اخبار قطر
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
- ما نسبة ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة في 2050؟
نحو 23% مقارنة بالمستويات الحالية.
- كم حجم الإنفاق المتوقع على الطاقة المتجددة بالشرق الأوسط؟
يقارب 10 مليارات دولار في 2025.
يشهد العالم سباقاً متسارعاً لإعادة تشكيل منظومة الطاقة، في ظل تزايد الطلب العالمي المتوقع على مختلف المصادر بحلول منتصف القرن، وهو ما يعيد إلى الواجهة الدور المحوري لدول الخليج كقوة إنتاجية تمتلك احتياطيات ضخمة، وبنى تحتية قادرة على تلبية احتياجات الأسواق لعقود مقبلة.
وتطرح هذه التحولات العالمية فرصة استراتيجية للدول الخليجية لترسيخ مكانتها كمصدر رئيسي للطاقة التقليدية والمتجددة في آن معاً، في وقت تتزايد فيه التحديات المتمثلة في أمن الإمدادات وتكاليف التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.
تحولات السوق
وفي إطار ذلك توقعت منظمة الدول المصدرة للنفط 'أوبك'، في تقريرها السنوي 'التوقعات العالمية للنفط 2025'، الصادر في 2 أكتوبر 2025، ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 23% بحلول عام 2050، مع احتفاظ النفط بأكبر حصة في مزيج الطاقة العالمي تصل إلى نحو 30%.
وأوضح تقرير المنظمة أن هذا التوقع يستند إلى مراجعة شاملة للتطورات الاقتصادية والسياسات الجديدة للطاقة، مشيراً إلى أن الطلب على النفط سيصل إلى 123 مليون برميل يومياً بحلول منتصف القرن، مقابل نحو 102 مليون برميل يومياً في الوقت الحالي.
وجرى عرض أبرز نتائج التقرير خلال جلسة تقديمية ضمن فعاليات 'أسبوع كازاخستان للطاقة' في العاصمة أستانا، حيث ناقش خبراء 'أوبك' مع ممثلي الدول والشركات التحولات المرتقبة في الأسواق، خصوصاً ما يتعلق بالتوازن بين أمن الإمدادات ومتطلبات خفض الانبعاثات.
ويعزو التقرير استمرار تفوق النفط في مزيج الطاقة العالمي إلى كونه مورداً لا يمكن الاستغناء عنه في قطاعات النقل والصناعة والبتروكيماويات، رغم التوسع في الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي.
كما يؤكد محللو المنظمة أن التحدي الأساسي أمام الدول المنتجة يكمن في تحقيق التوازن بين الاستدامة والجدوى الاقتصادية في ظل تصاعد السياسات المناخية الدولية.
وتشير 'أوبك' إلى أن هذه التوقعات تضع دول الخليج في موقع استراتيجي متقدم، نظراً لقدرتها على تأمين الإمدادات بأسعار مستقرة، إلى جانب استثماراتها المتزايدة في مشروعات الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر.
فبينما تسعى الاقتصادات الكبرى إلى تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، تواصل العواصم الخليجية الاستثمار في تطوير التقنيات منخفضة الانبعاثات وتنويع مصادر الدخل، بما يحافظ على مكانتها في الأسواق العالمية.
ويُذكر أن تقرير 'أوبك' السنوي، الذي يصدر منذ عام 2007، يُعد مرجعاً رئيسياً لصناع القرار في قطاع الطاقة، فيما تأتي نسخة هذا العام في وقت يشهد فيه العالم تحولات جذرية نتيجة تسارع سياسات التحول الأخضر وتقلب أسعار النفط بسبب الأزمات الجيوسياسية والضغوط الدولية لتحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ.
مركز عالمي
ويؤكد الخبير النفطي الدكتور عبد السميع بهبهاني أن دول الخليج تبني استراتيجيتها على نمو الطلب العالمي، ليس لزيادة الإنتاج فقط، بل لإعادة تموضعها كمركز عالمي شامل للطاقة.
ويوضح لـ'الخليج أونلاين' أن تراجع قدرات المصافي الأوروبية يمنح المنطقة فرصة لتوسيع صادرات المشتقات والبتروكيماويات المصنعة، مما يحولها من مجرد مورّد خام إلى لاعب صناعي متكامل.
ويشير بهبهاني إلى أن استدامة الثروة تتطلب استثماراً في الطاقة البديلة (الشمسية، والرياح، وحرارة الأرض) لتقليل الاستهلاك المحلي الأحفوري، مؤكداً أن اكتشافات الغاز والهيدروجين تشكل محوراً أساسياً لتوسيع قاعدة الطاقة المستقبلية وتحقيق التوازن الطاقي.
ويرى أن التحدي الرئيس هو التوازن بين تلبية الطلب العالمي ومتطلبات التحول الأخضر، مشدداً على ضرورة تعزيز مشاريع خفض الكربون والاستثمار في تقنيات التقاطه وحبسه، والتوسع في الاستكشافات الغازية، لدعم مزيج طاقي انتقالي أنظف.
ويؤكد بهبهاني أن الاستثمار في الهيدروجين والطاقة المتجددة يعزز موقع المنطقة في سوق الطاقة المستقبلية، لكن يجب أن يكون واقعياً.
ويعتقد الخبير النفطي أن تعزيز التكامل الخليجي في هذه المشاريع يخلق كتلة إقليمية قادرة على المنافسة عالمياً.
ويبين أن استمرار الاعتماد العالمي على النفط حتى ما بعد 2050 سيمنح دول الخليج نفوذاً تفاوضياً أقوى، نظراً لمركزية احتياطاتها العالمية.
ويلفت بهبهاني إلى أن تصنيع وتكرير النفط محلياً بدلاً من تصديره خاماً يمثل ضمانة استراتيجية لبقاء القيمة الاقتصادية وتوجيه سياسات السوق العالمية.
فرص خضراء
وتؤكد المؤشرات الحالية أن دول الخليج باتت في قلب التحول العالمي للطاقة، ليس فقط بوصفها مصدراً تقليدياً للهيدروكربونات، بل كمحرك أساسي لمشروعات الطاقة النظيفة.
فقد كشفت وكالة بلومبرغ، في 29 سبتمبر 2025، أن بنك 'جي بي مورغان' يستعد لتنظيم زيارة خاصة لمجموعة من عملائه المؤسسيين إلى السعودية الشهر المقبل، للتعرف عن قرب على جهود التحول في الطاقة داخل المنطقة.
وذكرت الوكالة أن البنك ينظر إلى الخليج باعتباره بيئة استثمارية واعدة في مجالات الطاقة الشمسية والبطاريات والبنية التحتية الخضراء، مدفوعة بالإنفاق المتزايد على المشاريع المستدامة بعد مؤتمر المناخ COP28.
وتشير التقديرات إلى أن منطقة الشرق الأوسط ستنفق نحو 10 مليارات دولار هذا العام على الطاقة المتجددة والنووية، فيما تسعى السعودية إلى توليد نصف الكهرباء من مصادر نظيفة بحلول عام 2030، والإمارات إلى بلوغ نسبة 60% بحلول عام 2035.
وترى رئيسة أبحاث الاستثمار المستدام في 'جي بي مورغان' للأوراق المالية هانا لي، أن التحولات الجارية في الخليج تمثل 'قصة استثمارية جذابة للغاية'، ليس فقط في توليد الكهرباء النظيفة، بل في إمكانيات تصدير الطاقة المتجددة مستقبلاً.
وأشارت في تصريحها لوكالة بلومبرغ إلى أن الرحلة ستجمع مستثمرين من آسيا والأسواق الناشئة لرفع الوعي بعمق التحولات في قطاع الطاقة الخليجي.
وكان تقرير PwC الشرق الأوسط أكد، في يناير الماضي، أن دول الخليج، التي اشتهرت تاريخياً بإنتاج النفط والغاز، أصبحت اليوم نموذجاً في الجمع بين الاستدامة البيئية والجدوى الاقتصادية؛ فالتحول نحو الطاقة النظيفة لا يُعد تحدياً مالياً كما يُظن، بل يمثل فرصة استراتيجية لتوسيع قاعدة النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل.
ويشير التقرير إلى أن دول الخليج تمتلك ميزة تنافسية مزدوجة؛ فهي المنتج الأقل تكلفة للهيدروكربونات، وفي الوقت ذاته من بين الأكثر كفاءة في إنتاج الطاقة المتجددة.
وتبلغ تكلفة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في الخليج نحو خُمس المتوسط العالمي، فيما تحتضن السعودية والإمارات 6 من أقل المشاريع تكلفة في العالم، وهو ما يعزز جاذبية المنطقة للمستثمرين الدوليين.
ويرجع هذا النجاح إلى اعتماد نموذج 'المشتري الوحيد' الذي يوفر استقراراً للسوق من خلال عقود طويلة الأجل تقلل مخاطر التمويل، وتشجع تدفق رؤوس الأموال نحو مشاريع الطاقة النظيفة.
ويُظهر الاستثمار الخليجي في الطاقة المتجددة اتجاهاً واضحاً نحو إعادة تشكيل الاقتصاد الإقليمي على أسس منخفضة الكربون.
فإلى جانب مشاريع الهيدروجين الأخضر التي تؤهل المنطقة لتصبح مركزاً عالمياً لإنتاج الوقود النظيف، يجري التوسع في استخدام الطاقة المتجددة لدعم الصناعات منخفضة الانبعاثات ومراكز البيانات الخضراء، إضافة إلى توظيف التقنيات الجديدة في الزراعة المستدامة.
كما برزت شراكات خليجية متنامية مع أوروبا ضمن ما يسمى 'المستقبل الأخضر المشترك'، إذ تسعى الدول الأوروبية لتحقيق الحياد الكربوني وتعتمد على الخليج كمصدر مستقر للطاقة النظيفة.
وتقف دول الخليج أمام منعطف تاريخي يمكن أن يرسخ مكانتها كقوة مزدوجة تجمع بين ريادة النفط التقليدي وقيادة مستقبل الطاقة النظيفة.
ومع استمرار ارتفاع الطلب العالمي حتى عام 2050، تبدو المنطقة في موقع مثالي لاستثمار مواردها وخبراتها لتصبح محور الطاقة العالمي الجديد، مستندة إلى مزيج متوازن من الكفاءة الاقتصادية والرؤية البيئية والابتكار التقني.