أرسلت مصر فريقًا من كبار الوسطاء إلى قطاع غزة، حيث بدأ محادثات مباشرة مع قيادات حركة حماس بشأن المئات من المقاتلين الذين ما زالوا محاصرين داخل أنفاق تقع خلف ما يُعرف بـ'الخط الأصفر'، وهو الخط الأمني الذي انسحبت إليه قوات الاحتلال الإسرائيلية مع بدء سريان وقف إطلاق النار في أكتوبر الماضي.

وأكدت مصادر مطلعة لصحيفة ذا ناشيونال أن هذه المباحثات لا تقتصر على معالجة الأزمة الإنسانية والأمنية المرتبطة بالمقاتلين، بل تشمل أيضًا مناقشة المرحلة الثانية من خطة السلام التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي بدأت بوقف إطلاق النار وتبادل للأسرى والرهائن.

وظل المقاتلون محاصرين منذ أسابيع خلف الخط الأصفر، بينما واصل جيش الاحتلال الإسرائيلي فرض سيطرته على تلك المنطقة الحساسة. المفاوضون المصريون دخلوا إلى غزة وتحدثوا مع قيادات حماس، وأكدوا أن القاهرة ترفض أي مقترحات تدعو إلى ترحيل المقاتلين إلى الخارج. حماس أعلنت أنها مستعدة لتسليم أسلحتها، لكنها شددت على أنها لن تغادر غزة، وهو ما جعل مصر تتحرك بفاعلية وتنسّق بشكل مكثف مع الولايات المتحدة وإسرائيل لتجنب انهيار التفاهمات القائمة.

ويناقش الوسطاء المصريون مع حماس تفاصيل المرحلة الثانية من خطة ترامب، والتي تنص على نزع سلاح الحركة بشكل كامل، وتشكيل لجنة من التكنوقراط الفلسطينيين غير المنتمين حزبيًا لإدارة شؤون غزة اليومية، إضافة إلى نشر قوة دولية لضمان الأمن في القطاع الساحلي. هذه البنود أثارت جدلًا واسعًا، إذ رفضت حماس التخلي عن سلاحها، بينما أصرت إسرائيل على أن أي تقدم في المفاوضات يجب أن يبدأ بهذه الخطوة.

وكانت مصادر من حماس قد اتهمت رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرضوخ لضغوط اليمين المتطرف، واعتماد مواقف متشددة تجاه قضية المقاتلين. أصوات إسرائيلية طالبت بقتل هؤلاء وعدم السماح لهم بالخروج من الأنفاق في منطقة رفح الجنوبية. مصر رفضت هذه الطروحات، وأكدت أن المقاتلين أعلنوا استعدادهم لتسليم أسلحتهم لكنهم رفضوا مغادرة غزة، وهو ما دفع الفريق المصري إلى تكثيف اتصالاته مع واشنطن وأنقرة لضمان التوصل إلى صيغة مقبولة.

وواصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي مراقبة الأنفاق لكنها امتنعت عن تدميرها خشية أن تُتهم بخرق وقف إطلاق النار. مصادر رجحت أن إسرائيل تبحث عن 'نصر عسكري' يعزز موقف نتنياهو داخليًا عبر إجبار المقاتلين على الاستسلام. الهجمات الأخيرة على القوات الإسرائيلية في جنوب غزة نُسبت إلى هؤلاء المقاتلين، الذين يضم بعضهم عناصر من فصائل أخرى غير حماس، وهو ما زاد من تعقيد الموقف.

وذكرت الصحيفة أن الأزمة المتعلقة بالمقاتلين العالقين ليست العقبة الوحيدة أمام تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب. هناك أيضًا تأخر في تسليم رفات رهائن إسرائيليين قضوا أثناء احتجازهم، إضافة إلى القيود التي تفرضها إسرائيل على دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. هذه الملفات مجتمعة تجعل فرص نجاح الخطة أكثر هشاشة، وتضع الوسطاء أمام تحديات مضاعفة.

وكانت الحرب في غزة قد اندلعت في أكتوبر 2023 بعد أن شنت حماس هجومًا أسفر عن مقتل نحو 1،200 شخص في إسرائيل. وردت إسرائيل بحملة عسكرية واسعة قتلت، وفق وزارة الصحة في غزة، نحو 70،000 فلسطينيا وأصابت أكثر من ضعف هذا العدد، ودمّرت مساحات واسعة من البنية التحتية، وشرّدت معظم سكان القطاع البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، ما خلق أزمة إنسانية غير مسبوقة. هذه الخلفية جعلت أي مفاوضات حالية أكثر تعقيدًا، إذ تتداخل فيها الحسابات الأمنية والسياسية والإنسانية بشكل يصعب فصلها.