واشنطن تتحرك.. هل توقف الرباعية الحرب في السودان؟

متابعات- نبض السودان

تستعد العاصمة الأميركية واشنطن لاستضافة اجتماعات على مستوى وزراء خارجية 'دول الرباعية'، التي تضم الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، وذلك نهاية الشهر الجاري، بهدف مناقشة سبل وقف الحرب المستمرة في السودان، والتي دخلت شهرها السادس والعشرين.

تصريحات بولس تثير جدلاً واسعًا في الأوساط السودانية

وكان مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية، مسعد بولس، قد صرح مؤخرًا بأن الحرب في السودان لا يجب أن تُعالج بنفس المقاربات التي تم استخدامها في الصراع بالكونغو، مؤكدًا أن 'الوضع في السودان هو صراع على السلطة'. هذه التصريحات أثارت استياء جهات مقربة من قيادة الجيش السوداني، حيث اعتبرت الحرب 'هجومًا وعدوانًا على البلاد'، وهو ما أكده بيان سابق لمجلس الأمن والدفاع السوداني، في أعقاب هجمات بورتسودان في مايو 2025.

واشنطن تعود للملف السوداني بنهج مختلف عن إدارة بايدن

اللافت في هذه الجولة من التحركات الأميركية هو اختلافها عن سياسة إدارة الرئيس السابق جو بايدن، التي واجهت انتقادات واسعة بسبب خلافات حادة مع قيادات الجيش السوداني، وصلت إلى حد فشل مباحثات جنيف في أغسطس 2024، وتجميد التعاون في ملف المساعدات الإنسانية. وقد هدد المبعوث الأميركي حينها، توم بيرلو، بتنفيذ عمليات إسقاط جوي للغذاء في السودان، ما فاقم التوتر مع الجهات العسكرية السودانية.

أما إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب، فتتباهى بتوجهها الجديد القائم على إبرام صفقات السلام في أفريقيا وآسيا خلال هذا العام، وتؤكد أنها تركّز على المصالح الاقتصادية والتجارية بدلًا من الترويج للديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما يعكس تحولًا جذريًا في السياسة الخارجية الأميركية تجاه الأزمات في القارة.

ترامب: 'نحو تفعيل السلام في السودان وليبيا'

وخلال لقائه بزعماء خمس دول أفريقية، هي موريتانيا، السنغال، ليبيريا، غينيا بيساو، والغابون، شدد ترامب على أن بلاده 'استبدلت العمل عبر المعونة الأميركية بالمصالح التجارية'. وفيما يتعلق بالسودان، أكد ترامب ضمنيًا سعيه نحو وقف الحرب هناك، إلى جانب الأزمة الليبية، لكنه لم يقدم تفاصيل إضافية.

من جهته، أعلن مستشار البيت الأبيض مسعد بولس أن 'الولايات المتحدة قررت تفعيل السلام في السودان'، بينما كرر وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، اهتمام بلاده المتزايد بالشأن السوداني، مشيرًا إلى أن الاجتماعات المقبلة في واشنطن ستتضمن خطوات جديدة نحو إنهاء النزاع.

خلافات داخل الرباعية بشأن الأطراف المشاركة

وبينما تتجه الأنظار إلى اجتماعات واشنطن، أفادت مصادر دبلوماسية بوجود خلافات بين دول الرباعية حول تحديد الأطراف المشاركة. في الوقت ذاته، تحركت الخارجية الأميركية لعقد لقاءات جانبية مع قيادات مدنية سودانية، في مقدمتهم عبد الله حمدوك، رئيس تحالف 'صمود'، على غرار ما حدث خلال مؤتمر لندن في أبريل 2025.

سيناريوهات محتملة: توحيد السودان أم الحكم الذاتي؟

أبرز ما سيتم طرحه خلال اجتماعات واشنطن هو مستقبل السودان، تحديدًا ما إذا كانت البلاد ستظل موحدة كما كانت قبل 15 أبريل 2023، أم أن المباحثات ستتجه نحو خيارات أكثر تعقيدًا، مثل فرض 'نظام الحكم الذاتي'، خاصة لإقليم دارفور. ووفق مصادر مطلعة تحدثت لـ'الترا سودان'، فإن هذا الطرح جرى تسويقه على مستويات قيادية لدى كل من الجيش وقوات الدعم السريع.

الحكم الذاتي لدارفور.. مقترح يثير القلق

وفي تعليقه على هذا السيناريو، يرى الباحث في العلاقات الدولية طارق حسين أن 'مقترح الحكم الذاتي لدارفور لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة حتمية لتقاعس القوى المدنية عن تقديم حلول سياسية جذرية، وترك مصير السودان مرهونًا بالتجاذبات الإقليمية والدولية'. وأضاف أن 'الفجوة العميقة بين الجيش وقوات الدعم السريع لا تُبشّر بعملية سلام شاملة، وإنما تهيئ الأرضية لسيناريوهات خطيرة قد تصل إلى تقسيم فعلي للبلاد'.

دور القوى المدنية في مهب الريح

ويُظهر المشهد الحالي هيمنة تامة للقوى الدولية والإقليمية على مسار الملف السوداني، مقابل تراجع واضح لدور القوى المدنية والسياسية، وهو ما يزيد من تعقيد الأزمة ويُضعف من فرص نجاح أي تسوية مستقبلية. كما أن مسار المفاوضات الحالي يُغلق الباب عمليًا أمام مشاركة شعبية واسعة تُمثّل طيفًا حقيقيًا من مكونات الشعب السوداني.

هل تقود اجتماعات واشنطن إلى سلام شامل؟

تبقى الأنظار متجهة إلى واشنطن خلال الأيام المقبلة، في انتظار ما ستسفر عنه اجتماعات الرباعية من نتائج ملموسة. وبينما يروج البعض إلى أن الاجتماعات تمثل فرصة ذهبية لإطلاق عملية سياسية جديدة، يرى آخرون أنها قد تكون مجرد محاولة أخرى لتدوير الأزمة بدلًا من حلّها.

وفي ظل غياب الإرادة السياسية الداخلية، ووجود خلافات حادة بين الفاعلين الدوليين، فإن الوصول إلى وقف شامل للحرب في السودان سيبقى هدفًا بعيد المنال، ما لم تتوفر رؤية وطنية حقيقية وشاملة تعالج جذور النزاع لا مظاهره فقط.