اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ٧ تموز ٢٠٢٥
متابعات- نبض السودان
في مشهد يتقاطع فيه الحزن مع الفوضى، تحولت مدينة الخرطوم بحري إلى مسرح مفتوح للمعاناة والبحث عن الذاكرة، حيث عاد العديد من الأهالي بعد انقشاع الحرب للبحث عن موتاهم وسط الخراب والدمار والقبور المجهولة التي تنتشر في الأحياء السكنية.
ثلاث قبور فقط وسط حي.. هويدا تبحث عن والدها وتغادر بلا أثر
بين أكوام الأنقاض وأشجار مهجورة، تجولت “هويدا محمد” في أحياء بحري تبحث عن قبر والدها، الذي توفي أواخر العام 2023 بعد تدهور حالته الصحية، رافضًا مغادرة المدينة التي ظلت خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب وحتى مارس 2025.
رغم بحثها المضني في أكثر من حي، لم تجد هويدا ما يشير إلى وجود قبر والدها، فعادت إلى مقر إقامتها في السعودية محمّلة بالحزن والخذلان، كما صرّحت>
بحري.. مقابر في كل مكان
خلفت الحرب المدمّرة دمارًا مهولًا في العاصمة دام لعامين، حيث سُوّيت منازل بالأرض وتحولت أخرى إلى ركام وأطلال، فيما انتشرت مئات القبور خارج المقابر الرسمية، بعضها في الساحات العامة، وأخرى داخل المنازل.
وأكد حازم علي، أحد سكان بحري، أن المدينة أصبحت مليئة بالقبور، بينما ذكرت تحقيقات سابقة الكشف عن 117 مقبرة جديدة خارج الإطار الرسمي في الخرطوم بحسب ”سودان تربيون”.
لجنة الأمن تتحرك.. والحمض النووي في الواجهة
أمام تفاقم هذا الواقع المأساوي، أصدرت لجنة الأمن المحلية ببحري يوم الخميس الماضي، توجيهات بحصر شامل للرفات المنتشرة في الأحياء.
ويواجه المسؤولون تحديًا كبيرًا في تحليل الحمض النووي لهذه الرفات لتحديد هوياتها، خاصة مع تحول العديد من الجثث إلى هياكل عظمية، كما أفاد عدد من الناشطين لـ”سودان تربيون”.
هيئة الطب الشرعي: دفن 3800 جثة خلال الحرب
كشف هشام زين العابدين، رئيس هيئة الطب الشرعي، أن الهيئة قامت بدفن أكثر من 3800 جثة خلال فترة الحرب، مشيرًا إلى أن كافة الخدمات المتعلقة بالدفن مُقدّمة مجانًا دون أي مقابل مالي، وذلك بعد إعلان خلو الخرطوم من عناصر الدعم السريع.
عصام يُدفن داخل منزله.. والميدان يتحول إلى مقبرة
في حي المزاد ببحري، اضطر الأهالي إلى دفن المرحوم عصام داخل منزله بعد تعذّر نقله للمقابر المعروفة، في سابقة تكشف مدى الانهيار الكامل للخدمات الجنائزية أثناء الحرب.
وفي ميدان “ساحة المولد” الذي يفصل بين حيي الختمية والمزاد، عُثر على رفات مجهولة الهوية، بينما دُفنت جثث أخرى في أحياء مثل الدناقلة، شمبات، الشعبية وغيرها.
شرق النيل.. دفن في المساجد والمدارس
وفي شرق النيل، دُفنت غالبية الجثث داخل المنازل أو في ميادين ومساجد ومدارس، بحسب شهادة سيدة فضّلت عدم ذكر اسمها، أكدت أن قوات الدعم السريع منعت الدفن في المقابر الرسمية وفرضت مواراة الموتى في أي مساحة متاحة.
أطفال الخرطوم.. ضحايا القبور والخراب النفسي
الطبيبة النفسية أم أيمن عادل حذّرت من أن الأطفال العائدين للعاصمة يعانون من اضطرابات نفسية خطيرة، مثل القلق، نوبات الهلع، الكوابيس، والعزلة الاجتماعية. كما لوحظ تراجع في الأداء الدراسي واضطرابات في النوم والأكل.
وأكدت أن الوضع يتطلب تدخلاً نفسياً عاجلاً، من خلال إنشاء مساحات آمنة للأطفال، وتنظيم جلسات دعم نفسي تساعدهم على تجاوز الصدمة واستعادة الإحساس بالأمان.
جهود تطوعية لنقل الجثث.. والعائلات تهرب من المقابر داخل المنازل
أكد الناشط مجاهد أحمد أن عدداً من المتطوعين يعملون بالتنسيق مع الجهات الرسمية لنقل الجثث إلى مقابر معلومة. وأشار إلى أن بعض العائلات، فور عودتها لمنازلها، غادرت مجددًا إلى الولايات بعد أن صُدمت بوجود قبور داخل المنازل أو في الطرقات المجاورة.
ذاكرة ملوثة بالموت.. والمدينة تنزف جراحها في صمت
ما حدث في بحري والخرطوم عامة لا يُمكن اختزاله في أرقام القبور ولا أسماء الضحايا، بل هو ذاكرة جماعية ملوثة بالموت والفقد، حيث يقف المواطن السوداني وجهاً لوجه أمام بقايا أحبائه المدفونة تحت الشجر، وفي الميادين، وداخل بيوتهم التي تحولت إلى مقابر.