مهاجرون ضلوا طريقهم إلى أوروبا فاستقروا في المغرب

تحولت البلاد وجهة لأفارقة جنوب الصحراء للعبور نحو إسبانيا لكن فشلهم جعلهم يتعايشون ويندمجون بسوق العمل

لم يعد المغرب بالنسبة إلى المهاجرين من جنوب الصحراء بلداً للعبور نحو الضفة الأوروبية، بل تحول خلال الأعوام الأخيرة إلى محطة للاستقرار ووجهة للمهاجرين الراغبين في التكوين المهني والعمل.

المغرب أفضل من العودة لبلدي

مبندا شاب جاء من السنغال إلى المغرب لدراسة التجارة الدولية في معهد خاص بمدينة الدار البيضاء، ليقرر بعد تخرجه الاستقرار في البلاد التي يعتبرها منحته فرصاً كثيرة لتكوين نفسه، وأيضاً الاندماج في سوق العمل.

وفي هذا الصدد يقول الشاب السنغالي 'قدمت إلى المغرب بسبب أن والدي درس فيه، كما أنه من البلدان القريبة لنا، وكذلك الدين واللغة الفرنسية ووجود مطاعم ومحلات سنغالية'.

ولم يكن من السهل على مبندا في البداية الحصول على عمل في مجال دراسته، إذ يوضح 'بعد التخرج عملت في مركز للاتصال بمدينة الدار البيضاء لأني أتقن اللغة الفرنسية، وهناك طلب كبير على الأيدي العاملة في هذا المجال، لكن في الوقت نفسه كنت أبحث عن عمل في مجال دراستي حتى وجدته'.

وتابع الشاب السنغالي، 'بالنسبة إليّ فالمغرب أفضل من العودة لبلدي لأن الرواتب هنا مرتفعة، كما أن لدي فرصاً للتطوير المهني'.

وازداد عدد مراكز الاتصال في المغرب التي تحتاج إلى توظيف متحدثين باللغة الفرنسية أو الإنجليزية، مما سهل على المهاجرين من جنوب الصحراء الحصول على عمل والاندماج في سوق العمل.

وعن الصعوبات التي تواجهه في المغرب، يقول مبندا 'في العمل لا أعاني من شيء لأن الشركة التي أعمل فيها دولية وجميع العاملين فيها منفتحين، ولكن أحياناً في الشارع أو عند ركوب سيارة أجرة يتعامل معي بعضهم بصورة غير لائقة، إلا أن هناك أشخاصاً محترمين يمزحون معي ونتحدث سوياً عن كرة القدم'.

تسوية وضعية المهاجرين

وبحسب نتائج البحث الوطني في المغرب حول الهجرة والذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط والمتخصصة في الإحصاء، فخلال عام 2021 تلقى واحد من كل سبعة مهاجرين تكويناً مهنياً في البلاد.

وووفق آخر الإحصاءات يقدر عدد المهاجرين الأجانب المقيمين في المغرب بما بين 80 ألفاً و 100 ألف مهاجر من 111 جنسية، معظمهم من الدول الأفريقية جنوب الصحراء، إذ يمثلون حوالي 44 في المئة.

وتعمل في مدينة الدار البيضاء مهاجرات من جنوب الصحراء في محال تصفيف الشعر والتجميل، إحداهن تدعى ديارا، وهي شابة من السنغال قدمت إلى البلاد عام 2009 بهدف العبور إلى أوروبا، لكنها قررت بعد ذلك الاستقرار في المغرب.

وتقول ديارا 'بعدما فشلت في رحلة العبور إلى إسبانيا قررت البقاء في المغرب، ولم يكن بالأمر السهل في البداية، لكن عندما قمت بتسوية وضعي القانوني استفدت من تأهيل مهني خاص بتصفيف الشعر والتجميل، وهو ما ساعدني في  العثور على عمل'.

وتابعت مصففة الشعر، 'حالياً أعمل وأساعد عائلتي في السنغال، كما أسهم في تعليم شقيقتي الصغرى'.

وقامت السلطات المغربية بتسوية وضع أكثر من 50 ألف مهاجر معظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء خلال عمليتين استثنائيتين أطلقتا عامي 2014 و2016 لإدماج المهاجرين المقيمين بصورة غير قانونية في المغرب، وخلال الأشهر الأولى من عام 2023 سوي وضع 2300 مهاجر، وفقاً لوزارة الداخلية المغربية.

ارتفاع عدد المهاجرين في المستقبل

وبحسب الباحثة في الهجرة واللجوء في أفريقيا جوهرة بريان 'فإنه على رغم أن هؤلاء المهاجرين كانوا يهدفون إلى الوصول إلى أوروبا غير أنهم كانوا يتوقفون في بلدان الشمال الأفريقي لفترة طويلة من الزمن في بعض الأحيان'.

وتضيف الباحثة، 'اختيار المغرب كبلد للتدريب لا يرجع فقط إلى الاتفاقات الثنائية بينه وبين دول جنوب الصحراء الكبرى، بل يتأثر أيضاً بوجود شبكات اجتماعية تربط الطلاب بالبلد المضيف ورغبتهم في العيش داخل مجتمع أكبر'.

وتقول بريان، 'يميل الطلاب السابقون من جنوب الصحراء الكبرى إلى البقاء في المغرب، على رغم الصعوبات التي تواجههم ومنها الحصول على تصاريح العمل وارتفاع معدل البطالة بين خريجي الجامعات، مما يؤدي إلى ظروف عمل موقتة وغير مستقرة'.

وتابعت، 'التكامل الاقتصادي المتزايد للبلاد في منطقة جنوب الصحراء الكبرى وتأسيس 22 شركة مغربية في أفريقيا ربما يسهم في المستقبل القريب في زيادة الطلب على العمالة ذات المهارات العالية'.

وتمضي الباحثة قائلة 'ربما يسهم ذلك في تحسين الإدماج المهني للمهاجرين ذوي المهارات العالية من جنوب الصحراء الكبرى في سوق العمل المغربي، وقد يؤثر بصورة أكبر في انتقال البلاد من بلد العبور إلى بلد الهجرة، مما يعزز بصورة أكبر الحركات العابرة للحدود الوطنية ذهاباً وإياباً بين المغرب وجنوب الصحراء الكبرى'.