفر مصدراً اقتصادياً للكهرباء في ضوء العمر الممتد لمحطات الطاقة الكهربائية التي تعمل بالوقود النووي مقارنة بالوقود الأحفوري.
ووفق بيانات رسمية مصرية، فإن اكتمال بناء محطة الضبعة ودخول مصر النادي النووي 'يعني دخول الاقتصاد مجالاً أرحب وأوسع، مع زيادة إنتاج الكهرباء وإتاحة تنويع مصادر الطاقة البديلة غير الناضبة والرخيصة نسبياً، وتقليل الاعتماد على النفط والغاز، وتجنب تقلبات أسعارهما'.
لم تكن محطة الضبعة النووية هي أولي المساعي المصرية والتحركات لبناء محطة طاقة نووية لإنتاج الكهرباء في البلاد، إذ تعود الجذور الأولى لتلك التحركات النووية المصرية لمنتصف خمسينيات القرن الماضي، حين أنشأت القاهرة لجنة الطاقة الذرية عام 1955، رداً على البرنامج النووي الإسرائيلي آنذاك، الذي تلاها تعاون القاهرة مع الاتحاد السوفياتي السابق في عام 1961 لإنشاء أول مفاعل نووي للأبحاث بمدينة أنشاص التابعة لمحافظة الشرقية بقدرة ميغاواتين حراريين، ليتوالى بعدها طرح المشاريع النووية المصرية - الروسية، إلا أنها كانت مجرد اتفاقات لم تكتمل، وخاضعة للدراسات والمحادثات الفنية والسياسية.
وخلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، شهدت مصر محاولتان أخريان لم تكتمل نحو بناء محطة للطاقة النووية، كانت الأولي في عام 1964 في عهد الرئيس السابق جمال عبدالناصر حين طرحت مصر مناقصة دولية لإنشاء محطة نووية في منطقة برج العرب بمحافظة الإسكندرية، إلا أن حرب 1967 أوقفت المشروع، فيما جاءت المرحلة الثانية في عهد الرئيس السابق أنور السادات وتحديداً بعد عودة العلاقات المصرية - الأميركية في عام 1974، إذ اتفق البلدان حينها على بيع واشنطن مفاعل نووي لمصر كان مزمعا إقامته في منطقة الضبعة، لكن المشروع لم يكتمل بعد رفض القاهرة اشتراط الولايات المتحدة إنتاج الوقود النووي خارج مصر مع إجراء التفتيش على المنشآت النووية.
وبدأ التركيز على موقع الضبعة ليكون المكان المستقبلي للمشروع النووي المصري في بداية ثمانينيات القرن الماضي، حين خصصت السلطات المصرية في عام 1981 تلك المدينة الواقعة في محافظة مرسى مطروح على ساحل البحر المتوسط، لإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية، وذلك قبل أن تطرح في عام 1983 مناقصة دولية لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء هناك بقدرة 1000 ميغاواط، وعلى رغم تحليل العطاءات وتفاوض القاهرة مع المتناقصين طوال عامي 1984 و1985، إلا أنه قبل موعد إعلان الفائز في المناقصة توقف مشروع الضبعة على إثر حادثة تسريب مفاعل تشرنوبيل في أوكرانيا في الـ26 من أبريل (نيسان) 1986، وذلك على رغم اختلاف نوعية المفاعلين.
ومنذ ذلك الحين توقفت الجهود المصرية نحو استكمال مشروعها النووي قبل أن يعود للواجهة مرة أخرى في أواخر حكم الرئيس السابق حسني مبارك، حين أعلن في عام 2007 استئناف مشروع الضبعة النووي، لكن المشروع توقف لأسباب أثيرت حول مدى ملاءمة منطقة الضبعة لإقامة مشروع نووي، وذلك قبل أن تقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أغسطس (آب) 2010 بأن موقع الضبعة مناسب لإقامة المحطة النووية.
مع الأحداث السياسية التي شهدتها مصر في عام 2011، عاد مشروع الضبعة للتوقف والتعليق مجدداً، وذلك قبل أن يعود للواجهة بعدها بسنوات قليلة تسارعت خلالها الخطوات حتى وقعت القاهرة مع شركة 'روساتوم' الروسية بتنفيذ المشروع في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015.


































