اخبار المغرب
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٦ أيلول ٢٠٢٥
اقتنى بعض أحدث العتاد العسكري، لا سيما الجوي مثل 'أف 16' المعدلة والمنظومة الدفاعية 'هيمارس' التي لا يتوفر عليها في المنطقة سوى الرباط إضافة إلى دبابات أبرامز
لا يُخفي كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين في إسبانيا خشيتهم من فقدان بلدهم ما يسمى التوازن الاستراتيجي والعسكري مع المغرب بسبب إيقاع وكثافة التحديث العسكري الذي تعتمده الرباط، خصوصاً وتيرة التسليح والتزود بأكثر المعدات تطوراً من أميركا وإسرائيل وفرنسا.
وتخشى هذه القيادات العسكرية الإسبانية من أن يرجح اختلال التوازن العسكري والاستراتيجي كفة المغرب للمطالبة مستقبلاً باستعادة مدينتي سبتة ومليلية الواقعتين تحت السيادة الإسبانية شمال المملكة عبر استثمار ملفات الهجرة والاقتصاد والدبلوماسية أيضاً.
ويرى مراقبون أن متغيرات جيواستراتيجية تدفع أطرافاً إسبانية، خصوصاً العسكرية منها، إلى التوجس من تقوية المغرب لتحالفاته الاستراتيجية وقدراته العسكرية، معتبرين أن إسبانيا غير مستعدة حالياً للدخول في صراعات مباشرة مع المغرب، لكنها في القوت ذاته تبحث عن التحكم في عدد من الملفات المشتركة بين البلدين.
جاء أحدث تحذير صريح من المؤسسة العسكرية الرسمية الإسبانية من إيميليو خوسيه أرياس أوتيرو، وهو قائد في الجيش الإسباني يشغل منصب محلل في قسم التخطيط لدى هيئة الأركان العامة للجيش الإسباني، وهي الجهة المكلفة التخطيط الاستراتيجي طويل ومتوسط المدى، كما خاض عمليات خارجية في لبنان والعراق، وتولى مهام أمنية في القصر الملكي الإسباني.
ونشر هذا المسؤول العسكري الإسباني أخيراً دراسة مطولة على موقع المركز الأعلى للدراسات في الدفاع الوطني (CESEDEN)، أبدى فيها تخوفاته من 'تنامي الضغوط التي يمارسها المغرب على السيادة الإسبانية في مدينتي سبتة ومليلية'، منتقداً 'ضعف' إسبانيا في التعاطي بحزم مع هذه الضغوط الكثيفة من الجانب المغربي.
ونبه القائد العسكري الإسباني إلى أن المغرب يعتمد نهج 'الحرب في المنطقة الرمادية'، فلا هو أعلن الحرب صراحة ولا هو يمسك براية السلام، مستثمراً أوراقاً عدة كأدوات ضغط سياسية ودبلوماسية من قبيل ملف الهجرة غير الشرعية، مستشهداً بمثال اقتحام مئات المهاجرين السريين لسبتة في مايو (أيار) 2021، وأيضاً ورقة الضغط الاقتصادي وما سماه 'الحصار التجاري على مليلية'.
ووفق دراسة أوتيرو فإنه على صعيد مقارنة القدرات العسكرية بين البلدين فإن المغرب أحرز تقدماً ملحوظاً باكتساب عتاد حربي متطور من قبيل الدرونات والفرقاطات وأنظمة الدفاع الجوي، مدعوماً من أميركا وإسرائيل وفرنسا، ما يرجح كفة التفوق العسكري للمملكة، ويمنحها موقفاً تفاوضياً أعلى وأقوى في ملف حساس مثل ملف سيادة سبتة ومليلية.
وقبل تحذيرات أوتيرو كان الجنرال الإسباني (المتقاعد حالياً) فيرناندو أليخاندري مارتينيث، الذي سبق له أن شغل منصب رئيس أركان الدفاع بين الـ24 من مارس (آذار) 2017 والـ15 من يناير (كانون الثاني) 2020 أن حذر من تقليص الفجوة العسكرية بين الرباط ومدريد، والتي تسير مع مرور السنوات لمصلحة المغرب.
من جهته حذر رئيس حزب فوكس اليميني سانتياغو أباسكال منذ عام 2014 من السباق نحو التسلح الذي يعتمده المغرب في الأعوام الأخيرة، حتى إن 'الرباط تجاوزت مدريد في بعض جوانب هذا السباق العسكري والاستراتيجي'، لافتاً إلى أن المغرب يدشن قدرات هجومية وردعية حثيثة بإمكانها تغيير موازين القوى في غرب البحر الأبيض المتوسط، خصوصاً إذا امتلك في المستقبل مقاتلات 'أف 35'.
يعلق في هذا الصدد الباحث في الشأن العسكري والاستراتيجي محمد شقير بالقول إن هناك متغيرات جيواستراتيجية عدة جعلت بعض الأوساط الإسبانية، خصوصاً العسكرية منها، تتابع تقوية المغرب لتحالفاته الاستراتيجية وقدراته العسكرية، من أهمها الشراكة الاستراتيجية العسكرية المبرمة بين المغرب والولايات المتحدة الممتدة ما بين 2020 و2030.
وأردف شقير 'بموجب هذه الشراكة اقتنى المغرب بعض أحدث العتاد العسكري لا سيما الجوي، مثل (أف 16) المعدلة والمنظومة الدفاعية (هيمارس) التي لا يتوفر عليها في المنطقة سوى المغرب إضافة إلى دبابات (أبرامز)، وغيرها'.
ولفت المحلل إلى 'التحالف الإبراهيمي' الذي يجمع بين الولايات المتحدة والمغرب وإسرائيل الذي يشكل حلفاً سيقوي من مكانته العسكرية في المنطقة في الوقت الذي تتراجع فيه مكانة إسبانيا ضمن الاستراتيجية الأميركية، بخاصة مع إدارة ترمب الثانية التي جددت اعترافها بمغربية الصحراء، ورغبتها في الطي النهائي لملف الصحراء، وهو ما تخشاه إسبانيا التي ترى أن حله سيجعل المغرب يتفرغ لوضع مدينتي سبتة ومليلية.
ولم يفُت شقير التطرق إلى استراتيجية المغرب في شأن التحول إلى قوة بحرية من خلال بناء قاعدة بحرية في القصر الصغير، إضافة إلى إنجاز ميناء طنجة المتوسط والشروع في إنجاز كل من ميناء الناظور وميناء الداخلة، الذي ترى فيه أوساط إسبانية تقوية للتمدد البحري المغربي ورفعاً من قدراته في حماية حدوده البحرية، بما فيها تلك المحاذية لكل من مدينتي مليلية وسبتة في الشمال وجزر الكناري في الجنوب، بما تختزنه هذه المنطقة من معادن أصبحت محط تنافس بين القوى الصناعية، بما فيها الولايات المتحدة والصين.
وذهب شقير إلى أن مساهمة المغرب في مشروع أنبوب الغاز النيجيري سيقوي موقعه كبوابة طاقية وتجارية بين أفريقيا وأوروبا ومنصة أساسية للدول الكبرى نحو أفريقيا التي تشكل منطقة تجاذب وتنافس بين هذه القوى، وبخاصة الولايات المتحدة وروسيا والصين، خصوصاً بعد الانسحاب الفرنسي من منطقة الساحل وغرب أفريقيا، إذ تعول باريس على الاعتماد على المغرب من أجل إعادة وجودها في المنطقة، مما يزيد من التخوفات الإسبانية.
من جهتها أفادت الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير بأن تعزيز المغرب من قدرته العسكرية بصورة كبيرة في الأعوام الأخيرة قوى من موقعه كقوة عسكرية في شمال أفريقيا، الشيء الذي يربك إسبانيا، بخاصة في ظل تتبعها لاستراتيجية مغربية تقوم على تعزيز مكانة البلاد قارياً ودولياً على مختلف الصعد.
واستطردت لموير بأن سياسة تنويع الشركاء فتحت للمغرب آفاقاً جديدة ودعمت حضوره الدولي، مقابل توجس إسبانيا من مطالبة الرباط باسترجاع سبتة ومليلية، بخاصة أن إسبانيا ـ من خلال حزب فوكس ـ حاولت غير ما مرة القيام بخطوة استباقية فيما يخص سبتة ومليلية، محاولة منها لدرء المغرب عن القيام بأي خطوة في اتجاه المطالبة باستعادة المدينتين.
وأكملت لموير بأن القلق الإسباني ليس فقط تجاه وتيرة التحديث العسكري للمغرب، بل تجاه تحول المملكة إلى قطب قاري لا محيد عنه، خصوصاً بعد تنويعه لشركائه الدوليين، بالتالي 'إسبانيا التي كانت ترى في المغرب شريكاً تقليدياً صارت تعده اليوم نداً بذات القوة'، مردفة أن 'هذا الانفتاح المغربي على شركاء جدد قلص من الثقل الإسباني على المغرب'.
ومضت لموير قائلة إن 'تخوف مدريد لا ينحصر فقط في وتيرة التحديث العسكري للمغرب، بل من تبعات استرجاع سبتة ومليلية، في حال أقدم المغرب على المطالبة بعودتهما تحت السيادة المغربية، وهو أمر غير مستبعد، لأن إسبانيا تعي أن ذلك من شأنه تهديد اقتصادها بصورة مباشرة، بخاصة أنها تعتمد على معبري المدينتين بصورة كبيرة.
وذهبت المحللة إلى أن 'إسبانيا غير مستعدة للدخول في صراع أو عداوة مباشرة مع المغرب، لا سيما في الوقت الراهن في ظل المنعطف الاستراتيجي النوعي الذي يعرفه المغرب، لكنها في الآن ذاته تحاول البحث عن خطوة تمنحها زمام التحكم في الملفات المشتركة بين البلدين، وفي مقدمها معبرا سبتة ومليلية، مما قد يجعلها تضغط للتغاضي عن مطالبة المغرب باسترجاع المدينتين'.