تأثير الإعلام في تشكيل الرأي العام حول القضايا السياسية

يشهد العالم المعاصر نفوذا متزايدا لوسائل الإعلام في مختلف جوانب الحياة، ويبرز دورها المحوري في تشكيل الخطاب العام وتوجيه الآراء حول القضايا السياسية. ففي ظل التطورات التكنولوجية الهائلة وظهور منصات رقمية متنوعة، أصبحت آخر أخبار السياسة أكثر تعقيداً وتأثيراً في تحديد أولويات الجمهور وتكوين مواقفهم السياسية.

يهدف هذا التقرير إلى تقديم دراسة شاملة لتأثير وسائل الإعلام على تشكيل الرأي العام حول القضايا السياسية، بالاعتماد على مجموعة من الأبحاث والدراسات المتخصصة، مع التركيز بشكل خاص على السياق المغربي حيثما أمكن ذلك. سيتناول التقرير تحديد المفاهيم الأساسية المتعلقة بالرأي العام والقضايا السياسية والإعلام، واستكشاف كيفية مساهمة وسائل الإعلام المختلفة في نشر المعلومات، وتحليل آليات تأثيرها، بالإضافة إلى بحث دور التحيزات الإعلامية والمعلومات المضللة، ودراسة حالات محددة، وأهمية محو الأمية الإعلامية، والمسؤولية الأخلاقية لوسائل الإعلام.

تحديد المفاهيم الأساسية:

الرأي العام:

يُعد مفهوم الرأي العام من المفاهيم الأساسية في العلوم السياسية والاجتماعية، وقد تعددت تعريفاته بتعدد المدارس الفكرية والمنهجيات البحثية. يُعرف الرأي العام بشكل عام بأنه التعبير الجماعي عن آراء أو نوايا تصويتية تتعلق بموضوع محدد يهم المجتمع، وهو يمثل وجهات نظر الناس حول المسائل التي تؤثر فيهم. وقد سعى الباحثون على مر القرون للإجابة عن سؤال 'ما هو الرأي العام؟' أو بصيغة أخرى 'ما هي إرادة الشعب؟' كما بحثوا عن أفضل الطرق لقياسه.

قدم عالم السياسة البارز، في. أو. كي جونيور، تعريفاً للرأي العام بأنه 'تلك الآراء التي يحملها الأفراد والتي تجد الحكومات أنه من الحكمة أن تنتبه إليها'. وفي العصر الحديث، أصبحت استطلاعات الرأي الأداة الأكثر شيوعاً لتقييم وقياس هذه الآراء، حيث تتضمن مجموعة من المقابلات مع أشخاص يتم اختيارهم لتمثيل شريحة سكانية معينة. وتهدف استطلاعات الرأي الجيدة إلى منح كل فرد في المجتمع صوتاً متساوياً حول قضايا اليوم، بغض النظر عن ثروتهم أو عمرهم أو تعليمهم أو عرقهم أو معرفتهم بالسياسة.

يرى البعض أن الرأي العام هو ببساطة 'ما يفكر فيه الناس'، سواء كان ذلك يتعلق بما يجب أن تركز عليه الحكومة، أو مدى احتمالية التصويت لمرشح ما، أو حتى مدى اهتمامهم بالسياسة. غالباً ما يعتمد المرشحون السياسيون والمسؤولون الحكوميون على استطلاعات الرأي لتحديد السياسات التي يجب اتباعها. ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أن دقة نتائج استطلاعات الرأي تتأثر بنوع الاستطلاع المستخدم، وطرق وأساليب أخذ العينات، ونوع وشكل الأسئلة.

من منظور أوسع، يُعرّف الرأي العام بأنه مصطلح في العلوم السياسية يقيس شعور المواطنين تجاه قادتهم، والمرشحين للمناصب، والقضايا، والمؤسسات التي تتحكم في القوانين والحكومة. ويعتمد القادة السياسيون على قياس الرأي العام لمعرفة مدى الدعم لسياساتهم، وكذلك لتحديد القضايا التي تشغل بال الناخبين. يتشكل الرأي السياسي للفرد عادةً من خلال عملية تُعرف بالتنشئة السياسية، حيث تلعب الأسرة دوراً كبيراً في تحديد القيم والولاءات الحزبية والثقة في الحكومة.

يؤكد علماء الاجتماع على أن الرأي العام هو نتاج للتفاعل الاجتماعي والتواصل، بمعنى أنه لا يمكن أن يوجد رأي عام حول قضية ما إلا إذا تواصل أفراد الجمهور مع بعضهم البعض. وحتى لو كانت آراؤهم الفردية متشابهة في البداية، فإن معتقداتهم لن تشكل رأياً عاماً إلا عندما يتم نقلها إلى الآخرين بشكل ما، سواء عبر التلفزيون أو الراديو أو الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الصحافة أو المحادثات الشخصية. كما يشير علماء الاجتماع إلى إمكانية وجود العديد من الآراء العامة المختلفة حول قضية معينة في نفس الوقت.

القضايا السياسية:

تُعرف القضايا السياسية بأنها مسائل ذات اهتمام عام وتنطوي على وجهات نظر متضاربة داخل المجتمع، وغالباً ما تتطلب إجراء حكومياً أو سياسة عامة لمعالجتها. يمكن أن تنبع هذه القضايا من جوانب مختلفة من المجتمع، بما في ذلك الظروف الاقتصادية والمعايير الاجتماعية والحقوق الفردية، مما يجعلها ديناميكية ومثيرة للجدل أحياناً مع تطورها بمرور الوقت.

يدرس علم الاجتماع السياسي التفاعل بين السياسة والمجتمع، وكيف تشكل العوامل الاجتماعية العمليات السياسية وكيف تؤثر الهياكل السياسية في الحياة الاجتماعية. ويحلل توزيع السلطة، وأوجه عدم المساواة الاجتماعية، وتأثيرها على المشاركة السياسية. وبالتالي، فإن القضايا السياسية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتوزيع السلطة والصراع على الموارد والقيم داخل المجتمع.

تتنوع القضايا السياسية من الرعاية الصحية والتعليم والهجرة إلى تغير المناخ، ولكل منها درجات متفاوتة من الاهتمام العام والأهمية. وتلعب استطلاعات الرأي العام دوراً رئيسياً في قياس موقف الجمهور من القضايا السياسية، مما يساعد صناع السياسات على فهم أولويات الناخبين. كما أن لتغير المشهد الإعلامي، بما في ذلك صعود وسائل التواصل الاجتماعي، تأثيراً كبيراً على كيفية مناقشة القضايا السياسية وتصورها من قبل الجمهور.

الإعلام:

يشمل الإعلام مختلف القنوات التي يتم من خلالها توصيل المعلومات والترفيه والأخبار والإعلانات إلى الجمهور. ويلعب دوراً حاسماً في تشكيل الرأي العام من خلال التأثير على التصورات وتوفير منصات للحوار بين الأفراد والجماعات والمؤسسات والعلاقات الدولية. ويُقصد بـ 'سياسة الإعلام' العلاقة المعقدة بين المنصات الإعلامية والعمليات السياسية، حيث تؤثر المنظمات الإعلامية في الكيانات السياسية وتتأثر بها لتشكيل الرأي العام.

في نظام 'سياسة الإعلام'، يسعى السياسيون الأفراد إلى الفوز بالمنصب وإدارة السياسة أثناء توليهم المنصب من خلال حشد الدعم الشعبي عبر وسائل الإعلام. ويختلف هذا النظام عن نظام 'سياسة الأحزاب' الأقدم، حيث يسعى السياسيون تقليدياً إلى الفوز بالانتخابات والحكم كأعضاء في فرق حزبية. ومع أن سياسة الأحزاب لا تزال قائمة، فإنها تشارك الآن الساحة السياسية مع سياسة الإعلام، وهو نظام أحدث.

تهدف 'ديمقراطية الإعلام' إلى إصلاح وسائل الإعلام لتعزيز إذاعة الخدمة العامة وتطوير المشاركة في وسائل الإعلام البديلة وصحافة المواطن لإنشاء نظام إعلامي يخدم جميع أفراد المجتمع ويعزز الديمقراطية. وتركز على تمكين المواطنين الأفراد وتعزيز المثل الديمقراطية من خلال نشر المعلومات.

دور وسائل الإعلام في نشر المعلومات حول القضايا السياسية:

تلعب وسائل الإعلام المختلفة دوراً محورياً في نشر المعلومات حول القضايا السياسية، ولكل وسيلة خصائصها وتأثيرها الخاص.

التلفزيون:

يُعد التلفزيون وسيلة رئيسية لنشر المعلومات السياسية، حيث تستضيف الشبكات التلفزيونية المناظرات وتوفر للمرشحين منصة من خلال المقابلات والمنتديات العامة. كما أن التلفزيون هو منصة رئيسية للإعلانات السياسية، حيث يسعى المرشحون والأحزاب إلى الوصول إلى أوسع شريحة من الجمهور ومشاركة رسائلهم الرئيسية في محاولة للتأثير على رأي الناخبين.

أظهرت الدراسات أن التلفزيون يمكن أن يكون له تأثير 'توجيهي'، حيث يميل المشاهدون الذين يشاهدون التلفزيون بكثرة إلى تبني مواقف سياسية أكثر اعتدالاً، مما قد يؤدي إلى تقارب في الآراء بين المجموعات الديموغرافية التي قد تحمل آراء مختلفة. ومع ذلك، فإن اختيار العناوين والصور واللغة يمكن أن يُدخل مستوى من التحيز يؤثر على المشاهدين.

تاريخياً، أحدث التلفزيون تحولاً في الحملات السياسية في الولايات المتحدة، حيث غيّر وسيلة نشر المعلومات وشكل الاتصال السياسي، ودمج عناصر ترفيهية وتجارية. وقد أثبتت مناظرات تلفزيونية مثل مناظرات غور وبوش أنها مؤثرة في نتائج الانتخابات. وفي المراحل الأولى للتلفزيون، كان يُنظر إليه بتفاؤل على أنه قوة محتملة لتحقيق المثل الأعلى للديمقراطية المتمثل في وجود ناخبين مطلعين، ولكنه سرعان ما أصبح وسيلة ذات توجه ترفيهي وتجاري.

الصحف:

لعبت الصحف تاريخيا دورا هاما في نشر المعلومات السياسية، وفي بعض الفترات، مثل منتصف القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة، ساهمت الصحف الحزبية ذات التوجهات المتضاربة في نشر المعلومات (وأحيانا المعلومات المضللة) حول القضايا السياسية، حتى أنها طبعت بطاقات الاقتراع. ومع ذلك، فإن الصحافة المحلية القوية لا تزال تعزز الديمقراطية من خلال إعلام الناخبين وزيادة الإقبال على التصويت ومحاسبة المسؤولين المنتخبين.

يمكن أن يكون حجم التغطية الإخبارية التي توليها الصحف لجهات فاعلة سياسية أو لمكاتب مؤشراً قوياً على قوتها السياسية وأهميتها. وفي العصر الرقمي، تتغير طبيعة الصحافة، حيث تلعب الخوارزميات دوراً في تحديد المحتوى الذي يراه المستخدمون، وقد يتجه السياسيون بشكل متزايد إلى منصات أخرى مثل البودكاست ووسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى الجمهور. ومع ذلك، لا تزال الصحف، كجزء من وسائل الإعلام الحرة والمستقلة، تلعب دوراً حيوياً في تعزيز الشفافية والمساءلة في الحكومة من خلال إعلام المواطنين بأنشطة السياسيين.

الراديو:

يُعد الراديو وسيلة قوية للخطاب العام، حيث يشكل الآراء وينشر المعلومات من وجهات نظر سياسية متنوعة. وعلى عكس الوسائل المرئية، لا يتطلب الراديو مهارات القراءة، مما يجعله فعالاً بشكل خاص في الوصول إلى المجتمعات الريفية والمهمشة. تاريخياً، كان الراديو أداة مهمة للدعاية، حيث سمح بنقل المعلومات بسرعة وبشكل موحد إلى جماهير واسعة.

يمكن للراديو أن يكون بمثابة 'مجال عام' لتعزيز مشاركة الناس في الساحة السياسية وتنمية الديمقراطية من خلال البرامج التفاعلية. وفي الحملات السياسية الحديثة، لا يزال الراديو وسيلة مهمة للوصول إلى الناخبين عبر مختلف الأطياف السياسية، وغالباً ما يُنظر إليه على أنه مصدر موثوق للمعلومات. ويمكن لمحطات الراديو المجتمعية أن تبني الثقة وتقدم معلومات غير متحيزة، مما يجعلها وسيلة لا غنى عنها للتوعية السياسية .

وسائل التواصل الاجتماعي:

أحدثت وسائل التواصل الاجتماعي تحولاً جذرياً في طريقة تفاعل الناس مع السياسة والقضايا الجيوسياسية. وقد ظهرت منصات مثل TikTok وX (تويتر سابقاً) وInstagram كساحات حاسمة تتكشف فيها النقاشات السياسية وتتشكل فيها الأيديولوجيات وتُصاغ القضايا العالمية. وقد لعبت دوراً أساسياً في تنظيم الحركات الاجتماعية وتضخيم الأصوات والتأثير على الخطاب السياسي.

تتيح وسائل التواصل الاجتماعي للسياسيين التواصل مباشرة مع الجمهور، وتجاوز مرشحات وسائل الإعلام التقليدية. كما أنها فعالة في حشد الدعم وتنظيم الحملات، ونشر المعلومات بسرعة. ومع ذلك، يمكن أن تساهم أيضاً في تكوين غرف صدى والاستقطاب السياسي، وانتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة. وغالباً ما تعطي الخوارزميات الأولوية للمحتوى الذي يعزز معتقدات المستخدمين الحالية، مما يؤدي إلى خطاب عام مجزأ ومستقطب. وقد أظهرت الدراسات أن التحيزات القائمة يمكن أن تتفاقم بسبب الخوارزميات التي تنظم المحتوى وتخلق غرف صدى.

آليات تأثير الإعلام على الرأي العام:

تعتمد وسائل الإعلام على عدة آليات لتشكيل الرأي العام حول القضايا السياسية.

تحديد الأجندة:

تقترح نظرية تحديد الأجندة أن وسائل الإعلام، من خلال قدرتها على تحديد ونشر القضايا، تلعب دوراً محورياً في تشكيل المشكلات التي تجذب انتباه الحكومات والمنظمات الدولية، وتوجيه الرأي العام نحو قضايا محددة. بمعنى آخر، لا يقتصر دور الإعلام على إخبارنا بما نفكر فيه، بل بماذا نفكر. فكلما زاد اهتمام وسائل الإعلام بقضية ما، زاد احتمال اعتبار الجمهور لها قضية مهمة. ويحدث تحديد الأجندة من خلال عملية إدراكية تُعرف باسم 'إمكانية الوصول'، حيث يؤثر تكرار وأهمية التغطية الإعلامية بشكل كبير على إمكانية الوصول إلى قضايا محددة في ذاكرة الجمهور.

تأطير القضايا:

تتضمن نظرية التأطير فكرة أن طريقة تقديم المعلومات تؤثر في كيفية معالجتها من قبل الناس. ويشير التأطير في الاتصال السياسي إلى اختيار جوانب معينة من الواقع المدرك والتأكيد عليها للتأثير على الخطاب العام وتصورات الناخبين. يمكن أن تؤثر الأطر في كيفية تعريف المشكلات وتشخيص أسبابها وإصدار الأحكام الأخلاقية واقتراح الحلول. يمكن أن يؤدي التأطير الانتقائي إلى تغطية متحيزة، مما قد يضلل الجمهور.

تأثير التكرار:

يصف تأثير الحقيقة الوهمية كيف أننا عندما نسمع نفس المعلومات الكاذبة تتكرر مراراً وتكراراً، فإننا غالباً ما نصل إلى الاعتقاد بأنها صحيحة. ويمكن أن يؤثر مجرد التعرض المتكرر لبيان معين على حكمنا على الحقيقة، مما يجعلنا نصدق عبارات ربما قيمناها في البداية بشكل أكثر تشككاً. وفي الواقع، فإن مجرد التعرض المتكرر لبيان ما يكفي لزيادة تصورنا للحقيقة. ويمكن أن يجعلنا التكرار أكثر عرضة لتصديق (وتكرار) عبارات الرأي السياسي أو الادعاءات المضللة التي تظهر بشكل متكرر في الخطاب العام.

دور التحيزات الإعلامية في تشكيل المواقف تجاه القضايا السياسية:

يمكن أن يكون للتحيزات الإعلامية المختلفة تأثير كبير على تشكيل مواقف الجمهور تجاه القضايا السياسية.

التحيز الحزبي والأيديولوجي:

أظهرت الدراسات أن المستهلكين للأخبار يتأثرون بانتماءاتهم السياسية أكثر من تأثرهم بالحقيقة. ويميل الناس إلى عدم تصديق المعلومات الحقيقية التي تتحدى وجهة نظرهم السياسية أكثر من تصديق المعلومات الكاذبة التي تؤكد وجهة نظرهم. ويظهر المتعصبون ميلاً منهجياً للبحث عن المعلومات التي تدعم معتقداتهم وانتماءاتهم السياسية وتصديقها وتذكرها. ومع ذلك، فقد تبين أن أحكام المتعصبين على الأكاذيب لا تتأثر إلا بشكل ضعيف بالانتماء الحزبي لمن يروجون لها.

يميل الناس إلى اكتشاف التحيز فقط في المقالات التي تفضل بوضوح الطرف الآخر. ويمكن أن يؤثر التوجه السياسي على دقة الاستجابة للقضايا السياسية. ويمكن أن تستغل الأطراف الثالثة تحيزاتنا للتأثير على تفكيرنا، على سبيل المثال، من خلال تقديم معلومات سطحية وجذابة فقط. وقد وجد أن التعرض لوسائل الإعلام الإخبارية الأيديولوجية عبر الإنترنت يساهم في المفاهيم الخاطئة السياسية. وعندما تفضل مصادر إعلامية مختلفة حزباً ما، فإنها تجذب جمهوراً يشاركها المعتقدات ويدعمها كمصدر موثوق، وبالتالي تنفر الطرف الآخر من الجمهور الذي لم يعد ينظر إليها كمصدر موثوق للمعلومات.

تأثير انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة:

يشكل انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة عبر وسائل الإعلام المختلفة خطراً كبيراً على الرأي العام السياسي. فالرأي العام المستنير ضروري للديمقراطية، والمعلومات المضللة يمكن أن تقلل من احتمالية تصويت الناس بما يخدم مصالحهم الحقيقية، وتقلل من المشاركة السياسية عن طريق زرع عدم الثقة في الحكومة والجهات الفاعلة السياسية، وتزيد من العداوة والتطرف السياسي.

تحدث المعلومات المضللة عندما يحمل الناس معتقدات واقعية غير صحيحة ويفعلون ذلك بثقة. ويمكن أن يكون لها تأثير ضار على العمليات الديمقراطية. أما الأخبار الكاذبة، فهي معلومات خاطئة أو مضللة تقدم على أنها أخبار حقيقية، وغالباً ما تهدف إلى الإضرار بسمعة شخص أو كيان، أو كسب المال من خلال عائدات الإعلانات. وقد زاد انتشار الأخبار الكاذبة مع الصعود الأخير لوسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن أن يقلل من تأثير الأخبار الحقيقية عن طريق منافستها.

أمثلة محددة أو دراسات حالة:

في المغرب، يُعد استهلاك الأخبار عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي مرتفعاً، خاصة بين السكان المتعلمين في المناطق الحضرية. وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً هاماً في الانتخابات المغربية عام 2021، حيث ساهمت بشكل كبير في الفوز غير المتوقع لحزب التجمع الوطني للأحرار ضد حزب العدالة والتنمية، خاصة في ظل قيود جائحة كوفيد-19 التي حولت جزءاً كبيراً من الحملات الانتخابية إلى الإنترنت. ومع ذلك، فإن الثقة العامة في مصادر الأخبار منخفضة نسبياً في المغرب، وهناك دعم حكومي لتقييد نشر المعلومات التي تعتبر خاطئة أو تحرض على الكراهية أو تنتقد رئيس الحكومة.

لا تزال حرية الإنترنت في المغرب غير مستقرة، وتُستخدم أنظمة مراقبة متطورة للحد من حرية التعبير عبر الإنترنت، وتنتشر وسائل الإعلام الموالية للحكومة والدعاية التي ترعاها الدولة، مما يطغى على الأصوات المنتقدة. وقد سُجن العديد من الصحفيين بسبب محتواهم عبر الإنترنت. وقد استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً في المغرب لحشد الدعم للاحتجاجات والمقاطعة. وتُعد قناة الجزيرة مصدراً مهماً للأخبار للعديد من المغاربة حول قضايا مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

مفهوم محو الأمية الإعلامية وأهميته:

تشير محو الأمية الإعلامية إلى القدرة على الوصول إلى رسائل وسائل الإعلام وتحليلها وتقييمها وإنشائها والتصرف بناءً عليها باستخدام جميع أشكال الاتصال. وهي تتجاوز القدرة الأساسية على القراءة والكتابة لتشمل فهم دور وسائل الإعلام في المجتمع وتطوير مهارات الاستفسار والتعبير عن الذات اللازمة لمواطني الديمقراطية. تُعد محو الأمية الإعلامية أمراً ضرورياً لمكافحة وباء المعلومات المضللة وتمكين الأفراد من طرح الأسئلة وإصدار أحكام سليمة مستندة إلى الحقائق والأدلة.

تشمل المهارات الأساسية لمحو الأمية الإعلامية القدرة على تحديد المصادر وتقييمها بشكل نقدي، وفهم التحيزات المختلفة، والتعرف على التقنيات المستخدمة لإنشاء الرسائل الإعلامية، والقدرة على إنشاء محتوى إعلامي مسؤول. وفي العصر الرقمي، حيث يتعرض الأفراد لكميات هائلة من المعلومات من مصادر متنوعة، يصبح تطوير مهارات محو الأمية الإعلامية أمراً بالغ الأهمية لتمكينهم من تقييم المعلومات بشكل نقدي وتكوين آرائهم الخاصة حول القضايا السياسية.

المسؤولية الأخلاقية لوسائل الإعلام:

تتحمل وسائل الإعلام مسؤولية أخلاقية كبيرة في تغطية القضايا السياسية وتأثيرها على الرأي العام. وتشمل المبادئ الأخلاقية الأساسية للصحافة السعي إلى الحقيقة والإبلاغ عنها، وتقليل الضرر، والعمل باستقلالية، وتحمل المسؤولية والشفافية. ويتطلب ذلك تغطية متوازنة لوجهات النظر المختلفة، وتجنب استخدام لغة متحيزة، والتحقق من الحقائق بدقة.

يجب على الصحفيين التمييز بوضوح بين الحقائق والآراء، وتقديم سياق كافٍ للأخبار، وتصحيح الأخطاء بسرعة وشفافية. كما أن الحفاظ على استقلال وسائل الإعلام عن المصالح السياسية والتجارية أمر بالغ الأهمية لضمان تغطية نزيهة وموضوعية للقضايا السياسية. وفي نهاية المطاف، فإن الدور الأساسي لوسائل الإعلام في الديمقراطية هو إعلام الجمهور وتمكينه من اتخاذ قرارات مستنيرة، وهو ما يتطلب التزاماً قوياً بالمعايير الأخلاقية.

الخلاصة:

يُظهر التحليل الشامل لتأثير الإعلام على الرأي العام حول القضايا السياسية أن وسائل الإعلام تلعب دوراً معقداً ومتعدد الأوجه في تشكيل تصورات الجمهور ومواقفه. فمن خلال آليات مثل تحديد الأجندة والتأطير والتكرار، تستطيع وسائل الإعلام التأثير في القضايا التي يعتبرها الجمهور مهمة وكيفية فهمهم لها. ومع ذلك، فإن هذا التأثير لا يخلو من تحديات، خاصة في ظل وجود التحيزات الإعلامية المختلفة وانتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، والتي يمكن أن تقوض الثقة في وسائل الإعلام وتقود إلى استقطاب الرأي العام.

تبرز أهمية محو الأمية الإعلامية كأداة حيوية لتمكين الأفراد من التفاعل النقدي مع وسائل الإعلام وتكوين آرائهم الخاصة بشكل مستقل. كما أن المسؤولية الأخلاقية لوسائل الإعلام في تغطية القضايا السياسية تظل عنصراً أساسياً لضمان تقديم معلومات دقيقة ونزيهة تخدم المصلحة العامة وتعزز المشاركة الديمقراطية.

وفي السياق المغربي، يتضح التأثير المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام، إلى جانب الدور المستمر لوسائل الإعلام التقليدية التي تخضع في كثير من الأحيان لتأثير حكومي. يستدعي هذا المشهد الإعلامي الديناميكي ضرورة تعزيز الوعي النقدي لدى الجمهور وتشجيع وسائل الإعلام على الالتزام بأعلى المعايير الأخلاقية لضمان خطاب عام مستنير ومسؤول.