في إنجاز علمي غير مسبوق، نجح باحثون من معهد فرانسيس كريك وجامعة ليفربول جون مورز في تسلسل أول جينوم بشري كامل لمصري قديم عاش قبل حوالي 4500 إلى 4800 عام في موقع النويرات قرب بني حسن بصعيد مصر.

الدراسة، التي نُشرت في مجلة 'نيتشر'، كشفت عن رؤى جديدة حول أصول رجل عاش خلال فترة بناء الأهرامات الأولى، في عصر الدولة القديمة. تم استخراج الحمض النووي من أسنان الرجل، التي وُجدت محفوظة داخل إناء فخاري مغلق في مقبرة صخرية، مما ساعد على الحفاظ على المادة الوراثية بشكل استثنائي رغم المناخ الحار في مصر.

وكشف البحث أن حوالي 78-80% من أصول الرجل تعود إلى سكان شمال إفريقيا في العصر النيوليتي، خاصة من منطقة المغرب الأوسط، بينما يعود 20-22% من جينومه إلى سكان بلاد ما بين النهرين، مما يشير إلى تفاعلات سكانية مبكرة بين مصر والشرق الأدنى.

هذه النتائج تدحض الفكرة القديمة بأن مصر كانت حضارة معزولة جينيًا، وتؤكد أن المصريين القدماء كانوا جزءًا من شبكة بشرية أوسع تشمل شمال إفريقيا وغرب آسيا.

تشير تحليلات الهيكل العظمي إلى أن الرجل، الذي كان يبلغ من العمر بين 44 و64 عامًا عند وفاته، عاش حياة شاقة، ربما كصانع خزف، حيث أظهرت عظامه علامات التهاب مفاصل وتآكل نتيجة الجلوس الطويل وحمل الأشياء الثقيلة.

ورغم عمله الشاق، يشير دفنه في إناء فخاري داخل قبر صخري إلى مكانة اجتماعية مرموقة نسبيًا، مما يثير تساؤلات حول دوره في المجتمع.

يُعد هذا الإنجاز خطوة كبيرة في علم المصريات الجزيئي، حيث تغلب الباحثون على تحديات حفظ الحمض النووي في بيئة مصر الحارة.

ومع ذلك، حذر الباحثون، مثل الدكتور يحيى جاد من المركز القومي للبحوث بالقاهرة، من التعميم بناءً على جينوم فرد واحد، مشيرين إلى ضرورة تحليل المزيد من العينات لفهم التنوع الجيني للمصريين القدماء بشكل كامل.

تفتح هذه الدراسة نافذة على تاريخ مصر القديمة، مؤكدة الروابط الثقافية والجينية مع بلاد الرافدين، وممهدة الطريق لمزيد من الأبحاث حول الهجرات القديمة التي شكلت الحضارة المصرية.