اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢١ نيسان ٢٠٢٥
'لقد كان السي محمد بن عيسى بالنسبة لي، وللكثيرين، شخصا متعدد الأبعاد والمزايا، المثقف، والسياسي، والدبلوماسي، والفنان، والمرشد، والمعلم، والمربّي، وقبل كل شيء الإنسان الذي تلتقط منذ الوهلة الأولى إنسانيته الفذّة'، هكذا قال الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، حاتم البطيوي في وصفه لوزير الخارجية الأسبق والرئيس السابق لمؤسسة منتدى أصيلة الراحل محمد بن عيسى.
وأضاف البطيوي 'لقد ظل حتى آخر لحظاته يلهج باسم محبوبته “أصيلة”، تاركا وصايا كثيرة بشأنها، وها هي أصيلة اليوم تقف على مفترق طرق، فإما أن تكون أو لا تكون، واستمراريتها مسؤولية جماعية، تتطلب عناية استثنائية، وأملنا أن تحظى بدعم خاص من وزارة الثقافة، حفاظا على روح المدينة، وإشعاعها الممتد إلى مختلف الآفاق، وصورتها المشرقة عن المغرب المتعدد والمنفتح والواع'.
جاء ذلك خلال الندوة، التي نظمت ضمن فعاليات الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، اليوم الأحد، تحت عنوان 'في الذاكرة، بصمات في اتجاه الخلد تكريما لمحمد بن عيسى'، تم خلالها استعراض مساهمات الفقيد الكبيرة في مجال الثقافة والتنمية، وتأثيره على مدينة أصيلة بشكل خاص، وعلى المغرب بشكل عام.
واستحضر البطيوي علاقته الأولى بالراحل، حين كان طفلا يشارك في مرسم الأطفال بقصر الثقافة، وقال إنه رافقه 'عن بعد' في البداية، ثم 'عن قرب' لاحقا، مبرزا الأثر العميق الذي تركه فيه منذ الطفولة.
وروى أنه كان واقفا إلى جانبه أمام جدارية فنية، ورمى ورقة على الأرض، فلاحظ ذلك بن عيسى، فانحنى والتقطها ووضعها في أقرب سلة للمهملات، دون أن يقول شيئا، مضيفا، 'استوعبت الدرس، ومنذ ذلك الحين، صارت لديّ حساسية كبرى تجاه رمي الأزبال في الشارع'.
وأكد أن ما أنجزه محمد بن عيسى في أصيلة خلال أكثر من 45 سنة يصب في خدمة الإنسان، وأن البعد الإنساني إلى جانب البعدين الثقافي والسياسي-الدبلوماسي، كان الأساس في مسيرته.
وأشار إلى أن بن عيسى راهن منذ انطلاقة المشروع على الطفل، وحرص على أن ينشأ في بيئة نظيفة تُلهمه الإبداع وتمكّنه من النظر إلى العالم بروح إيجابية، مفعمة بالجمال والفن، ومن هنا جاءت فكرة الجداريات في أزقة المدينة.
وتابع البطيوي استحضار المواقف الإنسانية للفقيد، مستشهدا بما رواه له الوزير والسفير السابق عبد السلام بركة، عن تنظيم محمد بن عيسى مأدبة عشاء في بيته على شرفه، حين عُيّن وزيرا للعلاقات مع البرلمان وهو في سن الثانية والثلاثين، لفتح باب التعارف بينه وبين باقي أعضاء الحكومة.
كما روى واقعة طريفة على لسان بن عيسى نفسه، عندما التقى وزيرا بأحد فنادق الرباط بعد تعيينه سنة 1985، فقال له ذلك الوزير، 'منصب وزير كبير عليك… كاتب دولة ممكن'، فأجابه بن عيسى مبتسما، 'يبدو أنه حدث خطأ، فتم تعييني وزيرا'.
وأكد البطيوي أن من يعود بذاكرته إلى ما قبل سنة 1978 سيدرك حجم التحول الذي شهدته أصيلة، معتبرا أن السي محمد بن عيسى شيّد فيها كل ما هو جميل، وانتشلها من الهامش والتهميش.
وأضاف أن البعض استصغر فكرة 'الثقافة من أجل التنمية' التي أطلقها بن عيسى، واعتبروها ضربا من الخيال أو الجنون، لكنه استطاع أن يرسّخها في الواقع، قائلا، 'نسوا أن شيئا من الجنون، أو كثيرا منه، هو ما يصنع التاريخ'.
ولم يغفل البطيوي الإشارة إلى الصعوبات التي واجهها المشروع، قائلا إنه عايشها 'عن بعد في البداية، ثم عن قرب'، لكنه استطاع تجاوزها بعزيمته وصبره وتسامحه.
وسلط البطيوي الضوء على الدعم الكبير الذي حظي به المشروع من الملك الراحل الحسن الثاني، الذي سمح لولي عهده، الأمير سيدي محمد آنذاك، بأن يكون رئيسا شرفيا لموسم أصيلة منذ بداياته، وهو الدعم الذي استمر في عهد الملك محمد السادس.