اخبار المغرب
موقع كل يوم -جريدة الأخبار
نشر بتاريخ: ٤ تشرين الثاني ٢٠٢٤
لم تمر ذكرى انطلاق معركة 'طوفان الأقصى' من دون أن يخرج التونسيون إلى الشارع مجدداً للتظاهر، أول من أمس، معلنين تضامنهم مع الشعبين الفلسطيني واللبناني، والذي يعد 'السلاح' الوحيد المتاح بين أيديهم في المعارك الحالية الدائرة مع العدو الصهيوني. وفيما أحيت الذكرى، لدى هؤلاء، مشاعر العزة بما أنجزت المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن، فهي زكّت، في الوقت نفسه، مشاعر النقمة لديهم تجاه كل من يدعم الكيان الذي ينشر الدمار والقتل أينما حل.
والواقع أن مفهوم المقاومة لدى معظم التونسيين لم يشُبه أي تشوه برغم كل المآسي الإنسانية والمجازر التي تتالت عقب تاريخ 'الطوفان' على امتداد سنة؛ فتاريخ السابع من أكتوبر يبقى بالنسبة إليهم انتصاراً مجيداً، بما سجله من لحظة كرامة فارقة في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، على رغم كل محاولات تشويهه من قبل آلة الدعاية الغربية. ولذلك، كانت الشعارات المرفوعة في جميع التظاهرات في أغلب محافظات البلاد، تحيّي المقاومة وتساندها مساندة غير مشروطة، وتندّد، في الوقت ذاته، بجرائم آلة الحرب الصهيونية. كما دعا هؤلاء إلى محاسبة الأخيرة وكل المتواطئين معها، الأمر الذي يدلّل على تغير عميق على مستوى وعي التونسيين، من خلال إدراكهم أن الكيان لم يكن ليستطيع استكمال إجرامه بهذه القوة والوقاحة واللاإنسانية، لو لم يجد دعماً دولياً وتواطؤاً عربياً مخجلاً.
وجاءت الدعوة إلى التظاهر من قِبل أكثر من طرف، وفي مقدمتهم 'الاتحاد العام التونسي للشغل' (النقابة العمالية الأكبر في البلاد والمعروفة بمواقفها المساندة للمقاومة)، الذي دعا إلى التظاهر بكثافة في كامل جهات البلاد، تحت شعار 'املؤوا الشوارع طوفاناً في ذكرى طوفان الأقصى'. كما دعا إلى وقف العمل لمدة ربع ساعة في تاريخ السابع من أكتوبر، باعتباره يصادف 'اليوم العالمي للعمل'، كتحية للعمال الفلسطينيين واللبنانيين الذين حرموا من حقهم في العمل أو يعملون في ظروف غير آمنة، وسط التهديدات المتربصة بهم في أي لحظة من قِبل آلة الغدر الإسرائيلية. وبدورها، شاركت قيادات الاتحاد في المسيرة التي انطلقت من ساحة باب الخضراء في مداخل العاصمة، وجابت كل الشوارع الرئيسة في اتجاه شارع الحبيب بورقيبة.
واستجابة لطلب 'اتحاد الشغل' بأن لا تمر الذكرى من دون ضجيج قوي يُسمع أذرع الصهيونية في تونس بأنه لا مجال لأن تكون البلاد حاضراً أو مستقبلاً مرتعاً للتطبيع، فقد توقفت الدروس خلال اليوم نفسه، فيما شارك التلاميذ والكوادر التربوية في الحركات الاحتجاجية على اختلافها، من وقفات صامتة ورفع للأعلام والشعارات داخل المؤسسات.
أما النقابة العامة للصحة، فقد دعت جميع الأطقم الطبية وشبه الطبية إلى إيقاف العمل وارتداء الأعلام الفلسطينية واللبنانية، وذلك في إطار الاحتجاج على تعمد الاستهداف الصهيوني للعاملين في القطاع الصحي في البلدين، لما يمثله هذا الأمر من انتهاك صارخ للمواثيق الدولية ومعاهدات جنيف، وكل الأعراف الإنسانية التي توجب تحييد العاملين في مجال الإنقاذ والإسعاف من النزاعات وحمايتهم. ويأتي الموقف المتقدم متناغماً مع موقف الهيئات المهنية للأطباء؛ إذ سبق وأعلنت عمادات الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة، منذ بدء الهجمات الصهيونية على لبنان، استعدادها للتوجه إلى بيروت وبقية الأراضي اللبنانية لتقديم العون لنظرائهم اللبنانيين في الظرف العصيب الحالي.
وفي السياق ذاته، قادت كل من 'التنسيقية الوطنية للعمل من أجل فلسطين' و'الحملة الوطنية لمناهضة التطبيع' مسيرات في أكثر من محافظة في البلاد، ووجهت الجماهير نحو السفارة الفرنسية للمطالبة بالإفراج عن المعتقل اللبناني في السجون الفرنسية، جورج إبراهيم عبد الله. ولم يتوانَ المتظاهرون عن حمل الشعارات المناهضة لفرنسا باعتبارها داعمة للحرب في غزة وفي لبنان ومجرد بيدق في خدمة الصهيونية. وكان سبق للحملة أن زارت مقر 'الجامعة العربية'، حيث تركت رسالة على حيطان المبنى مفادها بأن الشعب لن يغفر تواطؤ 'الجامعة'، واصفة الأخيرة بالمتآمرة على الشعوب العربية لصالح الكيان.
وخلال المسيرة الكبرى التي جابت شوارع العاصمة، رفعت مجسمات الصواريخ التي استخدمتها المقاومة الفلسطينية واللبنانية في الجبهات؛ فكانت 'رجوم' و'الأرقب' و'الياسين' و'فادي 1 و2' ومسيرات 'الزواري' وغيرها، حاضرة على أكتاف المتظاهرين الذين تقدمتهم قيادات حزبية من مختلف الأطراف اليمينية واليسارية، فضلاً عن نقابيين ونشطاء. وبالإضافة إلى هؤلاء، كان حضور طلبة الجامعات وتلاميذ المدارس طاغياً، وهو ما يشي بأن معركة وعي الأجيال المقبلة قد كسبت مسبقاً بفضل 'طوفان الأقصى' وما تلاه من أحداث أحيت روح المقاومة فالأجيال هذه الأجيال.
وفي المحصلة، جاءت التحركات الشعبية التي قادتها أو انضمت إليها الأحزاب والنقابات والحركات المساندة للمقاومة لتغطي على غياب الموقف الرسمي منذ تصاعد العدوان على لبنان، والذي لم يخرقه سوى بيان يتيم يجرّم الاعتداء على سيادة هذا البلد. إذ صمتت قيادة تونس إزاء ما يحصل، رغم أنها طالما رفعت شعار 'التطبيع خيانة عظمى' و'مساندة المقاومة' وما إلى ذلك. وامتدّ الصمت ليشمل التحركات التي قام بها وزراء الخارجية والسفراء خلال وجودهم في الجمعية العامة ومختلف الهياكل الأممية في نيويورك وجنيف، حيث كان تحركهم ضعيفاً بشكل صادم للتونسيين أنفسهم. ويعلّل البعض ذلك الانكفاء بأن السلطات التونسية ربما انشغلت بترتيبات الانتخابات الرئاسية التي أجريت في السادس من أكتوبر، وفاز فيها الرئيس قيس سعيد بتسعين في المئة من الأصوات، ما صمّ أذنيها عن أصوات الصواريخ والقنابل وهي تدك الأراضي اللبنانية وتغتال قادة مقاومتها.