اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٣١ تشرين الأول ٢٠٢٥
في تطور بالغ الخطورة، كشفت صحيفة واشنطن بوست أن تقريرًا سريًا صادرًا عن مكتب المفتش العام في وزارة الخارجية الأمريكيّة وثّق مئات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ارتكبتها وحدات من جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب على غزة، خاصة في الفترة التي سبقت اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر ٢٠٢٥. التقرير، الذي أُنجز قبل أيام من الاتفاق، يُعد أول اعتراف رسمي من جهة حكومية أمريكية بحجم الانتهاكات التي تخضع لأحكام قانون ليهي، وهو التشريع الذي يمنع تقديم المساعدات العسكرية الأمريكيّة لوحدات أجنبية يشتبه بارتكابها جرائم قتل خارج القانون أو تعذيب أو انتهاكات جسيمة أخرى.
اختبار صارخ لقانون ليهي وسط امتيازات بيروقراطية تمنح إسرائيل حصانة غير معلنة
يحمل القانون اسم السيناتور الأمريكي السابق باتريك ليهي، وقد صُمم لضمان عدم تورط واشنطن في دعم قوات أجنبية منتهكة لحقوق الإنسان. لكن التقرير السري أظهر أن إسرائيل تخضع لآلية تدقيق استثنائية تُعرف باسم 'منتدى التدقيق الإسرائيلي وفق قانون ليهي'، وهو نظام بيروقراطي معقد يضم ممثلين عن السفارة الأمريكيّة في تل أبيب ومكتب شؤون الشرق الأدنى، وكلاهما معروف بدفاعه عن المصالح الإسرائيلية داخل الإدارة الأمريكيّة، وفقًا لما نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية.
وبحسب المسؤول السابق في الخارجية الأمريكيّة جوش بول، فإن وقف المساعدات لأي وحدة أجنبية عادة ما يتطلب اعتراضًا من مسؤول واحد، بينما في حالة إسرائيل، يجب أن يتوصل فريق العمل إلى إجماع كامل بشأن وقوع 'انتهاك جسيم'، ما يجعل المحاسبة شبه مستحيلة. وأضاف بول: 'حتى الآن، لم توقف الولايات المتحدة أية مساعدة عن أية وحدة إسرائيلية، رغم وجود أدلة دامغة'.
انتهاكات موثقة وغارات دامية
من بين أبرز الحوادث التي لا تزال قيد التقييم، قتل إسرائيل سبعة من موظفي منظمة وورلد سنترال كيتشن في غارة جوية في أبريل ٢٠٢٤، وقتل أكثر من ١٠٠ فلسطيني وإصابة ٧٦٠ آخرين أثناء تجمعهم حول شاحنات مساعدات قرب مدينة غزة في فبراير من العام نفسه. كما وثّق التقرير استخدام أسلحة أمريكية في غارات استهدفت مبانٍ سكنية، وأسفرت عن مقتل عشرات المدنيين، بينهم أطفال.
ورغم أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أبلغت الكونجرس بأنها لم تتوصل إلى 'استنتاجات نهائية' بشأن استخدام الأسلحة الأمريكيّة في تلك الهجمات، فإن التقرير الجديد يضع الإدارة أمام اختبار حقيقي بشأن التزامها بتطبيق القانون، خاصة أن إسرائيل تتلقى ما لا يقل عن ٣.٨ مليار دولار سنويًا من المساعدات العسكرية الأمريكيّة، فضلًا عن مليارات إضافية خلال السنوات الأخيرة، ما يجعلها أكبر متلقٍ تراكمي للمساعدات الأمريكيّة في العالم، 'رغم أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن أبلغت الكونجرس بأنها لم تتوصل إلى 'استنتاجات نهائية' بشأن استخدام الأسلحة الأمريكية في تلك الهجمات'، وفقًا للتقرير السري.
هدنة هشة ومجازر مستمرة
يشار إلى أن التقرير أُنجز وتم نشره قبل أيام من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، الذي شمل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين، وانسحابًا جزئيًا للقوات الإسرائيلية، واستئناف دخول بعض المساعدات الإنسانية إلى القطاع المدمر.
لكن رغم استمرار الهدنة رسميًا، شهدت الأيام التالية أكثر الأوقات دموية منذ الاتفاق، إذ قتلت غارات إسرائيلية ما لا يقل عن ١٠٤ فلسطينيين، وفق وزارة الصحة في غزة، بعد اتهام إسرائيل لمسلحين فلسطينيين بقتل جندي إسرائيلي.
وقال المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكيّة تشارلز بلاها، الذي ترأس المكتب الفني المكلف بتطبيق قانون ليهي، إن 'ما يقلقني أن المساءلة قد تُنسى الآن مع خفوت ضجيج الحرب'، مشيرًا إلى أن طبيعة عملية التدقيق تمنح جيش الاحتلال الإسرائيلي معاملة تفضيلية تُضعف إمكانية تطبيق القانون بشكل عادل.
إفلات من العقاب أم انهيار أخلاقي؟
ورفض مكتب المفتش العام في وزارة الخارجية الأمريكيّة التعليق على محتوى التقرير، لكنه أقر بوجوده على موقعه الإلكتروني، مشيرًا إلى أن 'هذا التقرير يحتوي على معلومات مصنفة سرية وغير متاحة للعرض العام'، كما امتنعت وزارة الخارجية الإسرائيلية وجيش الاحتلال الإسرائيلي عن التعليق.
في ظل هذا السياق، تتصاعد الشكوك حول قدرة واشنطن على فرض معايير حقوق الإنسان على حلفائها، خاصة في الشرق الأوسط، حيث تتداخل المصالح الاستراتيجية مع الاعتبارات الأخلاقية. ويبدو أن قانون ليهي، الذي وُضع لحماية المدنيين من بطش الجيوش المدعومة أمريكيًا، يواجه اليوم اختبارًا صارخًا في غزة، حيث قُتل نحو ٧٠ ألف فلسطيني خلال الحرب التي استمرت عامين، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.


































