حياة لاذعة، رواية الكاتب الإيطالي، لوتشانو بيانشاردي، أحدث ترجمات ــ عن الإيطالية مباشرة ــ الكاتب المترجم الشاب مينا شحاتة، والذي أشار في تصريحات خاصة لـ “الدستور”، إلى أن الرواية تدور في أعقاب المعجزة الاقتصادية الإيطالية أو الازدهار الاقتصادي الإيطالي (بالإيطالية:economico il boom)؛ ذلك المصطلح الذي استخدمه المؤرخون والاقتصاديون ووسائل الإعلام لتحديد الفترة الطويلة للنمو الاقتصادي القوي في إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية إلى أواخر الستينيات، وعلى وجه الخصوص في الفترة الواقعة بين 1958 إلى 1963.

وأوضح “شحاتة”: “هذه المرحلة من التاريخ الإيطالي لم تمثل فقط حجر الزاوية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد - التي تحوّلت من دولة فقيرة، ريفية، إلى قوة صناعية عالمية - ولكن أيضًا فترة للتغيير الجسيم في المجتمع والثقافة الإيطالية، أصبحت مسألة تغطية الضمان الاجتماعي شاملة وسخيّة نسبيًا، كما تحسن المستوى المادي للمعيشة بشكل كبير بالنسبة للغالبية العظمى من السكان”.

تابع: “نحن أمام أمين مكتبة يترك زوجته وابنه ويرتحل إلى المدينة بحثًا عن العمل، كانت هذه بمثابة الذريعة الواضحة، ولكن المهمة التي أوكلها لنفسه كانت مختلفة تمامًا، أو هكذا زعم، هكذا، يجد البطل نفسه ينخرط في حياة مدنيّة، ويُجبر رويدًا رويدًا على التعايش مع مجتمع لم يكن ليقرر الحياة حسب تقاليده. لكي يحصل على قوت يومه، يتحتّم أن يصبح جزءًا من تلك الآلية الكريهة، الشركات الحديثة، بين زملاء طموحين، ورؤساء مكاتب متعجرفين، وسكرتيرات يسعين وراء الترقي”.

أضاف: “نُشرت حياة لاذعة عام 1962 وحققت نجاحًا كبيرًا، في هذه الرواية، التي تميل إلى أدب السيرة الذاتية بشكلٍ كبير، يتمكن بيانشاردي من التقاط واستباق ديناميكيات المجتمع المعاصر من تلاشي الإنسانية بين العلاقات بين الأفراد والحاجة إلى امتلاك المزيد من السلع الزائدة حتى أصبح الفرد عبدًا لحاجات يفرضها السوق نفسه، وتحوّل الثقافة إلى سلعة استهلاكية، يُمثّل انسحاب بيانشاردي من العالم الخارجي، ورفضه للآليات الاجتماعية، ثورة صامتة ومحاولة بائسة للتحرر من قيود لم يستطع الانفكاك منها، تلك الثورة التي، رُغم بؤسها واستكانتها، كانت بمثابة الفعل الأخلاقي الوحيد المسموح للفرد، وينخرط البطل في وظيفة شاقة، وينتهي به الحال للعمل لساعات طويلة، غارقًا في مرارة ولذوعة، في حياة مرة، لاذعة، التي تعطي عنوانًا للرواية نفسها”.

مؤلف رواية “حياة لاذعة”، لوتشانو بيانشاردي (1922 - 1971) كان كاتبًا، صحفيًا، مترجمًا، أمين مكتبة، ناشطًا وناقدًا تلفزيونيًا إيطاليًا، ساهم بشكل كبير في الحراك الثقافي الإيطالي بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تعاون بنشاط مع العديد من دور النشر والمجلات والصحف.

تتميز أعماله السردية بنزعات تمرد ضد المؤسسة الثقافية، التي انتمى إليها، وبتحليل دقيق للعادات الاجتماعية في إيطاليا خلال فترة الازدهار الاقتصادي، حتى إن النصوص السردية غالبًا ما تختلط بمقاطع مقالية تميل، في الغالب، إلى علم الاجتماع.