اخبار قطر
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١١ حزيران ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
كيف تواكب اللغة العربية ثورة الذكاء الاصطناعي؟
بتطوير نماذج لغوية عربية مفتوحة المصدر تُغذي التطبيقات الذكية.
متى تواكب العربية طموحات روّاد الأعمال في العصر الرقمي؟
عندما تكون اللغة العربية وسيلة للابتكار لا مجرد تراث ثقافي.
تواجه اللغة العربية اليوم تحديات جديّة تتعلق بمسألة الحفاظ على هويتها الثقافية من جهة، والانخراط بفاعلية في العصر الرقمي من جهة أخرى.
ومن هذا التحدي تنطلق مبادرة 'بالعربي'، التي نظّمت قمتها الافتتاحية في الدوحة برعاية 'مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع'، ساعية إلى تعزيز حضور العربية في مجالات التقنية وريادة الأعمال والذكاء الاصطناعي.
حضور رقمي
ركّزت القمة، التي استمرت على مدار يومين، على بحث سبل دمج العربية في مجالات التكنولوجيا الحديثة، لا سيما الذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال، من خلال جلسات نقاشية وورشات عمل شارك فيها أكثر من 800 مشارك من مختلف التخصصات.
وتحت شعار 'للأفكار صوتٌ وصدى'، جمعت القمة خبراء في مجالات التقنية والمحتوى وريادة الأعمال، ناقشوا خلالها أدوات عملية تعزز حضور اللغة العربية كلغة إنتاج ومعرفة.
وبرز من بين المبادرات مشروع 'الترجمة المفتوح'، الذي يهدف إلى ترجمة محتوى 'بالعربي' إلى لغات متعددة، بما يضمن توسيع دائرة الوصول الرقمي ويعزز الاعتراف العالمي بالهوية العربية.
ونقلت صحيفة 'العرب' القطرية، في 3 يونيو 2025، عن استشاري الترجمة في المبادرة أنور دفع الله، أن القمة قدمت نماذج ملموسة تثبت قدرة العربية على مواكبة التطور العلمي، بعيداً عن التنظير.
وتناولت القمة العلاقة بين اللغة والهوية في ظل التحولات الرقمية، حيث أشار فيصل العقل، المنتج التنفيذي لمجموعة 'سرد' الإعلامية من الكويت، إلى أن اللغة أصبحت محوراً لإعادة النظر في القيم المجتمعية، ووسيلة لإنتاج العلوم والفنون.
واعتبر أن المبادرة تمثل فرصة لتبادل التجارب بين صنّاع المحتوى العرب وتطوير خطاب عربي معاصر، يستند إلى التراث دون الانغلاق عليه.
تنوّعت المشاركات التي عرضها المتحدثون لتشمل مجالات الفضاء، والفن، وريادة الأعمال، من بينها تجربة المهندسة ديانا السندي من العراق، التي انضمت إلى وكالة 'ناسا' بعد مسيرة ذاتية بدأت متأخراً نسبياً، لتثبت أن اللغة والهوية لا تشكل عائقاً أمام الطموح العلمي.
كما استعرض المهندس المصري تيمور الحديدي مشروعه المعماري القائم على استخدام مواد معاد تدويرها، فيما قدّمت المؤثرة الأردنية سلام قطناني أسلوباً جديداً في تبسيط العلوم باللغة العربية خارج إطار القاعات الأكاديمية.
أما عبد الرحمن سيدي من موريتانيا، فدعا إلى إعادة تصور أنظمة العمل بما ينسجم مع الإيقاع الإنساني، معتبراً أن العمل ينبغي أن يكون تعبيراً عن الذات لا عبئاً عليها.
عكست هذه التجارب الحية روح القمة، التي سعت إلى ربط اللغة العربية بمشاريع واقعية ومجالات تأثير ملموسة، في محاولة لتثبيتها كلغة معاصرة فاعلة في المشهد الرقمي العالمي.
مكانة عالمية وتحديات رقمية
يشير الباحث الدكتور حبيب الهادي إلى أن اللغة العربية لغة عالمية، تحتل المرتبة السادسة من حيث عدد المتحدثين بها، وتعتبر لغة رسمية ومعترفاً بها في منظمة الأمم المتحدة واليونسكو.
وشدد في حديثه مع 'الخليج أونلاين' على أن اللغة العربية حاضرة بقوة في وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، بفضل العدد الكبير من متحدثيها الذي يقارب نصف مليار نسمة.
ولفت الهادي إلى وجود جهود كبيرة يبذلها عديد من الدول العربية، على مستوى الدول والجامعة العربية، لتعزيز حضور اللغة العربية في عصر التكنولوجيا والتقنية.
وفي هذا السياق تبرز دولة قطر كواحدة من أبرز الدول الداعمة للقضايا والثقافة العربية والحضارة الإسلامية، وتأتي مبادراتها لتعزيز حضور اللغة العربية في وسائل الانتقال المختلفة.
ورغم هذه الجهود، يرى الهادي أن هناك تحديات كبيرة تواجه اللغة العربية في الفضاء الرقمي، حيث إن المحتوى العربي في هذه الوسائل لا يزال دون المأمول، لذلك فإن دعم هذا المحتوى يعد أمراً بالغ الأهمية في الوقت الراهن، لافتاً إلى أن هناك شراكات وتعاوناً كبيراً يدعم هذه المبادرات ويعززها.
ويؤكد الهادي أهمية الاستدامة في هذه الجهود، موضحاً أن 'أي عمل بدون خطط مستدامة لن يستمر'، مشيداً بجهود قطر في هذا الجانب، التي تسعى لضمان استمرارية العمل لتبقى اللغة العربية 'وقفاً وصدقة جارية' للأجيال القادمة؛ لكونها لغة القرآن الكريم ولغة الحضارة الإسلامية.
إحياء اللغة العربية
تمثّل مبادرة 'بالعربي' مشروعاً ثقافياً ومعرفياً أطلقته 'مؤسسة قطر' في العام الماضي، بهدف إحياء اللغة العربية وتعزيز حضورها في العصر الرقمي.
لا تكتفي المبادرة بالاحتفاء باللغة كوسيلة تواصل، بل تسعى إلى التعامل معها كجسر ثقافي يربط المجتمعات الناطقة بالعربية بتاريخها المشترك، ويفتح أمامها آفاق التعبير عن أفكارها وهوياتها في سياقات عصرية، ومن خلال هذا التوجّه، تُعيد 'بالعربي' صياغة العلاقة مع اللغة، بوصفها أداة حيّة للتفكير والإبداع وإنتاج المعرفة.
وتؤكد 'مؤسسة قطر' أن المبادرة تنطلق من إيمانٍ بأن اللغة العربية تمتلك من العمق والمرونة ما يجعلها قادرة على التعبير عن تحديات الواقع ومستجداته، لا سيما في ظل التحولات الرقمية المتسارعة.
وتهدف 'بالعربي' إلى خلق مساحة مفتوحة تحتضن الأصوات الناطقة بالعربية من مختلف الخلفيات والتخصصات، وتتيح لهم مشاركة قصصهم وتجاربهم، بما يسهم في تجديد الخطاب الثقافي والمعرفي العربي، وإثراء المحتوى الرقمي بلغة تعبّر عن واقع الناس وآمالهم.
بهذا الإطار تسعى المبادرة إلى بناء مجتمع نابض بالحياة يقوم على التفاعل والتبادل الثقافي والمعرفي، ويستثمر في طاقات المفكّرين والمبدعين والطلاب والفنانين وروّاد الأعمال.
وتطمح إلى أن تكون منبراً للأفكار الجديدة التي تروّج قيم التعاون، وتحفّز الفضول الفكري، وتلهم الأفراد لاستكشاف قضايا متجددة في بيئاتهم الاجتماعية والثقافية.
وفي سبيل تحقيق هذه الرؤية تتبنّى 'بالعربي' سلسلة من المبادرات المتكاملة، إضافة إلى تنظيم فعاليات محلية وإقليمية تهدف إلى توسيع نطاق المشاركة، كما تعمل على تطوير شراكات مع مؤسسات تعليمية وثقافية لتعزيز المحتوى العربي الرقمي، وتوفير مساحة داعمة للمشاريع الناشئة الناطقة بالعربية.
ويؤكد المدير التنفيذي للمبادرات الاستراتيجية في مؤسسة قطر هشام نورين أن مبادرة 'بالعربي' ليست مجرد مشروع لإثراء المحتوى العربي، بل هي رؤية شاملة لإعادة اللغة إلى مكانتها الطبيعية في حياة الناس.
ويضيف نورين في تصريح نشرته صحيفة 'القدس العربي'، في 15 مارس 2025، أن المبادرة تسعى إلى ترسيخ العربية كلغة حيّة قادرة على مواكبة متطلبات العصر الرقمي، والتعبير عن قضاياه وتحدياته، بما يعزز من حضورها في المشهد العالمي ويمنحها دوراً فاعلاً في صياغة مستقبل المعرفة.