اخبار قطر
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٥ تشرين الأول ٢٠٢٥
يوسف حمود - الخليج أونلاين
خطوة واشنطن يُنظر إليها على أنها ستعيد تشكيل الخريطة الدولية لحركة المهندسين والمبرمجين، وتضع الخليج في موقع المستفيد الأكبر
تلوح في الأفق فرصة غير مسبوقة لدول الخليج العربي قد تغيّر موازين استقطاب الكفاءات التقنية على مستوى العالم، بعد أن اتجهت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى فرض رسوم ضخمة على تأشيرة العمل الشهيرة H-1B، قد تصل إلى 100 ألف دولار لكل طلب.
خطوة كهذه يُنظر إليها على أنها ستعيد تشكيل الخريطة الدولية لحركة المهندسين والمبرمجين، وتضع الخليج في موقع المستفيد الأكبر؛ فطوال عقود، كانت هذه التأشيرة الأداة الأبرز التي تسمح للشركات الأمريكية العملاقة مثل 'غوغل' و'مايكروسوفت' و'ميتا' باستقدام أفضل العقول من الهند والصين وبلدان أخرى.
غير أن الرسوم الجديدة تمثل حاجزاً مالياً قد يعجز آلاف المتقدمين عن تجاوزه، ما يفتح الباب واسعاً أمام مراكز التقنية الصاعدة خارج الولايات المتحدة. في هذا السياق، تظهر العواصم الخليجية كوجهة جذابة بفضل حزم الإقامة طويلة الأمد وبرامج الاستثمار الضخمة في الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي، حيث تسعى السعودية والإمارات وقطر إلى تعزيز حضورها كمراكز إقليمية وعالمية للتكنولوجيا.
قرار يثير جدلاً
بحسب ما تسرّب من دوائر مقربة من البيت الأبيض، تعتزم إدارة ترامب فرض رسوم تصل إلى 100 ألف دولار على كل طلب جديد للحصول على تأشيرة H-1B، في خطوة تُوصَف بأنها 'تاريخية' من حيث حجم التكلفة.
وتقول الإدارة إن الهدف هو 'حماية الوظائف الأمريكية'، غير أن شركات التقنية العملاقة حذّرت من أن هذه السياسة قد تدفعها إلى نقل جزء من أنشطتها إلى الخارج.
وتشير بيانات وزارة الأمن الداخلي الأمريكية إلى أن نحو 85 ألف تأشيرة من هذا النوع تصدر سنوياً، معظمها لمبرمجين ومهندسين من الهند والصين، ومع فرض رسوم مرتفعة، تتوقع تحليلات أن يتراجع الإقبال على هذه التأشيرات بشكل كبير، خصوصاً بين الخريجين الشباب الذين لا يمتلكون دعماً مالياً كافياً.
في المقابل، تعتبر الشركات الأمريكية أن هذه التأشيرة كانت حجر الزاوية في نمو قطاع التكنولوجيا خلال العقود الماضية، إذ أسهمت في سد فجوات المهارات التي لا تغطيها السوق المحلية.
وتشير تقارير متخصصة إلى أن نحو 70% من العاملين في بعض أقسام شركات وادي السيليكون هم من حاملي H-1B أو كانوا كذلك في بداياتهم.
الخليج يتحرك بسرعة
بالنسبة إلى دول الخليج، فإن التوقيت مثالي. فالسعودية، التي أطلقت برامج واسعة ضمن 'رؤية 2030'، أعلنت عن استثمارات بمليارات الدولارات في قطاع التقنية والذكاء الاصطناعي، في وقتٍ ضاعف فيه صندوق الاستثمارات العامة إنفاقه على المشاريع الرقمية، ودشّنت الرياض مجمعات خاصة لاستقطاب الشركات الناشئة والمبرمجين.
الإمارات بدورها تملك تجربة متقدمة، مع برامج 'الإقامة الذهبية' و'الإقامة الخضراء' التي تمنح رواد الأعمال والباحثين والمواهب التقنية إمكانية الاستقرار لفترات تصل إلى عشر سنوات، كما أطلقت العام الماضي 'مجمع الذكاء الاصطناعي الإماراتي-الأمريكي' بالشراكة مع شركات مثل 'أوبن إيه آي' و'إنفيديا'، في خطوة تؤكد سعيها لأن تكون مركزاً عالمياً لتقنيات المستقبل.
أما قطر، فقد عززت استثماراتها في البنية الرقمية ومراكز الأبحاث، فيما تعمل البحرين والكويت وعُمان على تطوير مناطق حرة ومجمّعات أعمال تستهدف الشركات الناشئة في البرمجة والأمن السيبراني.
ورغم تفاوت الإمكانيات، فإن دول الخليج جميعها تملك رؤية واضحة تقوم على تنويع الاقتصاد وتخفيف الاعتماد على النفط، ما يجعل استقطاب الكفاءات البشرية جزءاً أساسياً من خططها.
نقطة تحوُّل
تؤكد المحللة الاقتصادية حنين ياسين أن توجه الإدارة الأمريكية لفرض رسوم قد تصل إلى 100 ألف دولار على تأشيرة العمل الشهيرة H-1B 'يمثل نقطة تحول عالمية في سوق المواهب التقنية'.
وأشارت إلى أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، تمتلك اليوم فرصة نادرة لتعزيز مكانتها كمركز عالمي للكفاءات في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وقالت ياسين في حديثها لـ'الخليج أونلاين' إن 'التحولات في السياسات الأمريكية والأوروبية، سواء عبر تشديد إجراءات الهجرة أو رفع كلفة استقدام الكفاءات، ستدفع أعداداً متزايدة من المهندسين والعلماء ورواد الأعمال إلى البحث عن وجهات بديلة توفر بيئة أكثر استقراراً وحوافز أكثر جاذبية، وهنا يظهر الخليج كخيار أول وليس بديلاً ثانوياً كما كان في السابق'.
وترى ياسين أن رؤية السعودية 2030 والاستراتيجيات الوطنية في الإمارات هما ما يمنح المنطقة هذه الأفضلية، موضحة أن الخطط الطموحة لتحويل الاقتصاد من الاعتماد على النفط إلى اقتصاد متنوع قائم على المعرفة تُترجم إلى مشاريع عملاقة في الذكاء الاصطناعي، والمدن الذكية، والتكنولوجيا المالية، وكلها قطاعات تستقطب أفضل العقول.
وأضافت: 'دول الخليج لا تراهن فقط على الرواتب المجزية أو الإعفاءات الضريبية، رغم أهميتها، بل على بناء منظومة متكاملة من البنية التحتية الرقمية، والتشريعات المرنة، وبرامج التأشيرات طويلة الأمد التي تعطي الكفاءات شعوراً بالاستقرار والقدرة على التخطيط لحياتهم المهنية والعائلية في المنطقة'.
وتشير المحللة الاقتصادية إلى أن هذا التحول لن يكون مؤقتاً، موضحة أن المواهب التي كانت تنظر إلى الخليج كمحطة مؤقتة أصبحت اليوم ترى فيه بيئة متكاملة للنمو والابتكار، خصوصاً مع المشاريع المستقبلية مثل 'نيوم' في السعودية والمدن الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الإمارات، التي تتيح للخبراء العمل في بيئة متقدمة تقنياً لا تقل في طموحها عن وادي السيليكون.
وتؤكد ياسين أن الفرصة الأكبر تكمن في قدرة الخليج على سد الفجوة التي تتركها القيود الأمريكية والأوروبية، مضيفة: 'إذا نجحت الحكومات الخليجية في تسريع إجراءات استقدام الكفاءات وتوفير مسارات واضحة للإقامة الطويلة والجنسية، فسنشهد تحولاً في خريطة الهجرة التقنية العالمية خلال السنوات الخمس المقبلة، وقد تصبح الرياض وأبوظبي وجهتين تنافسان سان فرانسيسكو ولندن'.
مشاريع خليجية عملاقة
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن استثمار دول الخليج في قطاع التكنولوجيا تجاوز 200 مليار دولار خلال العقد الأخير، مع خطط لمضاعفة هذا الرقم بحلول عام 2030.
ومع وجود بنية تحتية متطورة للإنترنت والاتصالات، قد يتحول الخليج إلى مركز رئيسي لتجمع الكفاءات القادمة من آسيا وأوروبا.
وفي أبريل الماضي، كشفت السعودية عن منصة وطنية للمهارات تهدف إلى تطوير القوى العاملة لمواكبة التحولات العالمية في الذكاء الاصطناعي والأتمتة.
كما تقدم مشاريع مثل مدينة 'نيوم' المستقبلية في السعودية، والمدن الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الإمارات، فرصاً فريدة للعمل في مراكز بيانات متطورة وتطوير قطاعات مثل التكنولوجيا المالية واللوجستيات.
الشركات العالمية تراقب
ردود الفعل الأولية من شركات التكنولوجيا الأمريكية تشير إلى قلق بالغ؛ فشركات مثل 'غوغل' و'مايكروسوفت' و'أمازون' تعتمد بشكل مباشر على نظام H-1B لاستقدام المواهب.
ومع ارتفاع التكلفة إلى 100 ألف دولار، قد تصبح بعض العقود غير مجدية اقتصادياً، ما يدفع هذه الشركات إلى البحث عن مقار بديلة في مناطق أكثر مرونة.
إلا أن قيام بعض الشركات بفتح مكاتب أكبر في دبي والرياض والدوحة، مستفيدة من التسهيلات الضريبية والبنية التحتية المتطورة للاتصالات، قد يساعدها في تجاوز بعض التعقيدات.