اخبار المغرب
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٣١ أيار ٢٠٢٥
انتقادات لخلل في البنية المستقبلة لهذه الشريحة من الناس التي تحتاج إلى معاملة وعناية خاصة
أثار نواب برلمانيون مغاربة ظاهرة اجتماعية مشينة تتعلق بتعرض نساء مختلات عقلياً للاغتصاب وتجولهن في حالات حمل في شوارع العديد من مدن المملكة، كذلك انتقدوا ظاهرة أخرى تتمثل في ترحيل المختلين نفسياً وعقلياً من المدن الكبرى إلى الحواضر الصغيرة وضواحيها.
وسأل البرلمانيون الحكومة عن الإجراءات والتدابير الاستعجالية الواجب اتخاذها لوقف هاتين الظاهرتين، والحفاظ على كرامة وسلامة المختلات عقلياً اللائي يتسكعن في الشوارع من دون مأوى، كذلك تساءلوا عن الدوافع الحقيقية لترحيل السلطات للمختلين صوب مدن صغيرة بعينها.
وتعكس هذه الظواهر الاجتماعية المسيئة اختلالات فادحة في منظومة الصحة النفسية في المغرب باعتراف حكومي، إذ تفيد أرقام رسمية بأن عدد الكوادر في الصحة النفسية والعقلية بالمغرب، لا يتعدى 3230 مهنياً إلى حدود العام الحالي، من بينهم 319 طبيباً مختصاً في الطب النفسي بالقطاع العام، و274 في القطاع الخاص.
معاناة المختلات في البرلمان
دق البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض محمد البوعمري، ناقوس الخطر في شأن تنامي أعداد المختلين عقلياً في شوارع المدن المغربية، ومن بينهم نساء يعانين من اختلالات عقلية ونفسية يوجدن في حالة حمل.
وأوضح البرلماني نفسه مسائلاً وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، أنه من بين هؤلاء المختلين عقلياً الذين يتجولون في شوارع المدن توجد نساء يعانين من علل عقلية ونفسية، لكنهن يتعرضن أحياناً كثيرة للتحرش والاغتصاب الجنسي إما من طرف مختلين أمثالهم، أو أحياناً من طرف أشخاص أسوياء يستغلون نقص إدراكهن العقلي ليفترسون أجسادهن.
من جانبهم، دعا برلمانيو حزب الأصالة والمعاصرة، المشارك في الحكومة، الوزارة إلى الاهتمام بشريحة المختلين عقلياً في الشوارع، خصوصاً النساء منهم اللواتي يواجهن العنف والاعتداء الجنسي والاغتصاب.
وبدورها، نبهت البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، المعارض، سلوى البردعي، إلى أن الحكومة تتحمل مسؤولية تنامي أعداد المختلين عقلياً في الشوارع، وتزايد حوادث الاعتداءات التي يرتكبونها أو التي يتعرضون لها، وذلك بسبب وجود خلل في البنية المستقبلة لهذه الشريحة من الناس التي تحتاج إلى معاملة وعناية خاصة.
من جهتها، تعترف الحكومة المغربية بوجود اختلالات في منظومة التكفل الفوري بالمرضى النفسيين، بدليل وجود مستشفيين عموميين اثنين فقط للمرضى عقلياً، الأول بمدينة سلا والثاني بمدينة برشيد، الشيء الذي يفسر الأعداد المتزايدة للمرضى النفسيين بالشوارع.
كلفة أخلاقية وإنسانية باهظة
يعلق مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الإله الخضري، على الموضوع بقوله إن ظاهرة اغتصاب النساء المختلات عقلياً أو نفسياً في الشوارع تمثل جريمة مزدوجة؛ فهي أولاً انتهاك صارخ للكرامة الإنسانية وحقوق المرأة، وثانياً نتيجة مباشرة لفشل الدولة في ضمان الحماية والرعاية الاجتماعية والصحية للفئات الهشة، خصوصاً النساء اللواتي يعانين من اضطرابات عقلية أو نفسية.
ولفت الخضري إلى أن الحق في السلامة الجسدية والعقلية، والحق في الحماية من العنف والاستغلال، مكفول بموجب الفصل 22 من الدستور المغربي، وكذلك الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صادق عليها المغرب عام 2009، علاوة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
واستطرد الحقوقي ذاته بأن ظاهرة اغتصاب مختلات عقلياً بالشوارع واقع معاش مرده إلى ضعف بنيوي في منظومة الصحة النفسية والعقلية، حيث إن هناك خصاصاً مهولاً في عدد الأطباء النفسيين والمرافق الاستشفائية وقلة مراكز الإيواء والرعاية للنساء المختلات عقلياً في الشارع، فضلاً عن غياب سياسة عمومية فعالة لإعادة إدماج هذه الفئة في النسيج الاجتماعي.
ونبه الخضري إلى أنه 'لمواجهة هذه الظاهرة، يجب القيام بمراجعة شاملة للسياسات العمومية للصحة النفسية، مع تخصيص موارد مالية وبشرية لخلق بنية استقبال ملائمة لكرامة الإنسان، وإنشاء مراكز جهوية للرعاية والاستشفاء والإيواء'، مبرزاً أن 'الاعتداء الجنسي على المختلات عقلياً يجب أن يُصنف كجريمة مشددة في القانون الجنائي، بالنظر إلى وضعية الضحية التي لا تملك القدرة على الدفاع عن نفسها أو الإدلاء بشهادتها، بما في ذلك تفعيل دور النيابة العامة ومؤسسة قاضي الأسرة المكلف بالنيابة الشرعية في التحرك التلقائي لفتح تحقيقات في حالات الحمل الناتجة من الاغتصاب'.
وخلص الناشط نفسه إلى أن 'مواجهة ظاهرة اغتصاب النساء المختلات عقلياً تتطلب إرادة سياسية حقيقية تُترجم إلى استراتيجية وطنية متعددة الأبعاد، تُدمج فيها المقاربة الحقوقية، والإصلاح القانوني، والعدالة الاجتماعية، والتكافل المجتمعي'، مبيناً أن 'الاستمرار في تجاهل هذا الملف يعني تحميل المجتمع المغربي برمته كلفة أخلاقية وإنسانية باهظة'.
الترحيل القسري
من جهة أخرى، انتقد برلمانيون ونشطاء حقوقيون وسكان بعض المدن الصغيرة توجه السلطات المغربية نحو ترحيل جماعات من المختلين عقلياً الذين يجوبون الشوارع من الحواضر الكبرى، مثل الرباط والدار البيضاء ومراكش وأغادير وطنجة إلى مدن صغيرة، خصوصاً في مناطق الجنوب.
وفي هذا السياق انتقدت البرلمانية فاطمة التامني، ضمن سؤال وجهته إلى الحكومة، هذا الإجراء 'غير المعلن' بسبب ما يجره من إشكالات أمنية تهدد سلامة سكان هذه المدن التي تستقبل جحافل المختلين عقلياً، عِوض اتخاذ تدابير علاجية ووقائية تضمن صحة وسلامة المواطنين، وتبني سياسات تعنى بالصحة النفسية للمغاربة.
بدورها، رفضت تنظيمات حقوقية بشكل جازم سياسة ترحيل المختلين عقلياً من المدن الكبرى حفاظاً على جماليتها وواجهتها الحضرية إلى المدن الصغرى، الشيء الذي يؤثر في أمن وسلامة سكان هذه المدن.
وترى في هذا الصدد الباحثة السوسيولوجية ابتسام العوفير أن ملف المختلين عقلياً في شوارع المغرب يؤرق السلطات المسؤولة، كما يزعج السكان المحليين للعديد من المدن، بسبب التداعيات الاجتماعية والحقوقية والنفسية لهذه الظاهرة.
وأوضحت أن اغتصاب مختلات عقلياً والاعتداء الجنسي عليهن سواء من لدن مختلين آخرين أو من طرف مشردين وأشخاص آخرين، يمس بالصورة الاجتماعية والإنسانية للمرأة المغربية، الشيء الذي يجب معه إنقاذ هذه الفئة من النساء اللواتي لا يتمتعن بوسائل الحماية الذاتية والموضوعية.
أما بخصوص ترحيل هؤلاء المختلين من المدن الكبرى صوب المدن الصغرى، ترى العوفير أنه إجراء غير ذي جدوى، فإذا كان الترحيل القسري سيُلمع حيناً مرآة الحواضر الكبرى لما تنتظرها من مواعيد دولية مثل كأس العالم لعام 2030، غير أنه ترحيل يؤدي من ناحية ثانية إلى وضع قنبلة موقوتة في أحشاء هذه المدن الصغرى، لأن وجود هذا الكم من المختلين في مدن صغيرة الحجم وقليلة السكان، يُعَرض هؤلاء لأخطار اجتماعية وأمنية محدقة بهم.