اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ١٦ أيار ٢٠٢٥
في مثل هذا اليوم قبل اثنين وعشرين عاما، اهتزت مدينة الدار البيضاء على وقع سلسلة من التفجيرات الإرهابية التي استهدفت مواقع مدنية، وخلّفت عشرات القتلى والجرحى، وأدخلت المغرب في مرحلة جديدة من تعامله مع ظاهرة الإرهاب والتطرف العنيف.
أحداث 16 ماي 2003 شكّلت صدمة جماعية ما تزال آثارها النفسية والسياسية والأمنية حاضرة في ذاكرة المغاربة، وساهمت في إحداث تحول كبير في استراتيجية الدولة لمكافحة الإرهاب، ليس فقط من خلال المقاربة الأمنية، بل أيضا من خلال محاولة تجفيف منابعه الفكرية والاجتماعية.
اليوم، بعد مرور أكثر من عقدين على تلك الأحداث، يعود النقاش حول مدى نجاعة الاستراتيجية المغربية في التصدي للتهديدات الإرهابية، وحول فعالية المقاربات المعتمدة في تحصين المجتمع من الفكر المتطرف، لا سيما في ظل استمرار تفكيك الخلايا النائمة من حين لآخر، وتصاعد التحديات الأمنية المرتبطة بتنظيمات مثل 'داعش' و'القاعدة' في منطقة الساحل الإفريقي.
في هذا السياق، يرى الشيخ محمد الفيزازي، في تصريح لجريدة 'العمق' أن معيار النجاح في محاربة الإرهاب من عدمه، يتمثل في القدرة على تفكيك الخلايا المتطرفة ومنعها من تنفيذ عمليات دموية داخل التراب الوطني، مضيفا أن المغرب نجح إلى حد بعيد في هذا المجال، حيث 'استطاعت المملكة أن تحاصر وأن تقضي نهائيا على الخلايا'.
غير أن الفيزازي نبه إلى ضرورة مضاعفة الجهود على المستوى الفكري والديني، معتبرا أن 'هاته الخلايا لا تتحرك بدافع الإرهاب بقدر ما تتحرك بدعاوى فقهية دون فهم صحيح للنصوص الشرعية'، مشددا على أن المؤسسات الدينية من مساجد ومجالس علمية ووسائل الإعلام مدعوة إلى توجيه المواطنين نحو الفهم السليم لمفاهيم الجهاد، وإمارة المؤمنين، والحكم الشرعي، لأن 'هذه المقاربة لا تقل أهمية عن المقاربة الأمنية، فشتائل الإرهاب تتغذى من فقه معوج للنصوص'.
ولم يغفل الفيزازي البعد الاجتماعي، حيث اعتبر أن محاربة الخلايا المتطرفة تستلزم كذلك معالجة مشكلات الفقر والبطالة، التي قد تُغذي في بعض الحالات مشاعر الانتقام من المجتمع وتدفع بعض الأفراد إلى تبني الفكر الإرهابي، ليخلص إلى أن العملية معقدة ومتداخلة، وإن كانت المؤسسات الأمنية أبانت عن 'نجاعة هائلة' في التصدي لهذه الظاهرة.
من جهته، قدّم رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية، محمد الطيار، في حديث مع 'العمق' مقاربة من ثلاثة مستويات لفهم ما تحقق وما ينبغي مراجعته بشان اليقظة الأمنية لمحاربة ال‘رهاب بالمغرب بعد 22 سة على أحداث الدار البيضاء.
في المستوى الأول، استعرض الخبير السياق العام الذي وقعت فيه التفجيرات، مشيرا إلى أن الطرح التكفيري والتطرف كان آنذاك قد انتشر في مناطق مختلفة من المغرب، وكانت تنظيمات كـ'القاعدة' قد نجحت في إيجاد موطئ قدم لها، واستمر التهديد بعد 2003 عبر تفجيرات متفرقة، منها ما حدث سنة 2007، وتفجير مقهى أركانة بمراكش.
أما المستوى الثاني، وفق الطيار، فتمثل في مراجعة الدولة للمقاربات الأمنية السابقة، وإطلاقها لاستراتيجية متكاملة استندت إلى بعد اجتماعي وتنموي، أبرزها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، كما شهد هذا المسار إصلاحات قانونية وهيكلية، منها تطوير القانون الجنائي في شقه المرتبط بالإرهاب، وتوسيع نطاق المراقبة على التمويلات المشبوهة، إلى جانب ضبط الحقل الديني وتحديث الخطاب الإعلامي.
وفي المستوى الثالث، أشار الخبير إلى التهديدات الجديدة المرتبطة بظهور 'داعش' منذ 2014، وما رافقها من تحولات في وسائل التواصل والتجنيد، مبرزا أن المغرب طوّر منظومته الأمنية بشكل ملحوظ، سواء من حيث التجهيزات أو التنسيق الاستخباراتي، مما مكّن الأجهزة المغربية من إحباط مخططات إرهابية داخل وخارج المملكة، وحيازة ثقة المجتمع الاستخباراتي الدولي.
وخلص إلى أن الإصلاحات التي أعقبت أحداث 16 ماي أسفرت عن نتائج ملموسة، من أبرزها تقليص دائرة الأفكار المتطرفة في المجتمع، وتضييق نشاط الجماعات المتشددة إلى درجة باتت تشتغل بسرية بالغة، على عكس ما كان عليه الوضع في السابق،
ومع ذلك، أقر الخبير الأمني بأن الخطر لا يزال قائما، خاصة في ظل تهديدات تنظيمات تنشط في الساحل الإفريقي وتضع المغرب ضمن أهدافها الاستراتيجية.