اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٥ نيسان ٢٠٢٥
في زمن تتكاثف فيه سحب الحرب على أطراف شمال إفريقيا، وتتهاوى فيه أعمدة التوازنات الإقليمية، فجّرت الجزائر جدلا استراتيجيا بقرارها المفاجئ المصادقة على قانون 'التعبئة العامة'.
خطوة تتجاوز في توقيتها وسياقها مجرد تحيين قانوني أو استجابة لمقتضى دستوري، لتدخل البلاد عمليا في منطق 'الاستنفار الشامل'، حيث تعاد صياغة علاقة الدولة بكل مكوناتها ـ من الجيش إلى الإعلام، ومن الأطباء إلى الاقتصاد ـ وفق منطق الجاهزية القصوى.
فهل يعد هذا القرار مؤشرا على اقتراب الجزائر من حافة الحرب، أم أنه مجرد ورقة ضغط في لعبة التوازنات المتوترة؟ وهل نحن بصدد تحوّل في العقيدة الدفاعية نحو نهج أكثر هجومية، أم أن الجزائر تناور في محيط إقليمي لم يعُد يعترف إلا بمنطق الردع؟
في هذا السياق أكد خبير الشؤون الاستراتيجية هشام معتضد، أن إعلان التعبئة هو إعادة تعريف للدولة في علاقتها بالعنف المشروع، مستدلا بنظرية الفيلسوف الألماني ماكس فيبر التي تشير إلى أن احتكار العنف المشروع هو أحد أعمدة شرعية الدولة الحديثة، غير أن التعبئة العامة، كأداة دستورية وتنظيمية، تتجاوز هذا المفهوم لتضع النظام السياسي في قلب علاقة جديدة مع المجتمع.
وأوضح معتضد في تصريح لجريدة 'العمق'، أن هذا القرار يعني أن كل مواطن يصبح جنديا محتملا، وكل مؤسسة ذراعا لخدمة خيار عسكري غير معلن بعد، ومن هذا المنظور، يبدو أن النظام الجزائري لا يعبئ لمواجهة خارجية فقط، بل يعيد ترتيب داخلي لمعادلة الحكم في أفق محتمل من عدم الاستقرار أو الصدام الإقليمي.
وأورد المتحدث ذاته، أن السياق الإقليمي هو ما يضفي على الخطوة الجزائرية طابعها التصعيدي، كون أن التحولات العميقة في منطقة الساحل بعد الانقلابات العسكرية، والتحالفات الأمنية المستجدة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، والخلافات المتزايدة حول اتفاق الجزائر، كلها مؤشرات على إعادة تشكيل موازين القوى في منطقة كانت تعتبر تاريخيًا 'حديقة خلفية' للنفوذ الجزائري.
'وعليه يمكن قراءة مشروع قانون التعبئة كتحصين استراتيجي مُسبق لمواجهة خطر 'تمدد عدوى الفوضى'، تماما كما كان يخشى Zbigniew Brzezinski من انتقال عدوى عدم الاستقرار في مناطق النفوذ الحيوي'، يقول هشام معتضد.
واعتبر المحلل السياسي، أن الخطوة تعكس كذلك ارتباكا داخليا في صياغة معادلة الأمن الوطني، مسجلا أن ما يثير الانتباه ليس مضمون القانون بحد ذاته، بل التوقيت والرمزية، في وقت تمر فيه الجزائر بعزلة دبلوماسية واضحة، خصوصا بعد التوترات مع دول الساحل وإغلاق الأجواء، مما يؤكد أن تبني أدوات قانونية ذات طابع تعبوي يعطي انطباعا بنزعة 'تحصين للنظام' أكثر من كونه استعدادا لحرب شاملة، وهو أمر تلجأ له الأنظمة الهشة التي تعمل على عسكرة المؤسسات لتأجيل لحظة المساءلة المجتمعية.
ويرى المتحدث ذاته، على أن القانون لا يجب أن يفهم كنص قانوني فقط، بل كخطاب سيادي جديد، فالمصادقة عليه لا تأتي في فراغ، بل تعيد تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع في أفق أمني صرفكون أن السيادة لا تمارس فقط عبر السلطة، بل أيضا عبر 'إدارة الخوف'.
وأضاف قائلا: 'في هذا السياق، يصبح النقاش حول التعبئة العامة أداة سياسية لتأطير المجال العمومي وضبط المزاج الشعبي، وهو ما يُفسر الجدل الواسع في الداخل، والتباين في التفسير بين من يرى الخطوة هروبًا إلى الأمام، ومن يعتبرها تحصينًا استباقيًا للسيادة الوطنية'.
وأوضح الخبير أن هذه التعبئة لا تعني بالضرورة أن الجزائر تستعد لحرب وشيكة، ولكنها تستعد للاحتمال الأسوأ، مسجلا أن قانون التعبئة يمنح النظام هامش 'مناورة قانوني' لاستباق أي تطورات إقليمية مفاجئة، خاصة وأن النظام الجزائري لا يتعامل مع فاعلين نظاميين فقط، بل مع جماعات مسلحة، وتحديات أمن حدودي، وصراعات هوية، وكلها ملفات لا تحل بالقوة الناعمة وحدها.
وحسب المتحدث ذاته، فإن غياب التوازن بين الشرعية السياسية والشرعية العسكرية في الجزائر قد يجعل من 'التعبئة' سلاحا ذا حدين، كما أن رفع منسوب التوتر القانوني دون مبرر واقعي محسوس لدى الرأي العام قد يقوض الثقة في المؤسسات.
واعتبر معتضد أن هذه التعبئة تتقاطع مع لحظة استراتيجية حرجة تشهد فيها المنطقة المغاربية اختلالا في أنماط الردع والتوازن، فبينما يواصل المغرب تحديث ترسانته الدفاعية ضمن رؤية دبلوماسية منفتحة، تبدو الجزائر كأنها تنكفئ على ذاتها، وتبحث عن موقع استراتيجي عبر أدوات الماضي.
وخلص خبير الشؤون الاستراتيجية، حديثه بالتأكيد على أن القانون يمثل لحظة مفصلية في مستقبل النظام الجزائري أكثر منه إعلانا لحرب، خاصة وأن القانون لا يترجم نية هجومية آنية، لكنه بالتأكيد يفصح عن تحولات عميقة في تصور النظام للتهديدات، غير أن فاعلية هذا الخيار ستظل مشروطة بمدى انسجامه مع المتغيرات الإقليمية، وخصوصا مع عودة التوازنات الدولية إلى صيغة الاستقطاب، كون أن التعبئة لا تعني فقط تعبئة الجيوش، بل تعبئة الخطاب، والموارد، والشرعيات، وكلها أدوات تستدعي من النظام الجزائري مراجعة أعمق لعلاقته بجيرانه ومواطنيه.