يتحوّل ملف الرهائن المحتجزين في غزة إلى شرارة انقسام داخلي غير مسبوق في إسرائيل، بعدما أصبح صوت العائلات أعلى من أي خطاب رسمي، وأشدّ تأثيرًا من بيانات الحكومة التي تتحدث عن الأمن والنصر بينما يغيب الأمل عن الأسر التي تنتظر أبناءها منذ أكثر من عامين.

هذا المشهد يعكس هشاشة التماسك الداخلي في إسرائيل التي تواجه صراعًا بين ضميرها الإنساني وطموحها السياسي، وفقًا لصحيفة الجارديان البريطانية.

احتجاجات العائلات: جرح مفتوح في وجه الحكومة

في الذكرى الثانية لهجوم السابع من أكتوبر، خرجت آلاف العائلات الإسرائيلية إلى الشوارع، خاصة في تل أبيب، مطالبة بإبرام صفقة فورية لإعادة أحبائها من غزة.

وتحوّلت ساحة “الرهائن” إلى منصة للغضب الشعبي، حيث رفع المحتجون لافتات تهاجم حكومة نتنياهو وتتهمها بالمماطلة السياسية على حساب الأرواح.

ووصف بعض المتظاهرين سياسات الحكومة بأنها “تفضّل الصورة الانتخابية على العدالة الإنسانية”، في إشارة إلى الخلافات داخل الائتلاف الحاكم.

أما المشهد السياسي الداخلي، فقد أشارت صحيفة ذي ناشيونال إلى أن الغضب الشعبي يتزامن مع تزايد الانقسام داخل الحكومة الإسرائيلية نفسها، إذ يرفض وزراء اليمين المتطرف مثل إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموترتش أي صفقة تبادل يرونها تنازلًا لحركة حماس، بينما يضغط وزراء آخرون نحو حل إنساني يعيد الأسرى أحياء قبل أي حسابات سياسية، وفقًا لصحيفة ذي ناشيونال.

الانقسامات السياسية: صراع بين الأمن والمصلحة الانتخابية

تقول صحيفة تايمز أوف إسرائيل إن استطلاعات الرأي الأخيرة كشفت أن غالبية الإسرائيليين يعتقدون أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يؤخر صفقة الرهائن لأسباب انتخابية، في محاولة لكسب دعم التيار الديني القومي قبل أي انتخابات محتملة.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الاعتقاد يفاقم أزمة الثقة بين الحكومة والمجتمع، ويُظهر أن المعركة لم تعد ضد حماس فقط، بل ضد انقسام داخلي يهدد استقرار الدولة من الداخل.

وفي السياق نفسه، ذكرت الجارديان أن استمرار العمليات العسكرية في غزة يُستخدم كورقة ضغط سياسية، بينما تحاول الحكومة إقناع الجمهور بأن “الانتصار العسكري الكامل” هو السبيل الوحيد لاستعادة الرهائن، رغم أن عائلات الأسرى ترى في ذلك “ذريعة لتأجيل الخلاص الإنساني”.

البعد الإنساني في مواجهة التبريرات الأمنية

أشارت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إلى أن مشاهد التظاهرات في تل أبيب، حيث وقف الآباء والأمهات حاملين صور أبنائهم، تعكس حالة من الإحباط والخذلان.

وأوضحت أن الحكومة الإسرائيلية تتحدث عن أمن الدولة ومكانتها الاستراتيجية، بينما يشعر المواطنون بأن أمن الفرد لم يعد ضمن أولويات القيادة.

أما تقرير رويترز، فأكد أن الانقسام الداخلي حول صفقة الرهائن أصبح قضية سياسية مركزية، خصوصًا بعد الضغوط الأمريكية والأوروبية على حكومة نتنياهو لإبرام اتفاق تبادل شامل.

وتسببت هذه الضغوط في تصعيد التوتر بين رئيس الوزراء وأقطاب اليمين المتطرف في حكومته.

الأزمة تتجاوز الرهائن

يبدو الأزمة لم تعد مجرد ملف إنساني، بل تحولت إلى اختبار حقيقي لمستقبل القيادة الإسرائيلية نفسها، إذ يرى المراقبون أن استمرار المماطلة قد يفتح الباب لانفجار سياسي داخلي واسع، يعيد تشكيل خريطة الحكم وربما يدفع البلاد إلى انتخابات مبكرة.

وخلصت صحيفة الجارديان إلى أن “الرهائن باتوا رمزًا للأزمة الأخلاقية في إسرائيل، بين دولة تريد أن تبدو قوية أمام العالم، ومجتمع ينزف من الداخل بحثًا عن بقايا ضمير”.