×



klyoum.com
morocco
المغرب  ١٧ أيار ٢٠٢٥ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

klyoum.com
morocco
المغرب  ١٧ أيار ٢٠٢٥ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

موقع كل يوم »

اخبار المغرب

»سياسة» العمق المغربي»

هاشمي: المشهد السياسي يعاني مرضا حقيقيا.. ولا يجب على المثقف ممارسة "الوصاية الإيديولوجية"

العمق المغربي
times

نشر بتاريخ:  الأربعاء ٥ شباط ٢٠٢٥ - ٢٣:١٠

هاشمي: المشهد السياسي يعاني مرضا حقيقيا.. ولا يجب على المثقف ممارسة الوصاية الإيديولوجية

هاشمي: المشهد السياسي يعاني مرضا حقيقيا.. ولا يجب على المثقف ممارسة "الوصاية الإيديولوجية"

اخبار المغرب

موقع كل يوم -

العمق المغربي


نشر بتاريخ:  ٥ شباط ٢٠٢٥ 

أكد الكاتب والباحث المغربي، محمد هاشمي أن المشهد السياسي يعاني من 'مرض حقيقي'، حيث أصبحت الحياة الحزبية مرتبطة بتسويات وتدافعات تجري بمنطق ميزان المصالح الضيقة، بعيدا عن أي أفق فكري أو مثل عليا أخلاقية، مشدد على أن الانتقال الديمقراطي الفعلي يتحقق بترسيخ التعددية، التي يجب أن تكون جوهرية وليست صورية، وأن تتشكل من رؤى وتصورات قادرة على إحداث تمايز نوعي، بدلًا من مجرد ترديد للشعارات دون أي تمايز نظري.

وأوضح هاشمي أن المملكة المغربية تمكنت من التخلص من خطاب المظلومية، وأعادت صياغة ملفاتها بلغة أكثر حداثة وانضباطا للعقل العمومي، مؤكدا على ضرورة التخلص من العنف والترهيب، والانخراط في نقاش عمومي حول مبادئ العدالة، للوصول إلى توافق مبني على قواعد منصفة توجه الاختيارات الدستورية والقانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وأكد هاشمي، في حوار مع جريدة 'العمق المغربي'، على أن أخطر مهمة يمكن أن يقوم بها المثقف هو دور الوصي الأيديولوجي، لأنه في هذه الحالة يكون مجرد وسيلة للإخضاع الرمزي للأتباع، موضحا أنه يجب على المثقف أن يتذكر دائما دوره الأساسي كمفكر، يساهم في تعميق النقاش العمومي، عوض أن يكون مجرد عازف في جوقة السياسة المبتذلة.

وفيما يلي نص الحوار كاملا:

أستاذ هاشمي ورد في كتابكم 'نظرية العدالة عند جون راولز؛ نحو تعاقد اجتماعي مغاير'، ما يلي:  '… فنحن للأسف لا ننتمي – مهما ادعينا ذلك – إلى مجتمعات العدالة التي رسخت القيم الدستورية والتشريعية والأخلاقية في سلوكاتها اليومية، ولسنا حتى محاورين أندادا نملك بدائل مغايرة لتصور العدالة الليبرالي فليس هناك من عاقل يمكنه أن يقايس بين نموذجية المواطنة في المجتمعات الديمقراطية الدستورية، وبين مجتمعاتنا التي تعيش انتقالها الديمقراطي البرزخي، الذي يراوح مكانه منذ أزمنة بعيدة…'.

بداية، كيف تفسر هذا 'الادعاء' بالانتماء إلى مجتمعات العدالة، بينما الواقع -كما وصفته- يُظهر عكس ذلك؟

في ظني من الضروري جدا أن نميز بين المجتمعات العادلة  وهذه تدخل في خانة اليوتوبيات التي لا تتحقق إلا نظريا في سياقات مثالية كاملة، مما يتضمن لا واقعيتها، بل يمكن القول إن الحسم النهائي في مدى العدالة  المطلقة لمجتمع معين ، هو شهادة بنزعته السلطوية المغلقة، التي تعفيه من المهمة الصعبة المتمثلة في المراجعة الدائمة لتصوراته حول العدالة، وفي أخذه الملفات المطلبية المعقولة مأخذ جد، على اعتبار أن العقيدة التي تجعل نسق العدالة مشبعا ومكتملا لا يمكنها ان تفسح أي هامش للإصلاح، ومن ثمة إن مواجهتها تكون في الغالب عبر اللجوء إلى وسائل غير سلمية، وهو ما يعمق أزمة هذه المجتمعات التي  تزعم أنها 'العادلة على إطلاق'  حيث تصبح فيها  مهمة الدولة هي إدارة الصراع الصريح وغير المعلن مع  مواطنيها، ومن هنا فهي تحمل عناصر نسفها ذاتيا، إنها مجتمعات لا تتطور ولا تتغير، بل تظل ثابتة في تصلب سلطوي إلى غاية انهيارها  في نهاية المطاف، الحال إن انهيار المجتمعات لا يعد انتصارا للعدالة، بل يفيد قبل كل شيء فراغها منها؛ أي  من قيام تصور للعدالة والشرعية متوافق عليه من طرف جميع فرقاء ما بعد انهيار الدول، ومن ثمة إن هذا الفراغ يمثل مجالا مناسبا لتنامي سلوكات غير منضبطة لأي قاعدة، اللهم التدبير النفعي في صوره الأكثر توحشا، والتاريخ يعطينا شواهد كثيرة عن كوارث ما بعد الثورات، التي تُعلن غالبا باسم مُثل تتعلق بالعدالة، لكنها سرعان ما تغرق مجتمعاتها في حالة من التيه الحقوقي، الذي يحتاج أحيانا أجيالا، بل قرونا لكي يعود لحالة من الوضوح، أي إلى مكسب مجرد عودة السلم الاجتماعي، وتوقف الدينامية التدميرية للصراع ولو ظاهرا في إطار التسويات، إذن إنه من الخطر بمكان التعامل مع عدالة مجتمع معين كاكتمال مطلق، لان ذلك يجعل أي مراجعة بمثابة اعتداء على وشيجة مقدسة لا تستحمل النظر ولا إعادة النظر، هذه المجتمعات هي ما قام بتوصيفها كارل بوبر في عمله الجليل حول ' المجتمع المفتوح  واعدائه' لهذا من المؤكد انني لم أقصد بما قلته أن هذه  المجتمعات غير عادلة مقارنة بأخرى هي كذلك على إطلاق.

في المقابل هناك مجتمعات العدالة التي كما سبقت الإشارة لا تدعي أنها قد أقفلت ملف عدالتها من عدمه، بل هي تتعامل مع كل مؤسسات المجتمع كوسيلة لتنظيم تعاون عادل، ولهذا فهي تعول في إطار تصفيتها لخلافاتها على مسلك واحد هو المؤسسات العادلة، على خلاف تلك الدول التي تعتبر أن القوة والسلطة في صورتها الفجة، التي قد تُختزل أحيانا إلى مجرد تفوق فزيائي وكمي على مستوى العنف وصناعة الخوف، كافية للبت في القضايا الخلافية، إنها ثقافة الرعب التي تجعل الناس 'يرضون من السلامة بالإياب'  فهم يراهنون فقط على النجاة من العقاب المرتقب والاعتباطي، الذي قد ينال من كل من لا يتناسب مع سياقات المصالح المتباينة باختلاف 'إرادات القوة' التي يمكنها أن تعيد ترتيب الأولويات حسب بوصلتها الخاصة جدا، وهذا ما ينتهي في الأخير إلى تشكيل 'مدينة الغَلَبَة' وليس مدينة العدل، وعلينا أيضا أن ندرك أن مدينة العدالة لا تقوم فقط على أساس حدوس المظلومية التي توجه مطالب الناس وشكاويهم، على أساس أن الإحساس دليل قاطع على الإدانة، فيكفي أن اشعر بالضيم وبعدم الرضا، حتى انخرط في بكائيات أو حماسيات المظلوميات، التي تفيِّئ المجتمع من حيث المبدأ إلى ظالم ومظلوم، وبالتالي فمثل هذه النزعات لا ترى العدالة إلا كعقاب وانتقام وثأر، أو كما تعبر عنه أدبيات التنظيمات المتطرفة ب 'شفاء للصدور' برؤية النهايات المأساوي للظالمين، الحال ان هؤلاء هم أيضا في نظر أنفسهم أصحاب حق، مما يجعل كل ظالم قابل من حيث وجهة نظر أخرى ان يأخذ صورة مظلوم.  مجتمع العدالة إذن لا ينبني على الغلبة ولكن أيضا لا يقوم على المظلومية، لأن العدالة هي التي تحدد ما هو الظلم، وليس هذا الأخير هو ما يثبت عدالة وضع من عدمه، من هنا يمكن القول ان الكثير من المجتمعات في هذا المجال تضع العربة قبل الحصان للأسف.

لا يمكن أن نتحدث عن مجتمع عدالة إلا حين نتخلص من اعتبار العنف والترهيب وسيلة لفرض الأمر الواقع، وكذلك من الاعتقاد بأن أحاسيسنا كافية لبناء تصور للعدالة، وحينئذ لا يتبقى أمامنا إلا الانخراط الجدي في نقاش عمومي حول مبادئ للعدالة، والذي ينبغي أن يصل إلى توافق مبني على قواعد منصفة تكون هي الموجِّه لاختياراتنا الدستورية، ومن ثمة القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، فيصبح أي سلوك او اختيار او مطلب مستندا لهذه المبادئ المتوافق عليها بشكل سليم ومنصف، بعيدا عن الحذلقات القانونية، أو المزايدات السلطوية، أو الهلوسات الشعبوية، إنه حس العدالة حينما يتحول في بيئة سليمة إلى تصور معقول للعدالة، يجعل هذه الأخيرة غاية وليس مجرد وسيلة، في تلك اللحظة التي يصبح فيها الانضباط للعدالة طريقا للسعادة، وتضحي مهمة تعديل وإعادة التفكير في ضوابط العدالة مدخلا للتجويد المستدام لحياة الناس التي تدور حول مطلب العدالة مبتدأ ومنتهى، والذين يعيشون في مجتمع تعاوني وليس مجتمعا صراعيا، وهكذا لن يكون ثمن انتصار البعض هو انهزام الآخرين، بل من المفترض أن الجميع سينتصر إلى حد ما على تحدياته، وحتى أولئك الذين لم يتمكنوا من مسايرة الدينامية الاجتماعية، سيستفيدون باسم عدالة حية ومنصفة كهذه، من الضمانات التكافلية التي ينخرط فيها الناس طوعيا، على اعتبار ان سعادتهم هي من سعادة الآخرين وليس من بؤسهم. مع ذلك علينا أن نضع في الاعتبار أن هذا الحلم الجميل هو تحدٍ مستمر أمام الحس الأخلاقي للمواطنين، وليس عطية سهلة، ولا طبيعة راسخة، بل هو جهد لا يتوقف لبناء العدالة وحمايتها.

ذكرتَ أننا لسنا 'محاورين أندادا' في صياغة تصور مغاير للعدالة الليبرالية. هل هذا يعني أنك ترى في النموذج الليبرالي للعدالة قصورًا في معالجة إشكاليات مجتمعاتنا؟

إن تقاليد النقاش العمومي لم تترسخ بعد في سياق مجتمعاتنا التي للأسف تظل حبيسة أفق فكري مرتبط بقناعات ما بعد الكليناية وبلاغتها، إن الغالب على نقاشنا هو خطاب المظلومية، بل والمؤامرة والكيد الخفي من طرف المجتمع الدولي، ولهذا فنحن على مستوى العدالة الدولية لا نتوقف عن تقليم وشحن لغتنا ومرافعاتنا بعبارات الإدانة المسبقة، والعدائية المذهبية حيال كل من لا يتوافق مع انتظاراتنا  المتحيزة لذاتها عن وعي او عن غير وعي، لكن دعني أسجل في هذه اللحظة كيف ان المملكة المغربية في السنوات الأخيرة تمكنت من التخلص من خطاب المظلومية حيال قضاياها المرتبطة بالعدالة الدولية، واستطاعت ان تعيد صياغة ملفاتها  بلغة أكثر حداثة وانضباطا للعقل العمومي، الذي يفرض علينا بألا نعتقد أن قوة قناعتنا بعدالة قضيتنا كافية لإثبات قوة مطالبنا، وهكذا أصبحنا اكثر كفاءة في تحقيق المكاسب العادلة، وأقل خطابة وضجيجا، وهذا ربما ما لم يفهمه الآخرون الذين ما يزالون عالقين في عجيج خطاب مابعد-الكليناية.

لهذا إن القصور في هذا الصدد لا يتضمن وسما نَبذِيا قائما على تحقير للذات، بل هو مجرد دعوة للانخراط النِّدي، بعيدا عن شعار الخصوصيات، في النقاش الإنساني الكوني حول العدالة. لكن هذا لا يعني بالضرورة الانصهار في بوتقة واحدة من الأفكار التي نتجت في سياقات مختلفة، فلا أحد يمكن أن يقفز على تاريخه، بل إن الكونية بهذا المعنى تفيد فقط أن بناء الذات  حسب مطالب العدالة، يحتاج إلى جهد مستمر للانفتاح على الآخر في إطار علاقة منصفة، تخضع لما يدعوه رولز بمعيار التبادلية criterion of reciprocity  وذلك بدلا عن العقلية الصراعية المهيمنة على كثير من الوجوه التي تؤثثت مشهدنا الحقوقي والفكري.

وعلينا أن ننتبه إلى أن العدالة الليبرالية لا علاقة لها بالرأسمالية في صورتها الإمبريالية، فهذه في الواقع ارتبطت بأيديولوجيات عسكرية وكانت  بالمناسبة مبررة من طرف ماركس نفسه، الذي اعتبر بأن توسع رأس المال هو وحده الكفيل بتحديث الأوضاع، وخلق العناصر المناسبة لتشكل البروليتاريا  التي تمثل شرط الدخول في العصر الاشتراكي، ما علينا إلا ان نستحضر في هذا الصدد ما كتبه عن القضية الهندية ، لتتضح الرؤية، من المهم  كذلك ان نستحضر صفة 'السياسية' التي ترد بعد كلمة الليبرالية، فهذه تفيد أن هناك قيما وحقوقا وواجبات لا يمكن أن نتصور أي مجتمع إنساني يستغني عنها، مثل الكرامة والحرية والعدالة وغيرها من مكونات المنظومة المعيارية لليبرالية، وفي هذه الحالة يمكن تنزيل هذه القيم بأشكال وأسقف متعددة، بل إن القراءات الجماعاتية الأخيرة قدمت تعديلات على الليبرالية بما يتناسب مع مقتضيات الحقوق الثقافية، إلا انها لم تنقُض المطلب الليبرالي الأساس، الذي لا يتضمن كما نتعقد وصفات جاهزة   ومبتذلة كما يروج أصحاب بعض الدكاكين الحزبية، كما أنه لا يتعارض مع المواقف اليسارية حينما تكون على بينة من خلفيتها الأيدولوجية ، بعيدا عن دمى التنابذ والتنابز  التي تمثل نموذجا رديئا للفعل النضالي، إن أغلب منظري الليبرالية السياسية كانوا من أشد المنتقدين لسياسات الهيمنة والمركزية الغربية، وجعلوا الفكرة الحقوقية منفتحة على تنويعات متعددة تختلف تماما عن فكرة الوصاية الرأسمالية، خصوصا في صورتها الشعبوية الرديئة التي أصبحت تترسخ في السنوات الأخيرة، مُضْفِيَّةً على فكرة السوق دلالة لا علاقة لها بهذا المفهوم في عمقه الفلسفي، إن السوق هو البديل الأكثر إنسانية لساحة المعركة، والتجارة هي العلاج  الناجع للميول الحربية، لكن المشكل هو أن الكثيرين خلطوا بين هذه المفاهيم، فجعلوا التجارة نفسها معركة، وجلعوا الإنسان خادما للسوق بدل ان يكون هذا الأخير خادما للإنسان، مفاهيم كثيرة في رأيي تحتاج ضبطا نظريا، أصبح نادرا جدا سواء في الأوساط الفكرية، أو لدى الفاعلين السياسيين والحقوقيين، لهذا إن تطوير النقاش الحقوقي دوليا من خلال تظافر الجهود المحلية، التي من المفترض ان تواجه أسئلة العدالة بعيدا عن الجراحات الجماعية، التي تشوش على حيادية الرؤية، حينما تتضافر مع بعضها البعض، فإن هذا النقاش السليم سيجر الجميع إلى مزيد من النضج، وتصبح العدالة فرصة للحوار، وليس فقط للمطالبة بعقاب بعضنا البعض.

كيف يمكن تجاوز هذا 'البرزخ' في الانتقال الديمقراطي الذي وصفته؟ وهل ترى أن اعتماد 'نموذجية المواطنة' في المجتمعات الديمقراطية الدستورية هو الحل الأمثل لمجتمعاتنا؟

لا أملك في الواقع تشخيصا علاجيا لكل هذه الصعوبات، فأنا حريص دائما على تجنب الوصاية المعرفية في القضايا السياسية والحقوقية التي هي بطبيعتها مجال للنقاش العمومي، ولهذا فكل شخص يقدم نفسه على أساس أنه يملك وصفة علاجية حاسمة، هو في رأيي أشبه ما يكون بمشعوذي الطب البديل، الذين يرجون لحلول سحرية لما استعصى على الجميع، إن مهمة المشتغل في الفلسفة في رأيي هي فتح النقاش والسعي إلى استدامته، ونحت مفاهيم تلعب دور محفز توجيهي لإعادة التفكير المستمر في كل الأمور الخلافية، اعتقد ان هذا هو درس الديمقراطيات الدستورية الأساس، القائم على استبدال منطق الإملاءات بمنطق التوافقات ، فبينما الأول يرتكز على السلطة في صورتها الخام، يسعى  منطق التوافق إلى بناء هذه الصيرورة- السلطة التي لا تتصلب في نقطة دون غيرها، ولا تشتغل من خلال حيز يطمس كل ما عداه، بل هي تعاون تبادلي للتعديل المستمر للحياة العمومية حسب مطلب العدالة، والادراك الجيد بأن الحل  للأمور الخلافية ليس موقوفا على أحد، بل هو ما ينضج من خلال الممارسة السياسية السليمة، إن استيفاء الانتقال الديمقراطي الفعلي يتحقق لا محالة من ترسيخ التعددية، التي لا ينبغي ان تكون صورية لتأثيث الواجهة الديمقراطية، ولا ينبغي أيضا أن تكون صراعية من حيث جوهرها، لان السجال السياسي لا يتضمن دائما شرط حصول النقاش العمومي، الذي يعد أساس كل حياة ديمقراطية، وهذه التعددية من المفترض أن تتشكل من رؤى وتصورات قادرة على ان تخلف أطروحات نوعية، تجعل الاختلاف السياسي يجري ببن نظريات مؤسسة وذات مرجعية فكرية، وليس هذا الاختلاف الذي نتابعه وهو يدور تقريبا نفس الشعارات دون أي تمايز نظري، فيردد المحافظ ما يقوله اليساري، ويطالب هذا الأخير بنفس ما يطالب به اليميني، وذلك في خضم حالة من العماء والتجانس والسطحية المعرفية، بحيث يصبح الخلاف في البرلمان خلافا بين أشخاص يقدمون عروضا شعبوية، لكنهم يرددون نفس المظلوميات حينما يكونون  في المعارضة، ونفس المرافعات حينما يصلون إلى الحكومة، واعتقد أن هذا مرض حقيقي يعاني منه  مشهدنا السياسي، الذي يصعب على المثقف ان يجد له فيه مكان، بقدر ما ترتبط الحياة الحزبية بتسويات وتدافعات تجري كلها بمنطق ميزان المصالح الضيقة، بعيدا عن أي أفق فكري، او مثل عليا أخلاقية، إن الحياة الديمقراطية السليمة هي في حاجة لتعدد الرؤى وليس إلى مجرد سرك سياسي تقدم داخله تلك العروض الشعبوية التي جعلت رجل السياسة مرتبطا في المخيال العام بسمسار المصالح الفئوية، طبعا انا لا أعمم هذا الحكم، لكني أتحدث عن ظاهرة تمثل إحراجا لكل رجال ونساء السياسة ذوي الحس الفكري والنظري العالي، المشكل أن عوام السياسة الذين قد يكونوا بالمناسبة  ذوي شهادات عالية، هم من طبَع المشهد السجالي ببصمته الرديئة، بينما تظل النخبة السياسية بالكاد تقاوم كي تستمر موجودة داخل هذا المشهد.

أخيرا، ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه المثقفون والأكاديميون في تعزيز الوعي بمفهوم العدالة والمساهمة في بناء مجتمعات أكثر عدلاً؟

أعتقد إن دور المثقف في المساهمة في توجيه الشأن العام، ومن ثمة في بناء تصور متين للعدالة، طرح مشكلا منذ اليونان، إنه الصراع الشهير بين خطباء الديمقراطية الأثينية وبين تلامذة سقراط الذين لم يسامحوا أبدا هذه الديمقراطية عن حكمها بالإعدام على من مثَّل بالنسبة لهم أب المنهج الوحيد في تحصيل المعرفة الحقة، وتمييزها عن الانفعالات التي تشكل غشاوة على الحس السليم في الحكم على القضايا الإنسانية، لقد مثلت شخصية سقراط المزعجة لكبار ساسة أثينا، ولعسكريها ولوجهائها ورجال قضائها، نموذجا لهذه العلاقة الخطرة ما بين السياسة والفكر الحر، أي الفكر الذي يحاور وينتقد  ولا يكتفي بتبرير ما يُقرر بعيدا عنه. هذا ما وجد له أفلاطون تلميذ سقراط الأكبر  حلا أكثر خطرا، يتمثل في مفهوم الملك الفيلسوف الذي يزاوج في نفس الشخص مع مستشاريه بين السلطة والحكمة، لكن تبين من خلال التجربة أن هذه المعادلة غير ممكنة، ولهذا فقد أسقطت ردة فعل الأفلاطونية الفكر في عداء غريب للديمقراطية، وفي رهان أغرب على الطغيان المستنير إن شئنا استعمال مصطلح لاحق، لكن في كل الأحوال إن دور المثقف لم يصل أبدا إلى مستقر ثابت ونهائي، فهذا يدعو إلى المثقف النقدي، وذاك إلى المثقف العضوي، وآخر إلى الاستعاضة عن المثقف بالخبير التكنوقراطي، بل وهناك من يستبدل كل هذه الأطروحات بالمثقف الداعية أو فقيه السياسة الشرعية، لهذا من الصعب ان نجد وصفة مناسبة لتحديد طبيعة هذا الدور، اللهم التنبيه إلى أن أخطر مهمة يمكن ان يقوم بها هذا المثقف هو دور الوصي الأيديولوجي، لأنه في هذه الحالة يكون مجرد وسيلة للإخضاع الرمزي للاتباع، ولهذا فمن المفترض ألا ينسى هذا المثقف دوره الأساس في أن يكون مفكرا، وهذا يقتضي أن يساهم في تعميق النقاش العمومي، عوض ان يكون مجرد عازف في جوقة السياسة المبتذلة، إنه الطرف الذي لا يكتفي بالتفكير، بل يفرض بدربته المعرفية على الآخرين، إعادة التفكير، وهو التحدي الذي لا يجرؤ عليه كل أولئك الذين يدورون نفس الشعارات والمقولات في طاحونة نسمع لها عجيجا ولا نرى منها طحينا.

موقع كل يومموقع كل يوم

أخر اخبار المغرب:

سوريا تشكر الملك على قرار فتح سفارة المغرب بدمشق

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.

موقع كل يوم
30

أخبار كل يوم

lebanonKlyoum.com is 2025 days old | 71,310 Morocco News Articles | 1,874 Articles in May 2025 | 77 Articles Today | from 19 News Sources ~~ last update: 28 min ago
klyoum.com

×

موقع كل يوم


مقالات قمت بزيارتها مؤخرا



هاشمي: المشهد السياسي يعاني مرضا حقيقيا.. ولا يجب على المثقف ممارسة الوصاية الإيديولوجية - ma
هاشمي: المشهد السياسي يعاني مرضا حقيقيا.. ولا يجب على المثقف ممارسة الوصاية الإيديولوجية

منذ ٠ ثانية


اخبار المغرب

وداعا للزحام.. سيارة طائرة كهربائية تحلق فجأة في السماء لأول مرة - eg
وداعا للزحام.. سيارة طائرة كهربائية تحلق فجأة في السماء لأول مرة

منذ ٠ ثانية


اخبار مصر

الفرح تحول لمأتم.. وفاة سيدة بالمنيا بأزمة قلبية قبل زفاف نجلها بساعات - eg
الفرح تحول لمأتم.. وفاة سيدة بالمنيا بأزمة قلبية قبل زفاف نجلها بساعات

منذ ٠ ثانية


اخبار مصر

الجيش الاسرائيلي : الطيران الحربي نفذ 50 غارة على شمال خانيونس خلال 10 دقائق - ps
الجيش الاسرائيلي : الطيران الحربي نفذ 50 غارة على شمال خانيونس خلال 10 دقائق

منذ ٠ ثانية


اخبار فلسطين

الكويت تدعو مواطنيها لانتخاب أعضاء مجلس الأمة - kw
الكويت تدعو مواطنيها لانتخاب أعضاء مجلس الأمة

منذ ٠ ثانية


اخبار الكويت

افتتاحية الديار : الانتخابات النيابية المقبلة ترسم موقع لبنان في التحولات الإقليمية - lb
افتتاحية الديار : الانتخابات النيابية المقبلة ترسم موقع لبنان في التحولات الإقليمية

منذ ٠ ثانية


اخبار لبنان

ميا سعيد تتعرض لهذا الموقف خلال المقابلة وتتحدث عن بالدم و نفس - xx
ميا سعيد تتعرض لهذا الموقف خلال المقابلة وتتحدث عن بالدم و نفس

منذ ٠ ثانية


لايف ستايل

الرئيسان السيسي وبن زايد يؤكدان حرصهما على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بغزة - eg
الرئيسان السيسي وبن زايد يؤكدان حرصهما على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بغزة

منذ ثانية


اخبار مصر

بحضور نائب وزير الرياضة.. انطلاق منافسات بطولة نهائيات رابطة محترفات التنس في الرياض - sa
بحضور نائب وزير الرياضة.. انطلاق منافسات بطولة نهائيات رابطة محترفات التنس في الرياض

منذ ثانية


اخبار السعودية

الجغبير : مشاركة أردنية في المعرض الدولي للبناء في دمشق - jo
الجغبير : مشاركة أردنية في المعرض الدولي للبناء في دمشق

منذ ثانية


اخبار الاردن

الرئيس سلام: لإلزام إسرائيل وقف اعتداءاتها والانسحاب من كامل الأراضي اللبنانية - lb
الرئيس سلام: لإلزام إسرائيل وقف اعتداءاتها والانسحاب من كامل الأراضي اللبنانية

منذ ثانية


اخبار لبنان

تسجيل اعلى درجة حرارة في عمان منذ حزيران 2024 - jo
تسجيل اعلى درجة حرارة في عمان منذ حزيران 2024

منذ ثانية


اخبار الاردن

مصادر أمريكية: ترامب يعتزم تكليف مبعوثه للشرق الأوسط لتولي مهمة ملف إيران - eg
مصادر أمريكية: ترامب يعتزم تكليف مبعوثه للشرق الأوسط لتولي مهمة ملف إيران

منذ ثانيتين


اخبار مصر

العمل توضح حول التغييرات على مهنة عامل نظافة - jo
العمل توضح حول التغييرات على مهنة عامل نظافة

منذ ثانيتين


اخبار الاردن

 فريق الجراحة العامة بمستشفى العارضة ينقذ حياة ثلاثيني من إصابة نافذة في البطن - sa
فريق الجراحة العامة بمستشفى العارضة ينقذ حياة ثلاثيني من إصابة نافذة في البطن

منذ ثانيتين


اخبار السعودية

37 من إجمالي العاملين بالقطاع الصناعي من النساء - jo
37 من إجمالي العاملين بالقطاع الصناعي من النساء

منذ ٣ ثواني


اخبار الاردن

مراسل الجديد من بغداد: تمثيل عربي منخفض في القمة الـ34 واعتذارات من بعض الرؤساء والقادة - lb
مراسل الجديد من بغداد: تمثيل عربي منخفض في القمة الـ34 واعتذارات من بعض الرؤساء والقادة

منذ ٣ ثواني


اخبار لبنان

السيد الخامنئي: الكيان الصهيوني ورم سرطاني في المنطقة ويجب استئصاله - ye
السيد الخامنئي: الكيان الصهيوني ورم سرطاني في المنطقة ويجب استئصاله

منذ ٣ ثواني


اخبار اليمن

رؤساء الأقلام يتسلمون صناديق الاقتراع في البقاع وبعلبك - lb
رؤساء الأقلام يتسلمون صناديق الاقتراع في البقاع وبعلبك

منذ ٣ ثواني


اخبار لبنان

الجبير: نرفض تهجير الفلسطينيين وندعم استقرار السودان ولبنان وسوريا - ps
الجبير: نرفض تهجير الفلسطينيين وندعم استقرار السودان ولبنان وسوريا

منذ ٣ ثواني


اخبار فلسطين

صادق ماجد يعلق على إطلالة نوال الزغبي في بحكي عنك - xx
صادق ماجد يعلق على إطلالة نوال الزغبي في بحكي عنك

منذ ٣ ثواني


لايف ستايل

الإبادة مستمرة في غزة لليوم 589 .. قصف وحشي يوقع عشرات الشهداء شاهد - jo
الإبادة مستمرة في غزة لليوم 589 .. قصف وحشي يوقع عشرات الشهداء شاهد

منذ ٣ ثواني


اخبار الاردن

دراسة: جميع الكائنات الحية تصدر توهجا يختفي بعد الموت - jo
دراسة: جميع الكائنات الحية تصدر توهجا يختفي بعد الموت

منذ ٣ ثواني


اخبار الاردن

إسعاد يونس تكشف عن عرض فيلم زهايمر بهذه الدول العربية إحتفالا بالزعيم - eg
إسعاد يونس تكشف عن عرض فيلم زهايمر بهذه الدول العربية إحتفالا بالزعيم

منذ ٤ ثواني


اخبار مصر

بعد الانخفاض الكبير .. هكذا بلغ سعر الليرة الذهب في الأردن - jo
بعد الانخفاض الكبير .. هكذا بلغ سعر الليرة الذهب في الأردن

منذ ٤ ثواني


اخبار الاردن

شاهد.. ردة فعل وزير الثقافة السوري بعدما أوقفه طفل وفاجئه بسؤال عفوي أثناء مروره مع وفد مرافق! - sa
شاهد.. ردة فعل وزير الثقافة السوري بعدما أوقفه طفل وفاجئه بسؤال عفوي أثناء مروره مع وفد مرافق!

منذ ٤ ثواني


اخبار السعودية

الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي: العلاقات بين الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي تعبر عن الروابط العميقة بينها - iq
الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي: العلاقات بين الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي تعبر عن الروابط العميقة بينها

منذ ٤ ثواني


اخبار العراق

لجنة شباب القليوبية تقيم عوامل الأمن والسلامة للمنشآت الشبابية والرياضية بالعبور - eg
لجنة شباب القليوبية تقيم عوامل الأمن والسلامة للمنشآت الشبابية والرياضية بالعبور

منذ ٤ ثواني


اخبار مصر

وفد من الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي (DAAD) يزور عمان الأهلية لبحث آفاق التعاون الأكاديمي - jo
وفد من الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي (DAAD) يزور عمان الأهلية لبحث آفاق التعاون الأكاديمي

منذ ٤ ثواني


اخبار الاردن

إتلاف 1.5 طن مواد غذائية ومياه معدنية منتهية الصلاحية في معان - jo
إتلاف 1.5 طن مواد غذائية ومياه معدنية منتهية الصلاحية في معان

منذ ٤ ثواني


اخبار الاردن

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.






لايف ستايل