اخبار سلطنة عُمان
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢٨ حزيران ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
- تواجه الجامعات الأمريكية تراجعاً ملحوظاً في استقطاب طلاب الخليج بسبب تصاعد المخاوف الأمنية والقيود السياسية.
- تحوّلت كندا وأستراليا، إلى جانب بعض الدول الخليجية، إلى بدائل تعليمية أكثر استقراراً وانفتاحاً.
- تطور البنية التعليمية في الخليج وشراكات الجامعات الدولية رسّخ مكانة المنطقة كوجهة أكاديمية منافسة.
في خضم التغيرات المتسارعة التي تشهدها خريطة التعليم العالي عالمياً، يعيد طلاب دول الخليج النظر في خياراتهم الأكاديمية، مع توجه متزايد نحو بيئات تعليمية أكثر استقراراً وترحيباً.
لم تعد الولايات المتحدة وحدها الخيار الأول، بل بدأت دول مثل كندا وأستراليا، وحتى بعض الدول الخليجية نفسها، تنافس بقوة على استقطاب العقول الطموحة من المنطقة.
تراجع الجامعات الأمريكية
وشهدت الجامعات الأمريكية تراجعاً ملحوظاً في استقطاب طلاب دول الخليج، وسط أجواء سياسية مشحونة وتدابير أمنية صارمة أثارت قلق العائلات والطلبة على حد سواء.
وقد فرضت السلطات الأمريكية قيوداً متزايدة على التأشيرات، ووسّعت نطاق التدقيق الأمني ليشمل حسابات التواصل الاجتماعي، كما ألغت أو عدّلت تأشيرات مئات الطلاب بسبب مشاركتهم في احتجاجات سياسية، مما أضفى طابعاً غير مرحّب به على بيئة التعليم هناك.
وكشف موقع 'ذا ناشيونال'، في تقرير نشره في 6 يونيو 2025، أن التحول عن الجامعات الأمريكية لم يبدأ مع ترامب فقط، بل هو امتداد لتراجع تدريجي بدأ منذ سنوات؛ فقد انخفض عدد الطلبة الإماراتيين في أمريكا من 2900 عام 2015 إلى 1500 عام 2023، بينما تراجع عدد السعوديين من أكثر من 61 ألفاً إلى نحو 16 ألفاً خلال الفترة نفسها.
إلى جانب ذلك سُجلت تراجعات مشابهة لدى طلاب البحرين والكويت وقطر، إذ انخفض عدد الطلاب القطريين في الولايات المتحدة من 1443 إلى 404 فقط، بحسب تقرير 'الأبواب المفتوحة' للتبادل التعليمي الدولي.
ويعزو مراقبون هذا التراجع إلى اعتبارات متعددة تتجاوز البُعد السياسي، إذ تُثار مخاوف متزايدة بشأن السلامة الشخصية في الولايات المتحدة، خاصةً الجرائم المرتبطة بحيازة السلاح، إلى جانب الارتفاع الحاد في الرسوم الدراسية وتكاليف المعيشة، مما يجعل وجهاتٍ مثل المملكة المتحدة وأستراليا أكثر استقراراً وتكلفةً وأماناً.
وأوضح المدير الإقليمي في شركة 'كريمسون إديوكيشن' بالإمارات، مادهاف جونيجا، أن الطلاب في الخليج باتوا يتجهون إلى تقديم طلبات قبول لجامعات متعددة خارج الولايات المتحدة، في خطوة تهدف إلى تجنب المخاطر المرتبطة بالتغيرات السياسية والاقتصادية.
وأضاف إديوكيشن في تصريح لموقع 'ذا ناشيونال'، أن 'الطلبة أصبحوا أكثر وعياً، ويحرصون على تنويع خياراتهم لضمان المرونة في ظل حالة عدم اليقين الراهنة'.
هذا التراجع لم يكن وليد اللحظة، بل هو جزء من منحى مستمر منذ سنوات، انعكس في انخفاض أعداد الطلاب الخليجيين بشكل كبير، وبات كثير من الطلبة يتجنبون وضع مستقبلهم الأكاديمي رهينة لقرارات سياسية متقلبة، ما أدى إلى البحث عن وجهات تعليمية بديلة أكثر استقراراً وانفتاحاً.
بدائل صاعدة
في المقابل، تبرز كندا وأستراليا كوجهات تعليمية مفضلة لدى طلاب الخليج، مدعومتين بسمعة أكاديمية قوية وبيئة أكثر ترحيباً ووضوحاً.
تسعى جامعات كبرى مثل (University of Toronto) و(Western University) الكندية، وجامعة سيدني الأسترالية، إلى جذب مزيد من طلاب الشرق الأوسط، عبر مبادرات وبرامج متخصصة، رغم تحديات محلية مثل أزمة السكن التي دفعت كندا إلى تقليص تصاريح الدراسة بنسبة 10%.
كما أن الجامعات في دول الخليج نفسها بدأت تحجز مكاناً لها كمنافس قوي، من خلال تحسين جودة التعليم، وتوسيع الشراكات الدولية، وتقديم حوافز للطلاب المتميزين مثل الإقامة الذهبية.
هذه الجهود تجعل من المنطقة ليس فقط مصدّرة للطلبة، بل وجهة تعليمية جذابة، حيث أشار المدير الإقليمي المشارك في جامعة هيريوت وات بدبي، غاري فرنانديز، إلى أن هناك تزايداً ملحوظاً في إقبال الطلاب على الدراسة داخل دول الخليج.
ولفت إلى أن سياسات مثل الإقامة الذهبية، عززت جاذبية الإمارات باعتبارها وجهة تعليمية إقليمية وعالمية، مرجعاً ذلك إلى السمعة الأكاديمية المتنامية، واعتماد برامج دولية، إضافة إلى الاستقرار والأمان الذي توفره مدن مثل دبي وأبوظبي.
ولا يقتصر هذا التحول على العوامل الخارجية، بل يرتبط أيضاً بتطور البنية التحتية التعليمية داخل الخليج، ففي قطر، على سبيل المثال، برزت المدينة التعليمية كمركز أكاديمي إقليمي، تستضيف فروعاً لجامعات أمريكية مرموقة مثل جورجتاون وكورنيل وكارنيجي ميلون، مما يوفر للطلاب تعليماً عالي الجودة دون الحاجة للسفر إلى الخارج.
وفي الإمارات، أسهمت جامعات عالمية مثل نيويورك أبوظبي، في ترسيخ التوجه نحو التعليم المحلي بمواصفات دولية.
تحول استراتيجي
ويرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحيم الهور، أن تراجع أعداد طلاب دول الخليج في الجامعات الأمريكية يعكس تحولات أعمق في التوجهات التعليمية والسياسية والاجتماعية.
ويوضح الهور لـ'الخليج أونلاين'، أن التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والمنطقة، إضافة إلى تشديد الإجراءات الأمنية والهجرية، أدت إلى جعل أمريكا وجهة دراسية أقل جاذبية ومرونة للعائلات الخليجية.
ويشير إلى أن دولاً مثل كندا وأستراليا، برزت باعتبارها بدائل جذابة، بفضل أنظمتها التعليمية المرنة وبيئاتها الترحيبية، وسياسات تشجع على الاستقرار ما بعد التخرج.
كما يؤكد أن هذا التحول ليس مجرد رد فعل مؤقت، بل هو انعكاس لتحول أوسع في العقلية التعليمية لدى العائلات الخليجية، التي تبحث عن التعليم كاستثمار مدروس يتقاطع مع فرص العمل، والاستقرار، والاحترام الثقافي والديني.
ويضيف أن تأثير هذا التراجع لا يقتصر على الطلاب فحسب، بل يمتد إلى الجامعات الأمريكية التي كانت تعتمد بشكل كبير على الرسوم الدراسية للطلاب الدوليين، مما يشكل تحدياً مالياً لها ويزيد من المنافسة.
ويلفت إلى أن انحسار التنوع الطلابي يؤثر أيضاً على الحراك الفكري والثقافي داخل الحرم الجامعي، ويضعف قدرة الجامعات على الحفاظ على تصنيفاتها الدولية.
ويوضح الهور أن الجامعات الخليجية بدأت تتحول تدريجياً إلى بدائل منافسة، بفضل تطورها الكبير خلال العقدين الأخيرين وشراكاتها مع جامعات عالمية عريقة.
غير أنه يؤكد أن التحدي الأكبر يكمن في ضمان حرية البحث العلمي، واستقلالية القرار الأكاديمي، وتعزيز بيئة تعليمية قادرة على احتضان التنوع الفكري والنقدي.
ويختتم الهور حديثه بالقول: 'إن تراجع أعداد طلاب الخليج في الجامعات الأمريكية مؤشر على تحول استراتيجي في أولويات التعليم لهذه المجتمعات، وتنبيه للجامعات الأمريكية لمراجعة سياساتها والانفتاح مجدداً على بيئة دولية أكثر توازناً واحتراماً للتنوع الثقافي والديني'.