مشاريع نوعية وتخطيط لامركزي.. عُمان توسع السياحة خارج العاصمة

سلمى حداد - الخليج أونلاين

- سلطنة عُمان تركز على تطوير السياحة في كافة مناطق الدولة لتعزيز النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل.

- توقيع 3 اتفاقيات لتطوير وجهات سياحية في خصب وصور ونخل، مع توقعات بخلق مئات فرص العمل.

- أكثر من 3 ملايين زائر بنهاية الربع الثالث من 2024، وسط خطط للوصول بمساهمة القطاع إلى 10% من الناتج المحلي بحلول 2030.

في تحول استراتيجي يعكس توجه سلطنة عُمان لتنويع مصادر دخلها الوطني، تسير الحكومة بخطى متسارعة نحو تنمية القطاع السياحي في المناطق غير التقليدية، مستهدفةً الولايات الطرفية ذات الإمكانات الطبيعية والبيئية العالية، والتي لم تنل سابقاً حظها من التطوير.

وهذه الرؤية تأتي منسجمة مع مستهدفات 'رؤية عُمان 2040' التي تضع السياحة في صلب أولويات الاقتصاد ما بعد النفط.

وتستند هذه الاستراتيجية إلى إدراك واضح بأن السياحة قادرة على أن تكون محركاً فعالاً للنمو الاقتصادي والتنمية المحلية، خاصة إذا تم استثمارها في مناطق تملك المقومات البيئية والثقافية الفريدة.

كما تسعى السلطنة إلى التخفيف من التركيز الجغرافي للمشروعات السياحية، عبر التوسع في مناطق جديدة تفتح آفاقاً رحبة أمام فرص العمل والتنمية المجتمعية.

وهذا التوجه يتكامل مع مؤشرات اقتصادية واعدة، إذ أظهرت أحدث بيانات رسمية عمانية أنه بنهاية الربع الثالث من العام الماضي 2024سجل إجمالي عدد زوار السلطنة نحو 3 ملايين زائر، وارتفع عدد نزلاء الفنادق بنسبة 7% ليبلغ نحو 1.5 مليون نزيل.

وبلغت نسبة الإشغال الفندقي 46.6%، وقضى النزلاء نحو مليوني ليلة في الفنادق من فئة 3 إلى 5 نجوم.

وسجل حجم إيرادات الفنادق زيادة بنسبة 6.3% مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2023، ليصل إجمالي الإيرادات إلى 163 مليون ريال عماني (نحو 423 مليون دولار أمريكي)، منها 95 مليون ريال (نحو 247 مليون دولار) من إيرادات الغرف، و68 مليون ريال (نحو 176 مليون دولار) من الإيرادات الأخرى مثل الخدمات الفندقية والمطاعم.

كما تُظهر الاستراتيجية الوطنية للسياحة بالسلطنة أن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي قد تصل إلى 10% بحلول 2030.

أحدث المشاريع السياحية

أحدث المشاريع التي أطلقتها السلطنة بهذا الجانب إعلان وزارة التراث والسياحة، في 25 مايو الجاري، توقيع ثلاث اتفاقيات استثمارية لتطوير مشروعات سياحية في ولايات خصب ونخل وصور، بقيمة إجمالية تجاوزت 56 مليون ريال عماني (نحو 145 مليون دولار).

وهذه الاتفاقيات، التي أُبرمت مع شركات محلية رائدة مثل 'مجموعة عمران' و'خصب للتطوير والاستثمار' و'هميان للاستثمار'، تؤسس لمرحلة جديدة من التنمية السياحية اللامركزية.

أولى هذه الاتفاقيات خُصصت لتطوير وادي الشاب في نيابة طيوي بولاية صور، إحدى أبرز الوجهات البيئية في جنوب الشرقية.

ووفق المخطط، ستقوم مجموعة عمران بإنشاء منتزه مغامرات يضم أنشطة مثل السلك الانزلاقي ومسارات تسلق جبلية وجسور معلقة، إضافة إلى مطاعم ومناطق سباحة ومسارات للمشي.

أما المشروع الثاني فهو مجمع سياحي متكامل في ولاية خصب بمحافظة مسندم، تحت اسم 'سندان - لؤلؤة خصب'.

ويمتد المشروع على مساحة 43.6 ألف متر مربع، ويتضمن فندقاً من فئة أربع نجوم، وسوقاً تراثياً، ومحال تجارية، و450 وحدة سكنية متاحة للتملك للمواطنين والمقيمين على حد سواء.

ويُتوقع أن يوفر المشروع بين 250 و300 فرصة عمل، بتكلفة استثمارية تبلغ 17 مليون ريال عماني.

وفي ولاية نخل بمحافظة جنوب الباطنة، جرى توقيع عقد تنفيذ مشروع 'قرية هميان' على مساحة تتجاوز 200 ألف متر مربع، وبتكلفة تبلغ 38 مليون ريال.

ويشمل المشروع فندقاً يضم 156 غرفة و535 وحدة سكنية، إضافة إلى حديقة مائية وسوق ومرافق خدمية وترفيهية. وتُقدر فرص العمل المباشرة المتوقع توفيرها ما بين 300 و350 وظيفة.

ونقلت وكالة الأنباء العمانية عن مدير عام التخطيط بوزارة التراث والسياحة العمانية، راشد بن صالح الهنائي، أن 'هذه المشاريع تمثل نقلة نوعية في فلسفة التخطيط السياحي في السلطنة، كونها تركز على الوجهات الطرفية وتسعى لتحويلها إلى نقاط جذب سياحي واقتصادي'.

ويؤكد الهنائي أن تطوير هذه المشاريع سيتم وفق معايير الاستدامة البيئية والتكامل المجتمعي، مع إتاحة الفرصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة للمشاركة في التنفيذ والتشغيل.

وفي هذا الإطار، قال وزير التراث والسياحة العماني سالم بن محمد المحروقي، في لقاء تلفزيوني بفبراير الماضي، إن السياحة قطاع ممكن وحاضن للتنمية، مشيراً إلى أن الأولوية الحالية تتمثل في الحفاظ على ما تحقق وتطويره، وصولاً إلى الأهداف الطموحة لرؤية 2040.

وشدد على أن الوزارة بصدد سن قانون جديد للسياحة، سيتضمن لائحة تنفيذية تتواءم مع متطلبات المرحلة.

وأشار إلى أن الوزارة تعتزم طرح مواقع التراث العالمي مثل دبا وقلهات وبات كمشاريع استثمارية عبر مناقصات لإنشاء مراكز زوار حديثة، تقدم خدمات متكاملة للزائر وتعزز من التجربة السياحية المتصلة بالموروث الثقافي.

كما أعلن عن خطط لإطلاق مشاريع ترفيهية في ظفار، ومهرجانات تراثية مؤجلة مثل مهرجان صور للتراث البحري.

من جهة أخرى، أشار إلى أن السلطنة سحبت 40 قطعة أرض استثمارية من مستثمرين غير جادين، ضمن جهود تنظيم السوق وإعادة توجيه الفرص نحو مستثمرين فاعلين قادرين على التنفيذ.

وتماشياً مع توجه الحكومة نحو دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، قال إن وزارته تسعى إلى تقديم حوافز مالية وتسهيلات تمويلية لهذه المؤسسات في المحافظات المختلفة، باعتبار أن 90% من المؤسسات السياحية حول العالم تصنف ضمن هذا القطاع الحيوي.

وعلى صعيد البنية التشريعية والتنظيمية أطلقت السلطنة، خلال السنوات الخمس الماضية، حزمة من القوانين الداعمة للاستثمار السياحي، أبرزها تعديلات على قانون تملك الأجانب للعقارات، وإطلاق برنامج 'الإقامة الذهبية' للمستثمرين، ما يفتح الباب أمام رؤوس أموال أجنبية تسهم في إثراء المشهد السياحي الوطني، وفق الوزير المحروقي.

تطوير المناطق غير التقليدية

وتؤكد تصريحات الوزير العماني أن هناك اهتماماً كبيراً من السلطنة بتطوير السياحة حتى خارج المجمعات السياحية التقليدية في البلاد وعدم قصرها على مركز الدولة.

وإلى جانب مسقط، تحتضن العديد من ولايات سلطنة عمان مقومات سياحية طبيعية وتاريخية مميزة تؤهلها لتكون وجهات سياحية رئيسية.

وفي محافظة ظفار جنوب البلاد، تشتهر مدينة صلالة بموسم الخريف الفريد الذي يحولها إلى واحة خضراء تستقطب آلاف الزوار سنوياً.

وتتنوع الأنشطة بين زيارة شلالات دربات، والتجول في سهل أتين، والسباحة في شواطئ المغسيل.

وفي محافظة الداخلية، تبرز ولاية نزوى بقلعتها الشهيرة وسوقها التقليدي، وتُعد بوابة مثالية لاستكشاف الجبل الأخضر الذي يوفر تجربة سياحة جبلية فريدة مع مناخ معتدل على مدار العام. كما تستقطب ولاية بهلاء الزوار بمواقعها المدرجة على قائمة التراث العالمي.

أما محافظة البريمي، الواقعة على الحدود مع الإمارات، فتقدم مزيجاً من الأسواق التقليدية والمواقع الأثرية، وتعد نقطة جذب للسياح الخليجيين.

وفي أقصى الشمال، تبرز محافظة مسندم بمناظرها البحرية الخلابة والمضايق التي تشبه الفوردات النرويجية، وتوفر رحلات القوارب هناك تجربة لا تُنسى.

ركيزة تنموية ذكية

ويرى المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر، أن تحرك عُمان نحو تعزيز السياحة في المناطق غير التقليدية يُعد ركيزة تنموية ذكية تعكس وعياً استراتيجياً بأهمية تنويع الاقتصاد وخلق فرص تنموية خارج المدن الكبرى.

ويقول أبو قمر، في حديثه لـ'الخليج أونلاين': 'هذه المقاربة تعزز من توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة، وتفتح فرص عمل مستدامة في ولايات تتمتع بثروات طبيعية ولكنها بقيت خارج خارطة الاستثمار السياحي لفترة طويلة'.

ويؤكد أن الأثر الاقتصادي لهذه المشاريع لا يقتصر على العوائد المالية المباشرة فقط، بل يمتد إلى دعم سلاسل القيمة المحلية، بدءاً من تشغيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وصولاً إلى تحفيز القطاعات المكملة كالنقل والضيافة والحرف اليدوية.

ويضيف: 'هذا النوع من الاستثمار يمكّن المجتمعات المحلية من المشاركة الفاعلة في التنمية، ويعزز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المدى الطويل'.

وحول مستقبل هذه الاستراتيجية، يتوقع أبو قمر أن تستمر عُمان في استقطاب استثمارات نوعية في قطاعات مثل سياحة المغامرات والسياحة البيئية والبحرية، مشيراً إلى أن الطبيعة العمانية تمنحها ميزة تنافسية حقيقية على مستوى الإقليم.

ويقول: 'إذا تم دمج هذه الجهود بخطط تسويق دولية وشراكات مع مشغلي السياحة العالميين، فإن السلطنة يمكن أن تتحول إلى إحدى أبرز وجهات السياحة المستدامة في الشرق الأوسط خلال العقد المقبل'.

ويتابع: 'نجاح هذه الاستراتيجية يتطلب تعزيز البنية التحتية الرقمية والسياحية، وربط المواقع الطرفية بشبكة نقل متكاملة، إلى جانب تدريب الكفاءات المحلية لتكون قادرة على تقديم خدمات سياحية بمعايير دولية'.

كما يلفت المختص الاقتصادي إلى أن 'استدامة المشاريع السياحية في ولايات مثل خصب وصور ونخل، ستعتمد أيضاً على مرونة السياسات الحكومية في توفير الحوافز، وتبسيط الإجراءات، وتحفيز الابتكار في المنتجات السياحية'.

ويعتبر أبو قمر أن التنمية السياحية الناجحة هي التي تبني اقتصاداً محلياً مزدهراً وتخلق تجارب عالمية في بيئة تحترم ثقافتها وتحتضن مستقبلها.