التحول الرقمي: معركة بناء لا تقل أهمية عن معركة الكرامة… بقلم: مهندس مصطفى عبدالعزيز

في زمن تتسارع فيه الأمم نحو الرقمنة والتحول الشامل، يُطل السودان على لحظة مفصلية لا تقل أهمية عن ملاحم الصمود والمواجهة. فبين أنقاض الحرب وبشائر السلام، تتبدى أمامنا فرصة تاريخية لإعادة بناء الدولة على أسس رقمية حديثة تضمن الشفافية، وتُحصّن المؤسسات، وتُعيد جسور الثقة بين المواطن والحكومة.

التحول الرقمي الحكومي لا يعني فقط إدخال الحواسيب والبرمجيات في المكاتب، بل هو رؤية استراتيجية شاملة، تقوم على تبني التكنولوجيا الحديثة، وتحليل البيانات، وابتكار الحلول الذكية التي تُحدث ثورة في الأداء الحكومي والخدمات العامة. وفي بلد كالسودان، ينهض من رماد الخراب، تُصبح الرقمنة ضرورة وطنية لا ترفًا إداريًا.

ومع تعيين وزير شاب للتحول الرقمي والاتصالات، يقع على عاتقه عبء ومسؤولية جسيمة. فالتحول الرقمي ليس ملفًا جانبيًا، بل هو قاعدة النهضة المنشودة. ويجب أن تبدأ الوزارة بخطوات جريئة وواضحة، أولها إعادة تأهيل البنية التحتية الرقمية التي تضررت بفعل الحرب، ثم تأسيس هوية رقمية موحدة لكل مواطن، تكون بوابةً للخدمات، وسيفًا ضد الفساد، وأساسًا لتحقيق العدالة والشفافية.

السودان لا يفتقر للكفاءات، بل يزخر بها، فكم من خبير سوداني يخدم خارج الوطن في مؤسسات تقنية عملاقة! آن الأوان لاستدعاء هذه العقول، لا بأمر حكومي، بل بدعوة وطنية، عبر مجالس خبراء طوعية تشارك في التخطيط والتوجيه والتنفيذ، فالوطن ينادي أبناءه في زمن البناء كما ناداهم في زمن الدفاع.

نحتاج إلى بيئة قانونية وتشريعية تحمي البيانات وتحفظ الحقوق، وإلى دعم كامل للمراكز البحثية والشركات التقنية الوطنية لتكون ذراع الدولة وسندها في هذه المعركة الحضارية.

ونقولها بوضوح: معركة الكرامة لا تكتمل إلا ببناء دولة رقمية حديثة، قوية، وعادلة.

ويا معالي الوزير، هذه فرصتكم لصناعة الفارق، فلتكن خطوتكم الأولى نحو المستقبل هي تبني التحول الرقمي كأولوية وطنية واستراتيجية كلية، تحمل الهم وتُشعر بالمسؤولية. ولتكن الوزارة شعلة ضوء في طريق دولة تستحق أن تكون في مصاف الدول المتقدمة، بما تملكه من عقول وإرادة.

والله وليّ التوفيق.