استقبلت في مشهد مهيب يعكس مكانته الرفيعة، ووداع يليق بمكانته التاريخية والروحية، محافظة أسوان، فجر اليوم جثمان الأمير الراحل كريم الحسيني آغاخان الرابع، الإمام التاسع والأربعين للطائفة الإسماعيلية، وسط إجراءات رسمية وتنظيمية مشددة، استعدادًا لتشييعه إلى مثواه الأخير بجوار والده وجده في الضريح العائلي.

الأمير آغاخان الرابع، الذي وافته المنية عن عمر ناهز 87 عامًا، كان شخصية عالمية بارزة، عُرف بإسهاماته العظيمة في التنمية والتعليم والعمل الخيري، وقيادته الروحية لملايين الإسماعيليين حول العالم.

ومع وصول جثمانه إلى أرض مصر، يُغلق فصل من حياة رجل كرّس مسيرته لخدمة الإنسانية وتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان.

وُلد الأمير كريم الحسيني آغاخان الرابع في جنيف بسويسرا عام 1936، ونشأ في كنف أسرة ذات تاريخ عريق، حيث تولى زعامة الطائفة الإسماعيلية عام 1957 خلفًا لجده آغاخان الثالث (السلطان محمد شاه). ورغم امتلاكه إقامات متعددة في فرنسا وسويسرا وكندا، إلا أن لشبونة، عاصمة البرتغال، كانت من أبرز المحطات في حياته، حيث عاش فيها لسنوات طويلة بعد أن منحته الحكومة البرتغالية حق المواطنة عام 2015 تقديرًا لإسهاماته العالمية في التنمية والثقافة.

في لشبونة، أسس آغاخان مقرًا رئيسيًا لمؤسسته التنموية، وأسهم في دعم المشروعات الثقافية والتعليمية التي تهدف إلى تعزيز الحوار بين الأديان والحضارات.

كما كانت المدينة محطة رئيسية للقاءاته مع الشخصيات العالمية والمؤسسات الإنسانية. وظل حتى أيامه الأخيرة يدير أعماله الخيرية ومشروعاته التنموية من هناك، قبل أن يفارق الحياة لتبدأ رحلته الأخيرة إلى أسوان، حيث سيُدفن بجوار والده وزوجة والده في الضريح العائلي.

بتوجيهات من الدكتور سامح الحفني، وزير الطيران المدني، نسقت السلطات في مطار أسوان الدولي كل الإجراءات لضمان استقبال منظم وسلس للجثمان والوفود المرافقة.

وهبطت الطائرة الخاصة التابعة قادمة من لشبونة، وعلى متنها 80 راكبًا من أفراد أسرة آغاخان وأعضاء الطائفة الإسماعيلية للمشاركة في مراسم التشييع.

وكان في استقبالهم اللواء د. إسماعيل كمال، محافظ أسوان، واللواء طيار أحمد الباز، مدير مطار أسوان الدولي، والدكتورة حنان الجندي، المدير التنفيذي لمؤسسة أم حبيبة، إلى جانب فريق العلاقات العامة بالمطار، الذي أشرف على تقديم التسهيلات اللوجستية وفتح صالة كبار الزوار لاستقبال الوفود.

وفي تمام الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل صباح الأحد، وصلت الطائرة الخاصة الثانية التي تحمل جثمان الأمير الراحل، برفقة عدد من أفراد العائلة وأتباع الطائفة الإسماعيلية، حيث اتخذت الإجراءات الرسمية لنقل الجثمان إلى مثواه الأخير في الضريح العائلي.

بمجرد وصول الجثمان، نُقل في موكب رسمي إلى الضريح، حيث أُقيمت مراسم دفنه وفقًا للطقوس الإسماعيلية، بحضور أفراد عائلته وأتباع الطائفة الإسماعيلية الذين قدموا من مختلف أنحاء العالم.

وسيوارى الأمير الراحل الثرى بجوار والده، آغاخان الثالث (السلطان محمد شاه)، الذي تُوفي عام 1957، وزوجته البيجوم أم حبيبة، التي توفيت عام 2000.

ووفقًا لتصريحات عائلته، كان اختيار أسوان للدفن مرتبطًا بتاريخ العائلة ومكانتها الروحية، فقد كانت المدينة مقصدًا، مفضلًا لآغاخان الثالث، الذي عشق مناخها الدافئ وسحر طبيعتها، وقضى بها فترات طويلة خلال سنواته الأخيرة. وبوصية شخصية، دُفن هناك في ضريح مُهيب بُني على الطراز الفاطمي، والذي أصبح معلمًا سياحيًا ودينيًا بارزًا.

رغم أنه عاش لعقود في أوروبا، متنقلًا بين سويسرا وفرنسا والبرتغال، فإن قلبه ظل متعلقًا بأسوان، المدينة التي أوصى بأن يُدفن فيها، تأكيدًا لعمق ارتباطه بها، وكما فعل جده، الذي اختار أسوان مثوىً له عام 1957، جاء الأمير آغاخان الرابع في رحلته الأخيرة إلى مصر، حيث ووري الثرى في الضريح الذي أصبح مَعلمًا تاريخيًا بارزًا على الضفة الغربية لنهر النيل.

أما الأمير الراحل آغاخان الرابع، فقد سار على نهج جده، مؤمنًا بأن أسوان تمثل جزءًا من الإرث الروحي والعائلي، ولهذا أوصى بأن يُعاد جثمانه إليها بعد وفاته، ليُدفن وفقًا للتقاليد الإسماعيلية بجوار أسرته.