اخبار السودان
موقع كل يوم -أثير نيوز
نشر بتاريخ: ٣١ أب ٢٠٢٥
يُعد البعوض واحدًا من أخطر الحشرات الناقلة للأمراض، إذ ينقل أمراضًا فتاكة مثل الملاريا، حمى الضنك، الحمى الصفراء، والشيكونغونيا. وبسبب انتشاره الواسع وصعوبة السيطرة عليه بالطرق التقليدية، تلجأ بعض الدول إلى استخدام أسلوب الرش الجوي بالمبيدات عبر الطائرات كخيار سريع وشامل لتغطية مساحات واسعة في وقت قصير. غير أن هذا الأسلوب، رغم فعاليته الآنية، ينطوي على مخاطر صحية وبيئية واقتصادية تستوجب التقييم المتأنّي قبل اعتماده كخطة مستدامة.
أول هذه المخاطر يتمثل في الأثر الصحي على الإنسان. فعند رش المبيدات بالطائرات، يصعب التحكم بدقة في كمية المواد الكيميائية التي تصل إلى الأحياء السكنية، مما يؤدي إلى تعرض السكان لمستويات عالية من المواد السامة عبر الاستنشاق أو ملامسة الجلد أو تلوث الغذاء والماء. وتشير دراسات عديدة إلى أن بعض المبيدات المستخدمة في الرش الجوي قد تسبب التهابات تنفسية حادة، تهيج العيون، والحساسية الجلدية، كما ارتبط بعضها بأمراض مزمنة على المدى الطويل مثل السرطانات واضطرابات الجهاز العصبي والهرموني. وتزداد خطورة هذه التأثيرات على الأطفال والحوامل وكبار السن، الذين يعتبرون أكثر عرضة لتأثير السموم.
أما الخطر الثاني فيتعلق بـ الأثر البيئي. فالطائرات لا تميز بين البعوض المستهدف والكائنات الأخرى، ما يؤدي إلى إبادة أعداد كبيرة من الحشرات النافعة مثل النحل والفراشات التي تلعب دورًا أساسيًا في التلقيح الزراعي. كما أن الرش الجوي يؤدي إلى تلوث مصادر المياه السطحية والجوفية بالمبيدات، وهو ما ينعكس سلبًا على الأسماك والبرمائيات والطيور. إضافة إلى ذلك، فإن استمرار استخدام المبيدات بطريقة غير مدروسة يؤدي إلى اختلال التوازن البيئي، حيث قد يختفي نوع معين من الحشرات أو الطيور، مما يفتح المجال أمام تكاثر آفات أخرى أشد ضررًا.
الخطر الثالث يتمثل في مقاومة البعوض للمبيدات. فعند تكرار الرش الجوي بنفس المواد الكيميائية، يبدأ البعوض في تطوير مناعة وراثية ضدها، مما يقلل فعالية المبيدات بمرور الوقت ويجعل مكافحته أكثر صعوبة وتكلفة. وقد شهدت دول عديدة هذه الظاهرة، حيث أصبح البعوض أكثر مناعة، ما دفع السلطات الصحية لاستخدام جرعات أعلى أو مركبات أكثر سمية، وهو ما يزيد الطين بلة.
من جهة أخرى، هناك مخاطر اقتصادية لا يمكن تجاهلها. فتكلفة تشغيل الطائرات، شراء المبيدات، والصيانة المستمرة تُعد مرتفعة جدًا مقارنة ببرامج المكافحة المجتمعية أو التدخلات البيئية البسيطة مثل إزالة أماكن توالد البعوض (المياه الراكدة) أو استخدام شبك الحماية والناموسيات. والأسوأ أن الرش الجوي عادة ما يقدم حلاً قصير الأجل، حيث سرعان ما يعود البعوض للتكاثر بعد أسابيع قليلة، ما يعني أن الأموال المصروفة لا تحقق نتائج مستدامة.
أخيرًا، لا يمكن إغفال البعد الاجتماعي والنفسي. فمشهد الطائرات التي ترش المبيدات فوق الأحياء السكنية يثير الهلع والخوف بين المواطنين، خاصة في المجتمعات التي تفتقر للوعي الصحي الكافي. كما قد يفقد الناس الثقة في السلطات الصحية إذا شعروا أن حياتهم وصحتهم مهددة بسبب سياسات متسرعة لا تراعي السلامة العامة.
بعد اخير :
خلاصة القول، إن الرش بالطائرات لمكافحة البعوض قد يبدو خيارًا جذابًا في حالات الطوارئ مثل تفشي الأوبئة واسعة الانتشار، لكنه يحمل في طياته مخاطر صحية وبيئية جسيمة تجعله غير مناسب كخيار دائم. واخيراً ، الحل الأمثل يكمن في تبني استراتيجية متكاملة لمكافحة النواقل تعتمد على التوعية المجتمعية، تحسين البيئة، استخدام المبيدات بطرق آمنة ومدروسة، وتعزيز البحث العلمي لتطوير أساليب صديقة للبيئة وأكثر فاعلية. بذلك يمكن تقليل أعداد البعوض والسيطرة على الأمراض المنقولة دون التضحية بصحة الإنسان أو توازن الطبيعة … و نواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..
ليس لها من دون الله كاشفة
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين
#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
الأحد (31 اغسطس 2025م)
musapbrear@gmail.com