اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ١٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
متابعات – نبض السودان
في مفاجأة علمية مثيرة، كشفت دراسة كندية حديثة أن أظافر القدم يمكن أن تكون بمثابة “أرشيف بيولوجي” يحتفظ بسجل دقيق لتعرض الإنسان للغازات السامة، وعلى رأسها غاز الرادون، الذي يُعد ثاني أكبر مسبب لسرطان الرئة بعد تدخين التبغ، مما يفتح آفاقًا جديدة للكشف المبكر عن المرض بين فئات لم تكن مشمولة بالفحوص التقليدية.
غاز الرادون.. القاتل الصامت
يُعتبر غاز الرادون عديم اللون والرائحة من أخطر الملوثات البيئية التي تهدد صحة الإنسان. ورغم أن التدخين هو السبب الرئيسي لسرطان الرئة، فإن الرادون يأتي في المرتبة الثانية مباشرة، حيث يسبب آلاف الحالات سنويًا حول العالم.
ومع ذلك، فإن كثيرًا من غير المدخنين أو من أقلعوا عن التدخين منذ سنوات لا يخضعون لفحوص سرطان الرئة، لأنهم لا يُعتبرون ضمن الفئات المعرضة للخطر.
دراسة جامعة كالغاري الكندية
فريق بحثي من جامعة كالغاري في كندا، بقيادة عالم الكيمياء الحيوية آرون غودارزي والفيزيائي مايكل وايزر، اكتشف طريقة فريدة تعتمد على تحليل قصاصات أظافر القدم للكشف عن التعرض الطويل الأمد لغاز الرادون.
وأظهرت نتائج الدراسة التجريبية أن أظافر القدم تحتوي على مؤشرات دقيقة لتاريخ تعرض الإنسان للرادون، ما يجعلها وسيلة غير جراحية وبسيطة لتحديد مخاطر الإصابة بسرطان الرئة.
كيف تحتفظ الأظافر بسجل السموم؟
يقول غودارزي موضحًا: “بعد استنشاق غاز الرادون، يتحول داخل الجسم إلى نوع من الرصاص المشع. ويتعامل الجسم مع هذا الرصاص مثل أي رصاص آخر، فيخزنه في الأنسجة التي تتجدد ببطء مثل الجلد والشعر والأظافر”.
أما ويزر فيضيف: “اختبرنا نظائر الرصاص في قصاصات أظافر القدم، وتبين أنها تقدم قياسًا كميًا دقيقًا للتعرض للرادون عبر العمر”.
مشكلة يصعب اكتشافها
بخلاف التدخين، لا يستطيع الإنسان عادة معرفة مدى تعرضه لغاز الرادون، فهو لا يُرى ولا يُشمّ. وغالبًا ما يختلف مستوى التعرض تبعًا لمكان السكن وطريقة البناء والتهوية.
ويُنتج الرادون طبيعيًا من تحلل اليورانيوم في التربة والصخور، وينتقل بسهولة إلى الهواء، خاصة داخل الأماكن المغلقة ذات التهوية الضعيفة.
منازل تتحول إلى مصائد غازية
توضح الدراسة أن بعض مواد البناء مثل الخرسانة الخفيفة والفسفوجبس والتوف الإيطالي يمكن أن تساهم في تراكم الرادون داخل المنازل. كما أن المباني القديمة أو التي تفتقر إلى تطبيق قوانين البناء الخاصة بالتهوية الجيدة تعد أكثر عرضة لتسرب الغاز.
وفي المناطق الريفية الغنية باليورانيوم، يمكن أن يذوب الرادون في المياه الجوفية، ليصل إلى المنازل عبر صنابير المياه.
نتائج صادمة
أظهرت التجارب التي أجراها الباحثون أن من بين 55 عينة من أظافر القدم تم تحليلها، وُجدت آثار نظير الرصاص المشع (210Pb) في 39 عينة، أي بنسبة 71%.
ووجدت الدراسة أن أظافر الأشخاص الذين عاشوا في منازل ذات مستويات مرتفعة من الرادون لمدة 26.5 عامًا احتوت على 0.298 فيمتوغرام من الرصاص المشع لكل نانوغرام من الرصاص الثابت، بينما لم تتجاوز النسبة 0.075 فيمتوغرام لدى من عاشوا في مناطق منخفضة التعرض.
وهذا يعني وجود فرق بنسبة 397%، وهو مؤشر واضح على أن الأظافر تحتفظ بالفعل بسجل دقيق لمستويات التعرض للرادون.
ذاكرة الأظافر لا تمحوها السنوات
الأكثر إثارة أن مستويات الرادون ظلت قابلة للكشف في أظافر القدم حتى بعد مرور ست سنوات على إجراء تحسينات منزلية لتقليل تراكم الغاز، مما يدل على أن الأظافر تمثل أرشيفًا طويل الأمد لتاريخ التعرّض البيئي.
خطوة نحو فحص وقائي جديد
يعمل الفريق الكندي حاليًا على تجربة أوسع تشمل أكثر من 10 آلاف مشارك من المقيمين في كندا، حيث يُطلب منهم فحص منازلهم بحثًا عن الرادون وإرسال عينات من أظافر أقدامهم لتحليلها مخبريًا.
ويسعى الباحثون من خلال هذه التجربة إلى تطوير قاعدة بيانات ضخمة يمكن الاعتماد عليها عالميًا في برامج الفحص المبكر لسرطان الرئة.
إنقاذ حياة غير المدخنين
يقول غودارزي: “الهدف هو توفير أداة جديدة تمكننا من إدراج فئات لم يكن يُعتقد سابقًا أنها معرضة للخطر ضمن برامج الفحص المبكر، خصوصًا غير المدخنين، الذين يُصاب بعضهم بسرطان الرئة دون أسباب واضحة”.
ويؤكد أن هذا الكشف العلمي قد يمثل تحولًا جذريًا في تشخيص سرطان الرئة والوقاية منه، عبر اختبار بسيط يعتمد فقط على قصاصات أظافر القدم.
نحو مستقبل طبي مختلف
تسعى الأبحاث الطبية إلى توسيع مفهوم الفحوص الوقائية لتشمل المؤشرات الحيوية في أنسجة غير متوقعة مثل الشعر والأظافر. ومع هذا الاكتشاف، يصبح من الممكن في المستقبل القريب أن يقوم الإنسان بفحص بسيط لأظافره لتحديد مخاطر إصابته بأحد أخطر أنواع السرطانات في العالم.