في تحرك استثنائي يعكس حرج الموقف الأوروبي أمام سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التجارية الصدامية، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن الاتحاد الأوروبي يدرس حزمة تنازلات جديدة لصالح الولايات المتحدة، في محاولة لتأمين اتفاق تجاري سريع يحول دون فرض رسوم جمركية إضافية تهدد قطاعات صناعية أوروبية رئيسية.

ويأتي ذلك قبل الموعد النهائي الذي حدده ترامب في 9 يوليو المقبل، حيث وافق في مايو الماضي على تأجيل قرار بفرض رسوم جمركية تصل إلى 50% على واردات أوروبية، ملوّحًا باستخدام الرسوم كسلاح ضغط تفاوضي، وفقًا لمصادر مطلعة على الملف.

خفض الرسوم وشراء الغاز

بحسب التقرير، تناقش بروكسل حزمة تشمل خفض رسوم جمركية على واردات أمريكية محددة، وفتح السوق الأوروبي لشراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، إضافة إلى التعاون في ملفات مشتركة تهم واشنطن، مثل التصدي للممارسات الاقتصادية الصينية التي تعتبرها إدارة ترامب غير عادلة.

كما تشمل المقترحات الأوروبية تخفيف الحواجز غير الجمركية، وهي إجراءات قد تسهّل دخول المنتجات الأمريكية إلى السوق الأوروبي وتقلّص البيروقراطية التي تواجهها الشركات.

مصادر دبلوماسية أبلغت الصحيفة بأن هذه التنازلات تستهدف تخفيف الأضرار الاقتصادية الناتجة عن الرسوم الأمريكية الحالية، لا سيما في قطاعات الصلب والألمنيوم وصناعة السيارات.

صفقة قصيرة واتفاق مؤقت

وأوضحت الصحيفة أن دولًا مثل ألمانيا وإيطاليا تقود جهدًا دبلوماسيًا للتوصل إلى اتفاق مبدئي مختصر لا يتجاوز بضع صفحات، يمكن تحديثه لاحقًا في مفاوضات تفصيلية أوسع.

لكن الصحيفة نقلت عن مصادر في الاتحاد الأوروبي أن بعض الدول تخشى أن تُفضي السرعة في التفاوض إلى اتفاق غير متوازن لصالح واشنطن، فيما ترى أخرى أن غياب الاتفاق قد يفتح الباب لموجة جديدة من الإجراءات العقابية الأمريكية.

أوروبا بين الرغبة في التهدئة وصعوبة الموقف السياسي

تؤكد وول ستريت جورنال أن غالبية المسؤولين الأوروبيين سلّموا بعدم وجود نية لدى ترامب للتراجع عن الرسوم الأساسية البالغة 10%، وبدلًا من ذلك ركّزوا على السعي لتأمين إعفاءات مؤقتة لتخفيف الخسائر.

وتضيف الصحيفة أن ترامب، الذي صرّح سابقًا بأن الاتحاد الأوروبي 'أُنشئ لإزعاج أمريكا'، يسعى من خلال هذا الملف إلى تسجيل 'نصر تفاوضي'، مما يجعل شكل الاتفاق لا يقل أهمية عن مضمونه من وجهة نظره.

وفي المقابل، يواجه قادة الاتحاد صعوبة سياسية داخلية في إبرام اتفاق يُنظر إليه على أنه يخدم الولايات المتحدة بشكل مفرط، ويدفع البعض داخل بروكسل إلى تبنّي موقف تفاوضي أكثر تشددًا، وفقًا للمصادر.

خلافات داخلية أوروبية ومخاوف من انتقام تجاري

يعقّد الموقف الأوروبي أيضًا انقسام داخلي بشأن كيفية الرد إذا فشلت المفاوضات. ففي حين تفضل بعض العواصم الأوروبية الرد عبر إجراءات انتقامية مباشرة، تتخوف أخرى من الدخول في حرب تجارية مفتوحة مع واشنطن.

وتشير وول ستريت جورنال إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يُحضّر حزمًا بديلة من الرسوم الانتقامية، إذ وافق سابقًا على رسوم تستهدف واردات أمريكية بقيمة 21 مليار يورو، ويعمل حاليًا على استكمال قائمة ثانية قد تصل قيمتها إلى 95 مليار يورو (نحو 102 مليار دولار).

تطلعات أوروبية ومطالب أمريكية 'غير واقعية'

فيما تسعى بروكسل لصفقة عادلة، يرى مسؤولون أوروبيون أن العديد من مطالب إدارة ترامب 'غير واقعية'، خصوصًا تلك التي تتطلب تغييرات طويلة ومعقدة في التشريعات الأوروبية. وفي المقابل، تصر بروكسل على أن أي اتفاق يجب أن يتضمن تنازلات مقابلة من واشنطن، لا سيما في ملف الرسوم الجمركية على السيارات والصلب.

ويرى مراقبون أن نجاح الطرفين في إبرام اتفاق أولي قبل يوليو سيعني هدنة تجارية ضرورية للطرفين، خاصة في ظل التوتر العالمي وتباطؤ سلاسل التوريد، لكنه سيبقى اتفاقًا هشًا ما لم يتم تعزيزه لاحقًا بتفاهمات مفصلة وملزمة للطرفين.

اختبار جديد لعلاقات الحليفين

يعكس هذا المسار التفاوضي حجم التوتر في العلاقات التجارية عبر الأطلسي، إذ يجد الاتحاد الأوروبي نفسه مضطرًا للموازنة بين حماية مصالحه الاقتصادية والحفاظ على استقلاليته السياسية، في وقت يستعد فيه ترامب لمواصلة أجندته الحمائية في ولايته الثانية، إذا أعيد انتخابه.

ويرى محللون أن الاتفاق المحتمل سيكون اختبارًا لقدرة الطرفين على تجاوز خطاب المواجهة، وبناء صيغة براغماتية تتيح تجنب حرب تجارية أوسع من شأنها أن تضر بكلا الاقتصادين في مرحلة حرجة من التعافي العالمي.