اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ١٥ نيسان ٢٠٢٥
حين تتقاطع الاعتبارات الأمنية مع الحسابات الجيوسياسية، تصبح طبيعة التحالفات ومواقف القوى الدولية مرآة لتحولات أعمق من مجرد قرارات دبلوماسية آنية، وفي الحالة المغاربية، يعود ملف الصحراء المغربية إلى واجهة النقاش داخل دوائر صنع القرار الأمريكي، ليس من بوابة السياسة الخارجية فقط، بل انطلاقا من وعي متزايد بمخاطر التراخي أمام التهديدات التي تشكلها التنظيمات المسلحة الهجينة، تلك التي تتغذى على هشاشة الإقليم وتتحرك في الفراغات الأمنية.
في هذا السياق، تلوح في الأفق ملامح تحول أمريكي محتمل نحو مقاربة أكثر صرامة، تتجسد في طرح فكرة تصنيف جبهة 'البوليساريو' كتنظيم إرهابي، بالنظر إلى تشابك علاقاتها مع الجماعات المتطرفة الناشطة في الساحل والصحراء، وهو طرح لا يبدو معزولا عن تنسيق ثلاثي بين واشنطن، الرباط، وباريس داخل أروقة الأمم المتحدة.
بعيدا عن اللغة التقليدية التي تقدم فيها عادة النزاعات الترابية، يكشف هذا التوجه عن قناعة جديدة، لا يمكن فصل الأمن الإقليمي عن حسم الملفات السياسية العالقة، ومن هنا، تكتسب الخطوة الأمريكية المرتقبة دلالات استراتيجية قد تعيد رسم ملامح التعاطي الدولي مع نزاع الصحراء، وتفتح الباب أمام مقاربة تنطلق من الواقع الأمني، لا من حسابات الحرب الباردة التي ولى زمنها.
في هذا السياق، اعتبر محمد عصام لعروسي، الخبير الأمني وأستاذ العلاقات الدولية وتسوية النزاعات، أن تصنيف جبهة 'البوليساريو' كمنظمة إرهابية يمثل خطوة استراتيجية ذكية من طرف المملكة المغربية، من شأنها أن تعزز موقعها التفاوضي في ملف الصحراء المغربية، وتفتح آفاقا جديدة لحشد الدعم الدولي، خصوصا من الشركاء الرئيسيين مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضح لعروسي في تصريح لجريدة 'العمق' أن هذا التصنيف قد يمهد الطريق نحو بلورة إجماع دولي حول قضية الصحراء، إذ أن 'البوليساريو'، بمجرد إدراجها في لوائح الإرهاب، ستفقد شرعيتها، مما يسقط عنها صفة 'الفاعل السياسي' ويمهد لإنهاء وجودها بشكل نهائي.
وأضاف أن الاعتراف بمغربية الصحراء سيصبح، تبعا لذلك، موقفا دوليا أكثر ترسخا، لا سيما وأن المغرب، على المستوى الميداني، قد حسم هذا النزاع، ولم يتبق سوى المسلسل الأممي الذي لم يفضِ إلى نتيجة بعد.
ويرى المتحدث أن تصنيف الجبهة كمنظمة إرهابية سيشكل ورقة ضغط قوية على الجزائر، لدفعها إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات والانخراط الجاد في مسار التسوية السياسية.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك من الأدوات ما يسمح لها باستصدار قرار من الكونغرس أو مجلس الشيوخ لتصنيف الجبهة حركة إرهابية، وهو ما من شأنه أن يغير قواعد اللعبة الإقليمية.
كما لفت خبير العلاقات الدولية، إلى أن الظرفية الدولية الراهنة، التي تتسم بصعود منطق التكتلات والوحدة، تعد ملائمة لتبني هذا التوجه، في مقابل تراجع شرعية الحركات الانفصالية، مبرزا أن المغرب ينظر إليه اليوم كفاعل إقليمي موثوق به، بالنظر إلى أدواره الوظيفية والاستراتيجية في المنطقة المتوسطية وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل.
وأكد لعروسي أن اعتماد هذا التصنيف قد يسرع من وتيرة الحل السياسي، خصوصا في ظل الدعم الأمريكي للمبادرة المغربية الخاصة بالحكم الذاتي، التي تعد، المبادرة الواقعية والعملية الوحيدة المطروحة على الأرض، مسجلا أن الدفع في اتجاه فرض هذه المبادرة كحل نهائي، من خلال فرض سياسة الأمر الواقع أو بتبنيها داخل أروقة مجلس الأمن، سيُنهي النزاع بشكل نهائي.
وختم الخبير تصريحه بالتأكيد على أن اعتبار 'البوليساريو' منظمة إرهابية سيشكل نهاية لكيان 'وهمي'، ويقطع الطريق أمام أي محاولات لإضفاء الشرعية على مشاركته في مسارات الحل السياسي، في ظل القوانين الدولية التي تمنع التعامل مع الكيانات المصنفة إرهابية ضمن المسارات التفاوضية.
جدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعا الجزائر وجبهة البوليساريو الإنفصالية إلى الدخول في مفاوضات دون تأخير بشأن قضية الصحراء، وذلك على أساس مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب، وُصفت في بيان رسمي بأنها “الإطار الوحيد للتفاوض على حل مقبول للطرفين”.