قال الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، إن علاقة مصر بصندوق النقد الدولي تمر بمرحلة دقيقة، خاصة مع اقتراب موعد المراجعتين الخامسة والسادسة المقررتين في أكتوبر 2025، والتي ستحدد مصير ما تبقى من القرض البالغ قيمته 4.8 مليار دولار.

وأكد أن مصر نجحت بالفعل في تنفيذ إصلاحات مالية ساعدت في تجاوز بعض الأزمات، غير أن غياب الإصلاحات الهيكلية العميقة جعل الاقتصاد عرضة لصدمات عالمية مثل تداعيات حرب أوكرانيا وغزة.

خطة التخارج الحكومية

وأوضح النحاس، في تصريحات خاصة، أن الإصلاحات الهيكلية تمثل الركيزة الأساسية لتحقيق استدامة اقتصادية حقيقية، إلا أن بطء تطبيقها حال دون تحقيق النتائج المرجوة، مضيفًا أن الحكومة لم تقدم حتى الآن خطوات واضحة نحو تخارج الدولة من بعض القطاعات لفتح المجال أمام المنافسة، واكتفت بطرح مؤسسات للبيع بأسعار منخفضة لا تعكس قيمتها الحقيقية، معتبرًا أن هذا 'ملعب صعب لا يمكن المراوغة فيه'.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن بعض التصريحات الأخيرة تعطي الصندوق انطباعًا بأن مصر قد لا تستكمل البرنامج الحالي إذا لم يتم التوافق على رؤية جديدة للإصلاح الاقتصادي، وهو ما يعطي انطباع سلبي ويسحب الثقة من الاقتصاد المصري في ظل الاضطرابات الاقتصادية العالمية التي تنذر بارتداد الموجة التضخمية ورفع الفائدة وبالتالي قد ينذر ذلك بهروب الأموال الساخنة من مصر، مؤكدًا أن البديل إطلاق برنامج جديد أكثر توافقًا مع متطلبات الصندوق، ولفت إلى أن هذا المسار يحتاج إلى سرعة التحرك قبل أن يضيق الوقت المتبقي، خاصة أن الفترة الفاصلة حتى أكتوبر قصيرة جدًا.

وأضاف النحاس أن الوضع العالمي يزيد من صعوبة المشهد، إذ تعاني كبرى الاقتصادات من ارتفاع معدلات التضخم ورفع أسعار الفائدة، بجانب استقالات الحكومات في بعض الدول، وزيادة مبيعات السندات الحكومية، وأكد أن صندوق النقد يظل الضمانة الأساسية لاستعادة الثقة في الاقتصاد المصري، ما يتطلب وضع خطة جادة وشفافة للتوافق معه.

برنامج الإصلاح مع صندوق النقد

وأشار إلى أن الصندوق كان متحفظًا على الاتفاق السابق مع مصر ووافق عليه تحت ضغوط سياسية علي خلفية تطورات الأوضاع الإقليمية في 7 أكتوبر قبل الماضي، مضيفًا أن الموقف مع الولايات المتحدة – صاحبة الحصة الأكبر داخل الصندوق – ومعها 4 دول أخرى، يمثل عقبة رئيسية، حيث لن توافق هذه الدول على أي اتفاق جديد إلا إذا شهد الوضع الاقتصادي المصري تدهورًا أكبر.

وأكد النحاس أن تلميح مصر بتغيير مسارها مع الصندوق ليس مؤشرًا إيجابيًا، لكن كان من الأفضل منح انطباعًا بالجدية في ظل الضغوط القائمة، واعتبر أن مناقشة هذا الملف قبل عام كامل ستضع الحكومة تحت ضغط خلال المراجعات المتبقية من اتفاق الصندوق.

وأشار إلى أن التزامات الموازنة الجديدة، ومنها الإجراءات الضريبية ورفع الدعم التدريجي، ستضع اختبارًا صعبًا أمام قدرة الدولة على تقليص العجز، خاصة وأن جزء كبير من الإيرادات المتحققة هي حصيلة فرض ضرائب على أدوات الدين الحكومية التي وصلت إلى 900 مليار جنيه، وهو رقم مهم مقارنة بحجم العجز المالي القائم، وختم تصريحاته بالتأكيد على أن مصر تحتاج إلى التفاوض مع الصندوق بوجود سياسيين قادرين على المناورة والمرونة، بما يسمح بتحقيق التوازن بين استقرار الاقتصاد وحماية البعد الاجتماعي.