تجارة التهريب السري في المغرب... أرباح على حساب أحلام الشباب

السلطات تلاحق العصابات التي تستغل أزمات البطالة في تنظيم الهجرة السرية إلى إسبانيا

تنشط شبكات التهجير السري من المغرب إلى أوروبا عبر استغلال ارتفاع الطلب على 'الحريك'، كما يسميه المغاربة، فضلاً عما تدره تجارة تهجير الشباب الراغبين في الهجرة غير الشرعية إلى الضفة الإسبانية من أرباح وأموال طائلة.

وتشن السلطات الأمنية المغربية حرباً على تنامي هذه الشبكات الإجرامية التي تعمل على تهجير الراغبين في 'الحريك' مقابل مبالغ مالية متفق عليها مع الوسطاء، من خلال رصد وتفكيك هذه العصابات، وأيضاً تطويق النقاط الحدودية البرية نحو إسبانيا، ومراقبة مراكز تجمع المهاجرين قرب السواحل البحرية.

عبدالحفيظ، شاب في نهاية عقده الثاني، دفعته البطالة على رغم حصوله على شهادة جامعية في تخصص أدبي إلى تجريب حظه في الهجرة السرية صوب الأراضي الإسبانية عبر أحد القوارب، بواسطة أحد الوسطاء لشبكة تهريب كان يجهل خيوطها.

يقول الشاب العشريني إن شبكات التهجير السري 'تزرع' أعينها وجواسيسها في الأحياء الشعبية والمقاهي بالخصوص، وحتى في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يتربصون بالشباب الذين يعلنون رغبتهم في 'الحريك'.

يضيف عبدالحفيظ 'كنت أحد هؤلاء الضحايا الذين استقطبهم وسيط لشبكة تهجير سري أقنعني بأنهم قاموا بتهجير كثير من شباب المدينة التي انحدر منها عبر القوارب المطاطية، مقابل مده بمبلغ أولي يصل إلى 30 ألف درهم (نحو 3 آلاف دولار)، والبقية عندما تطأ قدماي ’الفردوس الإسباني‘'.

وتابع الشاب ونبرة الأسى تخنق أنفاسه 'اقترضت المبلغ المالي المطلوب من أفراد أسرتي ومعارفي الذين تعاطفوا مع حال شاب جامعي مجاز من دون أن يستطيع الظفر بفرصة عمل، لكن في اليوم الموعود فشل القارب في إيصال الشباب إلى الوجهة المطلوبة، بعدما انقلب وغرق من غرق ونجا من نجا' وفق تعبيره.

وزاد المتكلم عينه بأنه علم بعد ذلك ببضعة أسابيع بأنه تم إلقاء القبض على ذلك الوسيط، وأيضاً نجحت السلطات الأمنية في تفكيك شبكة تهجير كانت تشغله لاصطياد الضحايا المفترضين المرشحين للهجرة السرية عبر البحر من شمال المملكة إلى إسبانيا.

هذه الشبكة التي تعرض عبدالحفيظ لشراكها وتم تفكيكها، هي واحدة من بين 332 شبكة لتهريب المهاجرين السريين تم ضبطها خلال عام 2024 بالمغرب، وفق أرقام رسمية كشف عنها أخيراً وزير الداخلية المغربي عبدالواحد لفتيت.

وتفيد الأرقام ذاتها أنه خلال الفترة الزمنية الممتدة بين 2020 و2024 فككت السلطات الأمنية 1691 شبكة لتهريب المهاجرين، إذ تتم متابعة أعضائها بتهمة الاتجار بالبشر، وهي تهمة ثقيلة وفق القانون الجنائي المغربي.

ودخل قانون مكافحة الاتجار بالبشر حيز التنفيذ منذ عام 2016 بالمغرب، استناداً إلى انضمام المملكة إلى البروتوكول الملحق بالاتفاقية الدولية لمنع الجريمة عبر الوطنية المتعلق بالاتجار بالبشر، بخاصة النساء والأطفال.

ووفق القانون المذكور يعاقب بالسجن من خمسة إلى 10 أعوام وغرامة مالية تصل إلى 500 ألف درهم (50 ألف دولار)، كل من تورط في جريمة الاتجار بالبشر، كذلك ينص القانون على المعاقبة بالسجن من 20 إلى 30 عاماً عن جريمة الاتجار بالبشر، إذا ارتكبت الجريمة بواسطة عصابة إجرامية أو في إطار عابر للحدود الوطنية، أو إذا نتجت من الجريمة وفاة الضحية.

وتفيد الأرقام الرسمية أن المغرب أحبط أزيد من 328 ألف محاولة للهجرة غير الشرعية خلال الفترة الممتدة بين 2020 و2024، من بينها 78 ألفاً و685 محاولة للهجرة السرية في عام 2024 فحسب، بينما تتوزع جنسيات المهاجرين السريين الأجانب على 58 في المئة من مهاجري بلدان غرب أفريقيا، و12 في المئة من البلدان المغاربية، وتسعة في المئة من دول شرق ووسط أفريقيا.

يعلق المتخصص في السياسات الأمنية إحسان الحافظي على الموضوع بقوله إن المغرب تحول من بلد عبور إلى أرض استقرار المهاجرين، وشجعت عملية تسوية الوضعية القانونية لآلاف المهاجرين داخل المغرب على توافد مزيد منهم، إضافة إلى عامل عدم الاستقرار الذي تعيشه منطقة الساحل والصحراء.

وأفاد الحافظي بأن شبكات التهجير نحو أوروبا من داخل المغرب تستغل ارتفاع الطلب على الهجرة السرية من جهة، وعامل القرب الجغرافي من أوروبا من جهة أخرى إذ تفيد التقارير الأمنية المعلنة بخصوص تفكيك بعض هذه الشبكات عن وجود جنسيات مختلفة من أفريقيا وبلدان عربية، مثل السودان والجزائر وسوريا، تدخل إلى المغرب بهدف الهجرة صوب أوروبا.

وأكمل المحلل نفسه بأن السلطات الأمنية المغربية تشن حرباً شرسة ضد شبكات الهجرة السرية، عبر تطويق النقاط الحدودية البرية نحو إسبانيا، وكذلك مراقبة مراكز تجمع المهاجرين قرب السواحل البحرية، إضافة إلى تنظيم دوريات مراقبة مشتركة مع الجانب الإسباني لمنع وصول المهاجرين نحو الجارة الشمالية.

ولفت الحافظي إلى أن مواجهة شبكات الهجرة السرية تشمل ثلاثة مستويات، الأول تفكيك الشبكات الإجرامية لتهريب المهاجرين، إذ تجاوز عددها 200 شبكة منذ عام 2024، والثاني إجهاض محاولات الهجرة الجماعية غير النظامية واقتحام النقاط الحدودية بخاصة عبر مدينتي سبتة ومليلية، ثم الثالث الذي يهم إنقاذ المهاجرين في عرض البحر من خلال تدخلات البحرية الملكية.

من جانبه أورد عبدالإله الخضري، مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن شبكات التهجير السري من المغرب إلى أوروبا تمثل تحدياً حقوقياً خطراً، إذ تكشف عن واقع اجتماعي واقتصادي مأزوم يدفع آلاف الشباب إلى المخاطرة بحياتهم في عرض البحر.

واسترسل الخضري 'نشاط هذه الشبكات بدأ يتزايد في الأشهر القليلة الماضية بعد ركود نسبي، جراء حملات المراقبة المكثفة على الحدود، بسبب عوامل عدة متداخلة، أبرزها انسداد الأفق أمام فئات واسعة من الشباب نتيجة البطالة والهشاشة وغياب العدالة في توزيع الفرص، وكذلك ضعف السياسات العمومية في ضمان بدائل تنموية حقيقية، مما يولد شعوراً بفقدان الأمل في العيش الكريم داخل الوطن، ويجعل ’الحريك‘ يبدو طريقاً للخلاص، على رغم ما يحمله من أخطار قاتلة'.

ولم يفت الفاعل الحقوقي الإشارة إلى أن تشديد السياسات الأوروبية في مجال الهجرة وإغلاق المنافذ القانونية والآمنة أمام التنقل المشروع، يسهم في خلق 'سوق سوداء' للهجرة غير النظامية، إذ تستغل الشبكات الإجرامية معاناة الشباب إلى تجارة عابرة للحدود، مردفاً أن هذا الوضع يعكس في جوهره إخفاقاً مزدوجاً، إخفاق السياسات المحلية في الاستجابة لتطلعات المواطنين، وإخفاق المنظومة الأوروبية في التعامل مع الهجرة باعتبارها حقاً إنسانياً لا مجرد تهديد أمني.

وشدد الخضري على أن 'استمرار هذه الظاهرة لا يمكن مقاربته فقط من زاوية أمنية، بل يجب النظر إليه باعتباره قضية حقوقية بالأساس، تتعلق بحق الإنسان في الكرامة والعدالة والعيش الكريم داخل وطنه، أو في التنقل بحرية وأمان خارجه'.

وخلص المتكلم إلى أن 'مواجهة هذه الشبكات تتطلب حلولاً جذرية، من خلال سياسات تنموية وحقوقية مشتركة، بدل الاكتفاء بالمعالجة الأمنية التي غالباً ما تزيد الشباب يأساً، وتمنح لتلك الشبكات الإجرامية فرصاً قوية وأسباباً إضافية للانتعاش'.