متابعات – نبض السودان

في إنجاز ثقافي جديد للأدب السوداني، تسلمت الروائية والكاتبة المسرحية ليلى أبو العلا، مساء الجمعة، جائزة 'بين بينتر' (PEN Pinter) لعام 2025، خلال حفل أقيم في المكتبة البريطانية بالعاصمة لندن، بحضور نخبة من الأدباء والمفكرين. وقد أعلنت أبو العلا خلال كلمتها في الحفل منح الكاتبة والصحفية السودانية ستيلا قايتانو لقب 'كاتبة الشجاعة لعام 2025″، تقديرًا لصمودها الأدبي ومواقفها الإنسانية في وجه التحديات.

جائزة أدبية تحمل إرث هارولد بينتر

تُمنح جائزة 'PEN Pinter' سنويًا تخليدًا لذكرى الكاتب المسرحي البريطاني الحائز على جائزة نوبل في الأدب هارولد بينتر، وتُقدَّم لكاتب يتميز بجدارة أدبية رفيعة، ويُعبّر عن رؤية فكرية ثابتة لا تتزعزع تجاه العالم، تجسد روح البحث عن الحقيقة في مجتمعاتنا.

واختارت لجنة التحكيم، المكونة من روث بورثويك رئيسة مؤسسة 'PEN English'، والشاعرة والمؤلفة منى عرشي، والروائية نظيفة محمد، الكاتبة السودانية ليلى أبو العلا للفوز بالجائزة هذا العام، لتضيف اسمها إلى قائمة من كبار الكتّاب الذين عبّروا بأعمالهم عن الالتزام الأدبي والإنساني الذي سعى إليه بينتر.

كلمات مؤثرة من ليلى أبو العلا

في كلمتها خلال الحفل، عبّرت ليلى أبو العلا عن امتنانها قائلة:

'يشرفني ويسعدني أن أشارك جائزتي مع ستيلا قايتانو، الكاتبة التي أعجبت بها وقرأت لها بشغف على مر السنين. ستيلا كاتبة ملتزمة وناشطة شجاعة، تحملت خطاب الكراهية والتهديدات الجسدية. لقد فتحت قراءة أعمالها عينيّ على الظلم وعواقب الحرب في السودان. إنها كاتبة رائعة ومثرية، وقد فتحت بالفعل آفاقًا جديدة في الأدب الأفريقي.'

كلمات أبو العلا لاقت تفاعلًا واسعًا بين الحضور، حيث أكدت على أهمية الأدب السوداني في التعبير عن قضايا الحرب والهوية والعدالة، وعلى الدور الريادي الذي تلعبه الكاتبات السودانيات في توثيق التجارب الإنسانية المعقدة في ظل الظروف السياسية والاجتماعية الصعبة.

ستيلا قايتانو: جائزة للبقاء والكتابة في زمن الحرب

بدورها، عبّرت ستيلا قايتانو، التي مُنحت لقب 'كاتبة الشجاعة لعام 2025″، عن تأثرها العميق بالجائزة، قائلة:

'يشرفني أن ليلى أبو العلا اختارت منحي هذه الجائزة. قد يبدو خبرًا سارًا، لكن عندما أفكر في أنني ربما لم أكن هنا لأشهده، تذرف عيناي الدموع. هذه ليست جائزة للشجاعة فحسب، بل هي جائزة للبقاء أيضًا. أهديها للكتاب السودانيين والجنوب سودانيين الشجعان الذين يواصلون الكتابة في زمن الحرب، في ظل غياب حرية التعبير.'

تصريحات قايتانو عكست حجم المعاناة التي يعيشها الأدباء في مناطق النزاع، مؤكدة أن الكتابة أصبحت فعل مقاومة في وجه القمع والخوف، وأن الكلمة لا تزال سلاحًا لمواجهة محاولات إسكات الحقيقة.

مسيرة أدبية متميزة لليلى أبو العلا

ولدت ليلى أبو العلا في الخرطوم ونشأت بها قبل أن تنتقل إلى أبردين في المملكة المتحدة عام 1990. تعد من أبرز الأصوات الأدبية السودانية على الساحة العالمية، وقد نشرت ست روايات من أهمها: 'المترجمة'، 'المئذنة'، و'زقاق الأغاني'.

كانت أبو العلا أول فائزة بجائزة كاين للكتابة الإفريقية، كما تُرجمت أعمالها إلى خمس عشرة لغة، وهي زميلة في الجمعية الملكية للأدب وتشغل منصب أستاذة فخرية بجامعة أبردين.

تميزت كتاباتها بمعالجة قضايا الهوية والاغتراب والدين والمرأة، بأسلوب يجمع بين العمق الفلسفي والتعبير الأدبي الرصين، مما جعلها أحد أبرز رموز الأدب العربي والإفريقي المعاصر في الغرب.

ستيلا قايتانو.. صوت من الجنوب يتحدى المنفى

أما ستيلا قايتانو، فقد وُلدت في الخرطوم عام 1979 لعائلة جنوب سودانية، ودرست الإنجليزية والعربية بجامعة الخرطوم، كما تدربت كصيدلانية. بعد انفصال جنوب السودان عام 2011، انتقلت إلى جوبا، لكنها عادت إلى الخرطوم في 2015 بعد تعرضها لمضايقات بسبب انتقاداتها لحكومة جوبا.

وفي عام 2022 حصلت على زمالة من برنامج 'كتّاب المنفى' التابع لرابطة القلم الألمانية وانتقلت إلى ألمانيا. كتبت ستيلا باللغة العربية ونشرت روايتي 'أرواح إيدو' و'إيريمي'، إضافة إلى مجموعتين قصصيتين.

وقد نالت روايتها الأولى منحة 'PEN Translates' عام 2020، لتصبح أول رواية من جنوب السودان تُنشر في المملكة المتحدة، في إنجاز تاريخي للكتابة النسوية الأفريقية باللغة العربية.

الأدب السوداني في قلب المشهد الثقافي العالمي

يأتي تتويج ليلى أبو العلا وستيلا قايتانو في وقتٍ يشهد فيه الأدب السوداني حراكًا متناميًا على الساحة الدولية، حيث تبرز أسماء سودانية في المحافل العالمية، رغم الظروف القاسية التي تمر بها البلاد.

ويؤكد هذا الفوز أن الكلمة السودانية قادرة على تجاوز الحرب والمنفى لتصل إلى العالم، حاملة رسائل عن الأمل والصمود والكرامة الإنسانية.