إن الدبلوماسية ليست مجرد أداة لإدارة العلاقات الدولية، بل هي روح الدولة وصوتها ومرآة حضارتها. هي الفن الإنساني الرفيع الذي يحمل بين طياته لغة الشعوب ووجدان الأمم وروح الحضارات والقدرة على حماية المصالح التي تُصان به الدول القومية، وتبنى الجسور مع الشعوب، وتُرسى قواعد السلام، وتجنب الصراعات، ويُصنع النفوذ. وفي عالم يموج بالتحديات والقضايا السياسية والاقتصادية، وتتسارع فيه المتغيرات لم تعد الدبلوماسية رفاهية، بل أصبحت خط الدفاع الأول عن الدول وركيزة وجودها.

إن الحديث عن الدبلوماسية المصرية ليس مجرد استعراض لتاريخ العلاقات الخارجية، بل هو رواية وطن عرف قدر نفسه منذ فجر التاريخ، وسعى دائمًا إلى تحقيق التوازن بين قوته الداخلية ومسؤوليته تجاه محيطه.

لم تكن مصر يومًا دولة منعزلة، بل كانت كعادتها فاعلاً مؤثرًا يحمل رسالة ويصوغ رؤية.

ولأن مصر هي صانعة البدايات، فقد سجلت الإنسانية على أرضها أول معاهدة سلام مكتوبة في التاريخ:

معاهدة قادش (1274 ق.م) بين الملك رمسيس الثاني والحيثيين.

تلك المعاهدة لم تكن مجرد وثيقة سياسية، بل كانت صرخة حضارية تؤكد أن السلام خيار الأقوياء، وأن مصر  منذ آلاف السنين  اختارت أن تعلّم العالم قيمة الحوار بدلًا من الصراع.

لقد مارس المصريون القدماء دبلوماسية ناضجة بأدوات تحمل ملامح العصر الحديث:

•    مبعوثون وكُتّاب مراسلات،

•    تحالفات وزيجات سياسية،

•    ووعي مبكر بقيمة القوة الناعمة وتأثيرها.

•    وتبقى الحقيقة الثابتة: أن مصر عبر التاريخ لم تكن تابعًا لأحد، بل كانت صانعة للقرار، وفاعلاً أصيلًا في المشهد الدولي.

لقد كانت مصر وماتزال دولة تعرف كيف تصنع قوتها، وكيف تحمي مصالحها، وكيف تُسمِع صوتها للعالم بثبات ووقار.

وتستمر هذه المسيرة عبر العصور، وصولًا إلى دبلوماسية العصر الحديث وتحدياته، من قضية سد النهضة، إلى دور مصر في محيطها العربي والأفريقي والمتوسطي، حيث يبقى الصوت المصري حاضرًا، والقلب المصري نابضًا، والدور المصري ثابتًا لا يتغير.

وللحديث بقية…