اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ١٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
عقدت المقررة الخاصة للأمم المتحدة لشؤون الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، اجتماعًا موسعًا مع نواب البرلمان الفرنسي لمناقشة الوضع المأساوي في فلسطين، مستعرضة أبرز القضايا الإنسانية والقانونية التي تواجه الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
وبدأت ألبانيز حديثها بالتأكيد على أن فهمها للقانون تطور على مدى ثلاثين عامًا، مشيرة إلى أن القانون ليس مجرد نصوص جامدة، بل أداة لتحقيق العدالة وحماية الحقوق، لكنه أيضًا ينطوي على خيارات تؤثر في حرية الآخرين. وأضافت أن عملها القانوني والتحقيقي، الذي تصفه بـ«دور بناء الجسور»، جعلها هدفًا للهجمات الشخصية، إذ أصبحت اليوم تُهاجم بصفتها ناشطة تدافع عن العدالة للفلسطينيين، وفقا لشبكة تي آر تي الاخبارية التركية.
وفي هذا السياق، تناولت ألبانيز كتابها الأخير «بينما ينام العالم: قصص وكلمات وجروح فلسطين»، الذي يقدم سردًا متكاملًا لمعاناة الفلسطينيين اليومية تحت الاحتلال والحصار. يعتمد الكتاب على سنوات طويلة من العمل الميداني والتقارير الرسمية التي أعدتها كمقررة خاصة للأمم المتحدة، ويجمع بين التحليل القانوني والإنساني لتأثير الاحتلال على الحياة اليومية، من محدودية الحركة وانقطاع الخدمات الأساسية إلى الانتهاكات المستمرة للحقوق المدنية والسياسية. ويربط الكتاب بين التاريخ السياسي والقانون الدولي، موضحًا كيف تشكل الأحداث التاريخية الكبرى سياقات السلطة والهيمنة التي تواجه الفلسطينيين اليوم، ويكشف عن الضغوط التي تمارسها الدول الكبرى على منظمات حقوق الإنسان والعاملين فيها، بما في ذلك القيود المالية والسفر، وتأثيرها على قدرة المقررين الدوليين على أداء مهامهم بحرية. يُبرز الكتاب تجارب شخصية لسكان غزة والضفة الغربية، ويقدم تحليلًا شاملًا للبعد الإنساني والسياسي للنزاع، مع تأكيد على أن العدالة والقانون يجب أن يكونا في خدمة الحقيقة والإنسانية.
وأوضحت ألبانيز أن الحياد في عملها لا يعني اللامبالاة، بل هو وسيلة لفحص الأدلة دون تحيز شخصي، مشيرة إلى أن التجربة الفلسطينية «تجبر أوروبا على مواجهة ماضيها وربط الظلم التاريخي بحقوق الشعوب الأصلية بالسياسات المعاصرة». وانتقدت التأثيرات السياسية والإعلامية في أوروبا، معتبرة أن بعض السياسات والتغطيات الإعلامية تتشكل وفق خطوط استراتيجية تمليها الدولة الإسرائيلية، مؤكدًة أن هذا التوجه يحد من قدرة الدول الأوروبية على اتخاذ مواقف مستقلة ويؤثر في فهم الرأي العام للأحداث الجارية. كما أشارت إلى أن جزءًا كبيرًا من الأزمة الإنسانية الحالية في غزة يعود إلى الحصار المستمر والقيود المفروضة على إدخال المواد الأساسية، ما يعقد جهود إعادة الإعمار ويزيد من تدهور الوضع الصحي والاجتماعي.
وعلى المستوى القانوني، استعرضت ألبانيز العقبات التي تواجه المؤسسات الدولية عند محاولة حماية حقوق الفلسطينيين. وقالت إن العقوبات الأمريكية المفروضة عليها منذ يوليو الماضي أعاقت عملها بشكل مباشر، حيث منعتها من فتح حساب بنكي أو استلام راتبها، فضلًا عن حظر السفر، مشيرة إلى أن هذا يشبه القيود التي تُفرض على زعماء دول مثل إيران وروسيا.
وأوضحت أن هذه العقوبات لا تؤثر فقط على حياتها المهنية، بل تشمل أسرتها، بما في ذلك ابنتها وزوجها، حيث أصبحوا عرضة للغرامات وتهديدات بالسجن في حال السفر إلى الولايات المتحدة، كما تم منعهم من الوصول إلى شقتهم في واشنطن.
وخلال الجلسة، ناقشت ألبانيز مع النواب الفرنسيين واقع المستشفيات والمدارس في غزة، مشيرة إلى أن أكثر من نصف مرافق الرعاية الصحية الرئيسية تعرضت لأضرار جزئية أو كلية نتيجة العدوان الإسرائيلي المتكرر، ما أثر بشكل مباشر على حياة الأطفال والنساء وكبار السن. كما أكدت أن ضعف البنية التحتية الكهربائية والمياه يعرض الملايين لمخاطر صحية مستمرة، بينما تفاقم الفقر والبطالة في صفوف الشباب الفلسطيني، حيث من المتوقع أن يصل معدل البطالة بين الفئة العمرية تحت 35 عامًا إلى 44% بحلول نهاية 2026، وفق تقديرات أوروبية، ما يزيد من هشاشة المجتمع الفلسطيني ويعيق الاستقرار طويل المدى.
ولفتت ألبانيز الانتباه إلى أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس أزمة محلية فحسب، بل يعكس قضايا أوسع في السياسة الأوروبية والعلاقات الدولية، مشيرة إلى أن التجربة الفلسطينية تكشف عن استمرار أدوات الهيمنة والاحتلال التي كانت موجهة سابقًا ضد الشعوب الأصلية حول العالم، والتي وصلت أوروبا عبر التاريخ، بما في ذلك عبر الأحداث المأساوية مثل الهولوكوست، الذي ربطت فيه أدوات القمع ضد الشعوب الأصلية بتطبيقها على الأراضي الأوروبية.
وأكدت ألبانيز أن الهدف الأساسي من عملها هو إيقاف الانتهاكات المستمرة ووقف الاحتلال والأبارتهايد الدائم، مشددة على أن القانون الدولي يفرض حماية المدنيين ويضمن حقوقهم الأساسية، وأن المجتمع الدولي ملزم بالتحرك لمنع الإبادة الجماعية والتهجير القسري في غزة. وأضافت أن الحياد لا يعني أن يكون مرادفا للامبالاة، بل يسمح بالتحليل الموضوعي للحقائق دون تحيز شخصي، وهو أمر حيوي لفهم الأزمة الفلسطينية ومساءلة المسؤولين عنها.
ومن خلال هذا المزيج بين العمل القانوني والتحليل الميداني والبحث الأكاديمي، يسلط كتاب ألبانيز الضوء على قصص الفلسطينيين اليومية ويكشف عن تداخل السياسة، الإعلام، والقانون الدولي في تشكيل حياتهم، مما يجعله مرجعًا ضروريًا لفهم الصراع في سياقه المعاصر وإدراك الأبعاد الإنسانية والقانونية والسياسية المتشابكة فيه.


































