أزمة الجثث تؤرق البلاد.. والحل جاء من مصر

متابعات- نبض السودان

في خطوة وُصفت بأنها بداية لتحسين أوضاع الطب الشرعي ومواجهة أزمة حفظ الجثث الناتجة عن تدهور البنية الصحية، تسلّمت إدارة مستشفى وادي حلفا في الولاية الشمالية جهاز 'ثلاجة لحفظ الجثث' كخطوة عملية لمعالجة الأزمة التي امتدت لسنوات طويلة.

تدخّل الغرفة التجارية والإدارة المحلية لإنقاذ المشرحة

وأفادت منصة 'حلفا اليوم' أن وحدة وادي حلفا الإدارية والغرفة التجارية تحمّلتا تكاليف استيراد ثلاجة حفظ الجثث من مصر، في وقت بلغت فيه التكلفة الإجمالية 185 ألف جنيه مصري، وهي مبادرة اعتُبرت بمثابة مساهمة مجتمعية مهمة في ظل تراجع موارد الدولة.

وأضافت المنصة أن الثلاجة الجديدة ستكون بمثابة نواة لتأسيس قسم متكامل للطب الشرعي بمحلية وادي حلفا، وهو ما يعزز دور المستشفى الحكومي في التعامل مع الحالات الجنائية وضحايا الحوادث، ويوفر بديلاً عمليًا للحلول البدائية التي كان يعتمد عليها الأطباء في حفظ الجثث.

المشارح تنهار والطب الشرعي يختفي بسبب الحرب

ويعاني السودان منذ سنوات من ضعف مريع في البنية التحتية للقطاع الصحي، خصوصًا في مجال حفظ الجثث والمشارح، حيث شهدت هذه المرافق تدميرًا واسعًا خلال الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، ما أدى إلى تعطّل عدد من المشارح والمستشفيات الرئيسية في العاصمة والولايات.

وقد خرجت مشرحة مستشفى بشائر – وهي الأكبر في السودان – عن الخدمة تمامًا بسبب الحرب، بعد أن ظلت المنطقة المحيطة بها خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع لمدة تقارب العامين. وأدى هذا الوضع إلى تفاقم الأزمة، خاصة في ظل انقطاع الكهرباء وتوقف أنظمة التبريد.

تداعيات الحرب تدفع الأطباء إلى حلول بدائية

خلال السنوات الماضية، وخاصة منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 2018 وحتى اندلاع الحرب، عانت المستشفيات من توقف المشارح نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي المتكرر، ما جعل حفظ الجثث عملية صعبة ومهينة في كثير من الأحيان.

ولجأ الأطباء والعاملون في القطاع الصحي إلى استخدام ألواح الثلج كمصدر بديل للتبريد، وهي وسيلة مؤقتة تفتقر لأدنى شروط الصحة والسلامة، لا سيما حين يتعلق الأمر بالجثث المنتظرة لعمليات التحقيق الجنائي أو تلك التي لم يتم التعرف عليها بعد.

السلطات تعيد توزيع المشارح بعيدًا عن مراكز الاشتباك

ضمن محاولات لاحتواء الأزمة، اضطرت السلطات الصحية إلى نقل مشرحة مستشفى الخرطوم إلى مستشفيات أخرى في مناطق أم درمان وبحري وجنوب الخرطوم. وجاء هذا القرار في إطار توزيع الخدمات الصحية على الأطراف، وتخفيف الضغط عن مراكز الاشتباك المباشر بين الجيش والدعم السريع.

ويقول مراقبون إن هذه الخطوة أدت إلى تشتيت الخدمات وتشويش مسارات التحقيقات الجنائية، خاصة في ظل ضعف التواصل بين الإدارات الصحية في العاصمة والولايات، وغياب التنسيق الفاعل بشأن نقل الجثث.

ثلاجة وادي حلفا.. بداية صغيرة نحو حل أزمة كبيرة

تُعتبر ثلاجة وادي حلفا خطوة صغيرة لكنها رمزية في طريق طويل لإعادة بناء منظومة الطب الشرعي في السودان، إذ يمكن اعتبارها 'لبنة أولى' لمشروع أكبر يعيد للمشارح دورها الحيوي في حفظ الجثث والتحقيقات الجنائية.

ويرى مختصون أن أزمة حفظ الجثث لا ترتبط فقط بالأدوات والتقنيات، بل تشمل أيضًا تدريب الكوادر، وتوفير الأطر القانونية والإدارية المناسبة، وتخصيص ميزانيات مستقلة لصيانة وتشغيل هذه المنشآت.

وفي ظل استمرار الحرب وتعطل كثير من المرافق الصحية، تبدو مثل هذه المبادرات المجتمعية التي تساهم فيها الجهات المحلية والتجارية، هي الأمل الوحيد لسد النقص في المعدات والخدمات الطبية الأساسية في مناطق السودان المختلفة.