أكد أساتذة جامعيون على أن النهوض بدور مؤسسة الوسيط يستوجب شراكة استراتيجية مع الجامعة، التي تملك من المعرفة والأدوات ما يجعلها فاعلا محوريا في تعزيز فعالية الوساطة، سواء عبر إنتاج الأبحاث والتكوين أو بنشر ثقافة الحكامة والحقوق، مشددين على أن الوسيط نفسه يُعد منتجا للمعرفة الإدارية من خلال ما يتعامل معه من تظلمات، ما يجعله ركيزة لفهم السلوك الإداري واقتراح إصلاحات تسهم في ترسيخ مبادئ الديمقراطية الإدارية وتحسين العلاقة بين الإدارة والمواطن.

جاء ذلك، ضمن أشغال ندوة 'الوسيط والجامعة' التي نُظمت أمس الأربعاء في إطار فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب، بشراكة بين مؤسسة الوسيط وفريق البحث في الأداء السياسي والدستوري وفريق البحث في الأداء الإداري والمالي.

وساطة أكاديمية

أحمد بوز، رئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق السويسي بالرباط، أكد أن تعزيز دور مؤسسة الوسيط في المغرب لا يمكن أن يتحقق دون انخراط فعلي للجامعة، باعتبارها منتجة للمعرفة ورافعة أساسية للوعي الحقوقي داخل المجتمع، مسجلا أن العلاقة بين الجامعة ومؤسسات الوساطة ينبغي ألا تظل مجرد تعاون ظرفي، بل يجب أن تتحول إلى شراكة استراتيجية قائمة على البحث العلمي والتكوين ونشر ثقافة الوساطة.

وأوضح بوز أن التجارب المقارنة، خاصة في فرنسا وكندا والدول الإسكندنافية، تُظهر أن نجاح مؤسسات الوساطة في أداء مهامها يرتبط بدرجة عالية بمستوى التعاون والتكامل بينها وبين الفضاء الجامعي. وأوضح أنه في هذه الدول، تلعب الجامعات دورا محوريا في تكوين الوسطاء، إنتاج المعرفة التخصصية، والمساهمة في تقييم السياسات العمومية المتعلقة بالوساطة.

ودعا الأستاذ الجامعي، إلى بلورة استراتيجية مغربية متكاملة لتعزيز هذا التكامل، من خلال إجراءات عملية تشمل توقيع اتفاقيات شراكة بين مؤسسة الوسيط والجامعات، وإحداث وحدات بحث مشتركة، وإدماج مواضيع التظلم الإداري والتحكيم في وحدات التكوين بالجامعة. كما اقترح إطلاق برامج مثل 'وسيط الجامعة'، تتيح للجامعات استقبال الشكايات المتعلقة بالمؤسسات التعليمية والإدارية المرتبطة بها، مما يسهم في تقريب الخدمة من المرتفقين داخل الحرم الجامعي نفسه.

وأكد بوز في مداخلته أن كلما كانت الجامعة شريكا استراتيجيا لمؤسسة الوسيط، كلما أصبحت هذه الأخيرة أكثر قدرة على تطوير أدواتها، تعزيز فعالية تدخلاتها، والاقتراب أكثر من المواطنين، بما يحقق هدف العدالة الإدارية ويُكرس ديمقراطية فعالة في علاقة الإدارة بالمرتفق. واعتبر أن ربط المسار الأكاديمي بالبعد التطبيقي للوساطة هو ما يمنحها مضمونها الحقوقي الحقيقي وفعاليتها المجتمعية.

معرفة إدارية

من جانبه، أكد عبد الحافظ أدمينو، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس، أن مؤسسة الوسيط تُسهم في تعزيز المعرفة العلمية بالظاهرة الإدارية من خلال اشتغالها اليومي على ملفات التظلم، وهو ما يراكم رصيدا ضخما من المعطيات والبيانات حول السلوك الإداري في مستوياته المركزية والترابية. واعتبر أن هذا الرأسمال المعرفي يشكل إحدى ركائز مهنية الوساطة وفعاليتها، لأنه يتيح للوسيط اقتراح توصيات دقيقة وواقعية، نابعة من فهم عميق للمرفق العمومي.

وأشار أدمينو إلى أن الوسيط لا يؤدي فقط دور المعالج للشكايات، بل هو فاعل أساسي في الإصلاح الإداري، من خلال ما يرفعه من تقارير خاصة إلى رئيس الحكومة، تتضمن مقترحات عملية لتصحيح الاختلالات الإدارية، وتحسين جودة الاستقبال والاتصال، وتعزيز البناء الديمقراطي داخل الإدارة. واعتبر أن هذه التقارير يمكن أن تُشكل خلفية مرجعية لأي سياسة إصلاح إداري ترتكز على الفهم الدقيق للوظيفة العمومية وسلوكها اليومي.

وفي حديثه عن  'الديمقراطية الإدارية'، أبرز أن مؤسسة الوسيط تُعززها على ثلاثة مستويات، من خلال تحسين العلاقة بين الإدارة والمواطن، خصوصا عبر تبسيط الإجراءات وتقليص آجالها؛ ومن خلال الدفاع عن حقوق المرتفقين كما نص على ذلك الفصل 162 من الدستور؛ وعبر تشجيع مشاركة المرتفقين في إنتاج الخدمة الإدارية، انطلاقا من تصور موسع لإدارة القرب لا يقتصر على البعد الجغرافي، بل يشمل أيضا القرب المؤسساتي.

وخلص أدمينو إلى أن فهم الظاهرة الإدارية بشكل علمي لا يمكن أن يتم خارج المعطيات التي توفرها مؤسسة الوسيط من خلال ممارستها الميدانية، معتبرا أن هذا الفهم يُعد أساسا لترسيخ مبادئ الحكامة وتحقيق عدالة إدارية فعالة،  داعيا إلى تثمين هذا الدور المعرفي للوسيط، وإلى الاستفادة منه في تطوير السياسات العمومية، وتحقيق التوازن في العلاقة بين الإدارة والمواطن، وفق منظور يرتكز على الإنصاف والمشاركة والفعالية.

من جهته العباس الوردي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس، في مداخلته الموسومة بـ'الوساطة والتوفيق بين الإدارة والمرتفقين: وسيط المملكة نموذجا'، أن الفصل 162 من دستور المملكة يُؤسس لاختصاصات دستورية واضحة لمؤسسة الوسيط، تجعل منها فاعلا أساسيا في ربط المرفق العمومي بالمواطن، وفي تجسيد مبادئ الديمقراطية التشاركية، موضحا أن النقاش العمومي والأكاديمي حول الوساطة الإدارية لا ينبغي أن يظل نظريا، بل يجب أن يتجه نحو تفعيل حقيقي وفعّال لتوصيات الوسيط على أرض الواقع.

وأشار الوردي إلى أن هناك مجموعة من الإشكالات التي تعيق تنزيل توصيات مؤسسة الوسيط، داعيا إلى ضرورة تنميط العلاقة بين هذه المؤسسة وباقي الفاعلين المؤسساتيين، خصوصا الحكومة والبرلمان، من أجل ضمان تفاعل مؤسسي ممنهج ومستدام. واعتبر أن ترسيخ هذه العلاقة من شأنه أن يعزز جودة الأداء الإداري، ويُقرب الإدارة من المواطن، ويُسهم في تحقيق مبادئ العدالة، المساواة، والإنصاف، التي يشكل الوسيط أحد روافعها الأساسية في الدولة الديمقراطية.