في اليوم الثاني من الإغلاق الجزئي للحكومة الفيدرالية، اتخذت إدارة الرئيس دونالد ترامب خطوات وصفت بأنها غير مسبوقة، بل وعقابية في طبيعتها من أجل تعظيم الضرر الناتج عن توقف التمويل، وحجب مليارات الدولارات المخصصة للولايات التي يقودها الديمقراطيون، بينما تمضي إدارة ترامب قدمًا في خطة لتسريح أعداد كبيرة من موظفي الخدمة المدنية.

هذه التحركات تؤكد كيف يسعى ترامب لاستغلال الإغلاق الحكومي لتحقيق أجندته، وتقليص الميزانية، والانتقام من خصومه السياسيين، وفقًا لصحيفة 'نيويورك تايمز'.

أما موقع بوليتيكو، فقدم في تغطيته روابط سياسية أكثر صراحة ومباشرة لأفعال إدارة ترامب خلال الإغلاق الجزئي للحكومة. فقد أشار بشكل قاطع إلى أن التخفيضات البالغة 8 مليارات دولار في تمويل برامج الطاقة استهدفت بوضوح 16 ولاية 'صوّتت جميعها لصالح نائبة الرئيس السابقة كامالا هاريس' في انتخابات الرئاسية السابقة، مما ربط الإجراء الحكومي بنتائج الانتخابات التي أوصلت ترامب إلى البيت الأبيض بشكل لا لبس فيه.

كما عزز تقرير 'بوليتيكو' هذا البعد الانتقامي عبر تضمين تصريحات مباشرة لاذعة للنائب الديمقراطي جورج لاتيمر الذي وصف هذه الخطوات بـ 'الانتقام السياسي'، وتساءل علانية عن غياب تخفيضات مماثلة في الولايات المؤيدة لترامب مثل فلوريدا وتكساس. بالإضافة إلى ذلك، نقلت المقالة عن نائب الرئيس جيه دي فانس تبريره الإجراءات بأنها عملية 'تنصيف' ضرورية لإعطاء الأولوية للخدمات الأساسية نتيجة إصرار الحزب الديمقراطي على عدم التوصل لاتفاق بشأن الموازنة العامة.

حجب 26 مليار دولار: استهداف الأجندة 'المناخية' و'الزرقاء'

أعلن راسل ت. فوت، مدير مكتب الميزانية بالبيت الأبيض، في سلسلة من المنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن الإدارة أوقفت أو ألغت صرف حوالي 26 مليار دولار من الأموال التي سبق الموافقة عليها عبر مجموعة من البرامج، واصفًا هذا التمويل بأنه 'مُهدَر' أو بحاجة إلى 'مراجعة إضافية'.

تجدر الإشارة إلى أن توقيت هذه القرارات، أو اختيار الأماكن المستهدفة، لم يكن مجرد مصادفة.

استهداف التمويل المناخي: أعلن فوت عن إلغاء شريحة من التمويل تبلغ حوالي 8 مليارات دولار، واصفًا إياها بأنها 'تمويل احتيال الصفقة الخضراء لـ أجندة اليسار المناخية'. وقد أثر هذا الإلغاء على مشاريع في 16 ولاية، معظمها تحت قيادة ديمقراطية.

معاقبة نيويورك: أوقفت الإدارة حوالي 18 مليار دولار من تمويل البنية التحتية الذي تمت الموافقة عليه لمشروعين رئيسيين للنقل يخدمان بشكل أساسي مدينة نيويورك، وهما مترو الأنفاق في الجادة الثانية ونفق جيتواي (الذي يربط نيوجيرسي ونيويورك).

هذا الاستهداف المباشر لمنطقة يمثلها زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، السيناتور تشاك شومر، وزعيم الأقلية في مجلس النواب، النائب حكيم جيفريز، وهما هدفان متكرران لهجمات ترامب الشخصية.

وقالت وزارة النقل إنها أوقفت التمويل في انتظار مراجعة الالتزام بتوجيهات ترامب المتعلقة بالتنوع والإنصاف والشمول (DEI)، لكنها سرعان ما تخلت عن أي وهم حول الدوافع السياسية، حيث ألقت باللوم في تجميد المراجعات على شومر وجيفريز، مشيرة إلى أن موظفي الحقوق المدنية المسؤولين عن المراجعة قد تم تسريحهم 'بسبب' قادة الأقلية.

التسريح الجماعي لموظفي الخدمة المدنية بات وشيكًا

تجاوزت تحركات ترامب مجرد حجب الأموال لتشمل تهديدات بتنفيذ موجة أخرى من التسريح الجماعي للموظفين الفيدراليين؛ ففي حديث خاص مع الجمهوريين في مجلس النواب، قال فوت إن عمليات التسريح قد تدخل حيز التنفيذ في غضون يوم أو يومين.

وردّد نائب الرئيس جيه دي فانس الحاجة إلى عمليات التسريح هذه، زاعمًا أنها ضرورية للحفاظ على 'الخدمات الأساسية'، على الرغم من أن مثل هذه التخفيضات لم تكن مطلوبة في حالات توقف عمليات الحكومة السابقة.

في الواقع، أوضح فوت للمشرعين الجمهوريين أن الإغلاق يمثل فرصة لإزالة المسؤولين الذين يعملون في برامج لا تتوافق مع الأجندة السياسية للرئيس.

هذا الموقف يشير إلى نظرة ترامب التوسعية للسلطة التنفيذية، حيث يغتنم أي فرصة لتقليص حجم القوة العاملة الفيدرالية وإعادة تشكيل الميزانية، وغالبًا ما تتحدى تكتيكاته العدوانية المحاكم والكونغرس.

الآثار المتفاقمة للإغلاق على الأمريكيين

بدأ الإغلاق في منتصف الليل مع بداية السنة المالية الجديدة بعد فشل الديمقراطيين والجمهوريين في التوصل إلى هدنة إنفاق قصيرة الأجل. فقد رفض الديمقراطيون في مجلس الشيوخ تمديد مستويات التمويل الحالية، جزئيًا لعدم حفاظها على مجموعة من الإعانات المنتهية الصلاحية التي تساعد ملايين الأمريكيين في دفع تكاليف التأمين الصحي.

ونتيجة لذلك؛ تم تسريح العديد من الموظفين الفيدراليين، بينما أُجبر آخرون، بمن فيهم أفراد الخدمة العسكرية وموظفو فحص الأمتعة في المطارات، على العمل دون أجر (مع وعد بالحصول على رواتبهم المتأخرة لاحقًا).

إيقاف أو تقليص عدد كبير من الخدمات الحكومية الحيوية:

أدانت السيناتور باتي موراي، الديمقراطية عن واشنطن، وهي زعيمة حزبها في لجنة المخصصات، هذه الإجراءات بقوة، قائلة إنها تُظهر كيف أن ترامب وفوت 'يستخدمان ببهجة الإغلاق الذي تسببا فيه كذريعة لإلحاق المزيد من الألم'.

ووصفت تعامل الإدارة مع الأزمة بأنه 'لعبة سياسية مريضة' تستخدم حياة الأسر الأمريكية وسبل عيشها كـ 'بيادق'.

مع استمرار الجمود المالي، تتزايد مخاطر الضرر المالي على الأسر والشركات والاقتصاد الأوسع، مما يؤكد أن الإغلاق في ظل ترامب تحوّل من خلاف ميزانية روتيني إلى أداة للانتقام السياسي وتنفيذ أجندة تقليص الحكومة.