اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ٩ تموز ٢٠٢٥
متابعات- نبض السودان
ودّعت الساحة الفنية والثقافية في السودان أحد رموزها البارزين، حيث رحل الفنان النوبي الكبير مكي علي إدريس، إلى جوار ربه، مساء أمس، بعد صراع طويل مع المرض، مخلفًا وراءه إرثًا فنيًا وشعريًا خالدًا يُعد مرجعًا في التراث النوبي والموسيقى السودانية المعاصرة.
وداع النخيل.. عبري تودع ابنها البار
شهدت مدينة عبري، مسقط رأس الفقيد، مراسم تشييعه وسط جموع غفيرة من الأهالي والمحبين والمعزين، الذين توافدوا من مختلف مناطق الولاية الشمالية للمشاركة في وداع الهرم الفني، في مشهد اختلط فيه الحزن بالفخر والامتنان لما قدّمه الراحل من إبداع ممتد في وجدان الوطن.
مسيرة فنية حافلة بالعطاء والتجديد
يُعد مكي علي إدريس أحد أعمدة الفن النوبي الأصيل، وقد تميز إنتاجه الشعري والفني بـالواقعية المطلقة، وبساطة الخطاب، وقوة البيان، وسهولة التناول، وثراء المضمون، ما جعله قريبًا من وجدان الناس على اختلاف مشاربهم.
الراحل بدأ مسيرته من مدينته عبري، قبل أن يواصل دراسته في كلية الموسيقى بجامعة السودان للعلوم والموسيقى، حيث صقل موهبته علميًا وفنيًا، ليصبح لاحقًا أستاذًا ومربيًا وباحثًا، جمع بين الفن والتعليم والتوثيق الثقافي.
إشادة رسمية واعتراف بمكانة الفقيد
وفي بيان نعي مؤثر، احتسب الفريق ركن عبد الرحمن عبد الحميد، والي الولاية الشمالية، وأعضاء حكومته، والمجلس الأعلى للثقافة والإعلام، والمنظمة النوبية للثقافة وإحياء التراث والتنمية، الفقيد باعتباره أحد الرموز الفنية والثقافية الذين ساهموا في حفظ وتطوير التراث النوبي.
وجاء في كلمات النعي أن الراحل كان هرمًا فنيًا وشاعرًا وملحنًا ترك بصمات لا تُمحى في وجدان أبناء النوبة والسودان قاطبة، مشيدين بمسيرته الثرية في مجالات التربية والبحث الثقافي إلى جانب الفن.
إرث خالد في الذاكرة الشعبية
امتد تأثير مكي علي إدريس ليشمل عدة أجيال من الفنانين والمهتمين بالتراث، حيث أسهم في نقل الهوية النوبية عبر الأغنية والمسرح والمقال والدراسة الأكاديمية، وكان صوتًا للقرى والحنين والجذور، مدافعًا عن الأصالة دون انغلاق، منفتحًا على الحداثة دون تفريط.
كما عُرف بعطائه التطوعي في مجتمعه المحلي، وانخراطه في مشاريع ثقافية وتنموية هدفت إلى إحياء اللغة النوبية والحفاظ على الموروث الغنائي القديم، ما جعله يحتل مكانة سامقة في وجدان كل من عرفه أو سمع بإنتاجه.
كلمات الوداع.. وحزن يعم الشمال
عبر عدد من الشعراء والفنانين ورفقاء الدرب عن حزنهم العميق لرحيل إدريس، مؤكدين أنه لم يكن مجرد فنان، بل ذاكرة حية وشاهدًا على تطور الأغنية النوبية، وأن رحيله يمثل خسارة وطنية كبيرة لا تُعوض.
وقد دُفن الفقيد في مقابر عبري بعد صلاة الجنازة، وسط أجواء من الحزن والدعاء، فيما رُفعت رايات التعازي في كل بيت نوبي، وتُليت الفاتحة في دواوين الشعر ومجالس الذكر، معلنة غياب الجسد وبقاء الأثر.