اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ١٢ أذار ٢٠٢٥
في ظل التحولات الاقتصادية الراهنة، تطرح الأرقام المستهدفة من قبل الحكومة المغربية بخصوص تقليص معدل البطالة تساؤلات جوهرية حول مدى واقعيتها وقابليتها للتحقق، وبينما تسعى الحكومة إلى خفض البطالة إلى 9% بحلول عام 2030، عبر خلق 1.45 مليون فرصة عمل، يظل تحقيق هذا الهدف مرهونا بعوامل غير مضمونة، أبرزها عودة التساقطات المطرية إلى مستوياتها المعتادة، وتحفيز الاستثمار، وتعزيز دينامية سوق الشغل.
هذا، وأعلنت الحكومة عن تخصيص 15 مليار درهم في قانون المالية لهذا العام لتعزيز التشغيل، حيث تم تخصيص 12 مليار درهم لتحفيز الاستثمار، ومليار درهم للحفاظ على مناصب الشغل في المناطق القروية، بالإضافة إلى ملياري درهم لتحسين كفاءة برامج إنعاش التشغيل.
ويأتي إعلان الحكومة عن هذا الهدف في ظل تحديات اقتصادية يواجهها المغرب، حيث يشهد تباطؤا في النمو، خاصة في القطاع الزراعي المتضرر من الجفاف، حيث انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.2% في العام الماضي، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، ومن المتوقع أن يكون إنتاج القطاع الزراعي هذا العام أقل من المتوسط.
في ظل هذا الوضع تطرح تساؤلات عديدة حول فعالية السياسات الاقتصادية المتبعة في المغرب، خاصة فيما يتعلق بالتشغيل ومحاربة البطالة، حيث أكد المحلل الاقتصادي، عمر الكتاني في هذا السياق أن الأرقام المتداولة بشأن خلق فرص العمل تبدو خيالية مقارنة بحجم الجهود المبذولة على أرض الواقع، مشيرا إلى غياب التأهيل الكافي لدى المسؤولين لمعالجة مشكلة البطالة بطرق فعالة ومستدامة.
ويرى الكتاني أن الاعتماد المفرط على القروض لتمويل المشاريع المتعلقة بهذا الهدف يفاقم أزمة المديونية، مشددا على ضرورة تبني سياسات بديلة، مثل التقشف، وترشيد الإنفاق، ومحاربة الريع، وحسب المتحدث لا يمكن لأي اقتصاد أن يبني نموه على القروض وحدها، خاصة وأن المغرب أصبح 'مدمنا' عليها، مما يهدد استقراره المالي على المدى البعيد.
وأكد الخبير على أن خلق القيمة المضافة يجب أن يستند إلى إنتاج حقيقي مبني على موارد حقيقية، وليس على الدين فقط، مسجلا أن المديونية، رغم أهميتها في بعض الحالات، يجب أن تكون مقننة ومدروسة لضمان عدم تحولها إلى عبء يعرقل التنمية الاقتصادية.
ويرى الاقتصادي أن الاختيارات الاقتصادية للمغرب لم تكن موفقة، مما أدى إلى اختلال الميزان التجاري وزيادة العجز الاقتصادي، مشيرا إلى غياب مخطط واضح وطويل الأمد للقضاء على البطالة، والفقر، والأمية، رغم ارتباط هذه الظواهر ببعضها البعض.
واعتبر المصدر ذاته أن خلق مناصب الشغل بات مرهونا بالمناسبات الكبرى، مثل كأس العالم، بدل أن يكون جزءا من استراتيجية مستدامة وشاملة.
يربط الكتاني مسألة التشغيل بمدى جودة التعليم والتكوين، مؤكدا أن العلم هو المحرك الأساسي لخلق فرص العمل، ومع ذلك، لا تزال نسبة الأمية في المغرب مرتفعة، حيث يعاني أكثر من 10 ملايين شخص من الأمية، أي ما يفوق 25% من المجتمع.
وأضاف بالقول: هذه الفئة، رغم انخراطها في سوق العمل، إلا أن إنتاجيتها تظل ضعيفة، مما يعيق خلق مزيد من فرص الشغل'، فالشخص غير المتمدرس، وفق تعبيره، غير قادر على إنشاء مشاريع نامية، باستثناء حالات نادرة.
وانتقد المحلل الاقتصادي، الربط المتكرر بين خلق فرص الشغل والتساقطات المطرية، معتبرا ذلك خيارا غير منطقي، نظرا لاستحالة التحكم في العوامل المناخية، مشددا على ضرورة تبني استراتيجيات أكثر استدامة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، خاصة في ظل تذبذب مستويات التساقطات.
وأشار المتحدث إلى أن الإحصائيات الدولية تؤكد أن المغرب يفقد سنويا ما بين 8 آلاف و12 ألف إطار، بسبب الهجرة نحو الخارج بحثا عن فرص أفضل، وهو ما يطرح، حسب الكتاني، إشكالية جوهرية حول كيفية بناء منظومة تشغيل وطنية في ظل هذا النزيف المستمر للعقول والكفاءات.
إلى جانب هجرة الأدمغة، أكد المصدر ذاته أن المدن تعاني من تدفق آلاف العاطلين القادمين من البوادي، حيث تصدر القرى سنويا ما بين 60 ألفا و120 ألف عاطل إلى المدن، ويساهم هذا النزوح في تفاقم ظواهر اجتماعية سلبية، مثل انتشار دور الصفيح، وازدياد عدد الباعة المتجولين، وغيرها من المظاهر المرتبطة بانعدام التكوين وضعف التأهيل.
وحسب الكتاني فإن معالجة أزمة البطالة تتطلب اختيار مسؤولين ذوي كفاءة عالية، قادرين على اتخاذ قرارات حاسمة لإصلاح الاقتصاد، مسجلا أن الموارد البشرية هي الأساس في أي عملية إصلاح، ما يستوجب تبني سياسات لمحاربة الريع، وتعزيز التكوين المهني، وتقليل الاعتماد على الفلاحة كمصدر رئيسي للدخل في البوادي.
يختم الكتاني بالقول إن استمرار الحكومة في ربط التوقعات الاقتصادية بعوامل خارجية مثل التساقطات المطرية هو 'خطأ استراتيجي'، إذ يجب أن يكون الرهان الحقيقي على الإنسان، باعتباره العنصر الأساسي لتحقيق التنمية المستدامة.