اخبار المغرب
موقع كل يوم -الأيام ٢٤
نشر بتاريخ: ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
أصدر أعضاء لجنة الأخلاقيات التابعة للجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر، اليوم الخميس اعتذارات متتابعة تفاعلا مع فضيحة تسريب مقاطع صوتية من اجتماع داخلي أطلق عليها إعلاميا 'فضيحة إش إش'، لكنها لم تتمكن من احتواء الغضب في الوسط الصحافي والقانوني بشكل خاص والمجتمعي بشكل عام.
وقد بدأ الاعتذار الأول بعضو اللجنة خالد الحري، الذي أوضح أن ما صدر عنه كان نتيجة 'لحظة انفعال'، فيما جاء اعتذار رئيس اللجنة يونس مجاهد بعد ساعات بصياغة أكثر حذرا، مشيرا إلى أن المقاطع المتداولة 'مقتطعة' ونتيجة 'سوء فهم'.
ورغم ذلك، لاقت هذه الاعتذارات استقبالا باردا من المهنيين، الذين اعتبروا أن التسريبات كشفت عن ممارسات تتجاوز حدود البروتوكول المهني، بما يفوق قدرة جملة اعتذار على معالجة جوهر الأزمة، كما لم تكن كافية لوقف موجة الغضب التي اجتاحت الوسط الصحافي والقانوني عقب تسريب مقاطع صوتية تكشف عن ممارسات لا أخلاقية من اجتماع داخلي للجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر.
لقد بدا الاعتذار الأول، الذي برر فيه الحري انزلاقه بـ'لحظة انفعال'، مترددا ومتأخرا، ثم جاء اعتذار مجاهد بصياغة أكثر حذرا يتحدث عن 'مقاطع مقتطعة' و'سوء فهم' لكن الرأي العام المهني تلقى الاعتذارين ببرود شديد، لا لشيء إلا لأن ما كشفته التسريبات من 'كبائر' كان أكبر بكثير من القدرة على رتقه ببضع جمل تنحني للعاصفة دون أن تلامس جوهر الأزمة.
تسريب يهز الثقة ولجنة بلا شرعية
ما فجر الغضب هو مضمون التسريب وليس فعل التسريب ذاته، فقد بدا الصوت الخارج من الغرفة المغلقة للجنة وكأنه يسحب الغطاء عن طريقة غير مهنية في التعاطي مع ملف الصحافي حميد المهداوي وفريق دفاعه. لقد كان الكلام جارحا ومتعاليا وخارجا تماما عن مقتضيات الوقار المفترض في مؤسسة تحمل اسم 'لجنة الأخلاقيات'، وهو الأمر الذي أسقط الأقنعة سريعا، حيث وجدت اللجنة نفسها أمام سؤال قاتل: إذا كان هذا ما يقال في الاجتماعات الداخلية، فكيف يمكن للمهنة أن تطمئن إلى نزاهة القرارات المعلنة؟
عندما صدر أول بلاغ رسمي للجنة المؤقتة عقب التسريب، بدا كما لو أنه كتب في سباق ضد الزمن حيث اعتمد لغة دفاعية، تميل إلى الاتهام من دون تقديم دليل، مع تكرار لعبارة 'تسجيلات مفبركة ومقتطعة' دون أي إشارة إلى تحقيق داخلي أو خطوات لتصحيح الاختلال. لكن الأخطر من ذلك أن البلاغ صدر عن لجنة منتهية الولاية منذ 7 أكتوبر 2025، دون تمديد قانوني أو سند تشريعي يخولها إصدار القرارات أو التهديد بالمتابعات. وهذا ما جعل فاعلين في القطاع يطرحون بحدة سؤال الشرعية: كيف يمكن لمؤسسة فاقدة للأهلية القانونية أن تدافع عن نفسها بهذه الثقة، وهي لا تملك، من الناحية الشكلية، الحق في التعقيب أصلا؟
بعد أيام قليلة، أصدرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية موقفا بدا بمثابة نقطة تحول في مسار الأزمة حين وصفت ما ورد في التسريبات بأنه 'اختلالات غير مسبوقة' و'مساس بالكرامة' و'مجزرة مسطرية' مورست في حق صحافيين دافعوا عن أنفسهم أمام لجنة تفتقر إلى أبسط معايير الحياد.
غضب المحامين والبرلمان يسائل الحكومة
لم تقتصر ردود الفعل على الجسم الصحافي، فقد دخلت هيئة الدفاع بقوة بعد تداول مقاطع اعتبرها المحامون مهينة لهم.
وفي هذا السياق جاء بلاغ نقيب هيئة المحامين بالرباط، عزيز رويبح، الذي تحدث بلغة قانونية صارمة عن 'أفعال مجرمة' و'إهانة هيئة منظمة أثناء قيامها بمهامها'. لقد كان ذلك بمثابة إعلان انتقال الأزمة من حيز الأخلاقيات الصحفية إلى حيز العدالة، على اعتبار أن المحامي حين يشعر بأن كرامته انتهكت في اجتماع للجنة يفترض فيها الحياد، فإن الأمر يصبح متعلقا بضمانات المحاكمة العادلة نفسها، وليس فقط بمسألة مهنية.
لم يمر وقت طويل حتى بدأت أصوات داخل البرلمان تطالب الحكومة بتوضيح الوضع القانوني للجنة المؤقتة، وبتقديم ضمانات تحمي الصحافيين والمتقاضين أمام لجان الأخلاقيات بعد الفضيحة. تقدمت نائبات بأسئلة كتابية إلى وزير الشباب والثقافة والتواصل حول مدى قانونية استمرار اللجنة في اتخاذ القرارات، وعن أثر ذلك على مصداقية العقوبات الصادرة عنها منذ انتهاء ولايتها.
ورغم غياب جواب حكومي واضح، إلا أن مجرد إدراج القضية في الجلسات رقى النقاش من مستوى مهني داخلي إلى قضية مؤسساتية تتعلق بحسن سير المرفق العام.
ومع تزايد الضغط، أعلن حميد سعدني، عضو اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر، قبل يومين، عن تجميد عضويته بعد ساعات من الجدل الذي أثاره تسريب مقاطع الاجتماع التأديبي للمهداوي، وكأنه محاولة للنأي بالنفس عن العاصفة التي تجتاح الوسط المهني.
لكن ما يثير الاستغراب -كما سبق وأشرنا- هو أن اللجنة نفسها انتهت صلاحيتها منذ السابع من أكتوبر 2025، أي قبل أكثر من شهر، ما يجعل قرار التجميد شكليا بلا وزن حقيقي.
وتكشف الأزمة، في عمقها، أن نموذج التنظيم الذاتي للصحافة يعيش منذ سنوات على توازنات هشة. فالملفات التأديبية كانت دوما تثير أسئلة حول الحياد، والحدود الفاصلة بين النقد المشروع والمخالفة الأخلاقية لم تكن واضحة. لقد كان الصحافي، في عدد من الحالات، يحاكم أمام القضاء ثم يحاكم مجددا أمام اللجنة، دون ضمانات كاملة أو مساطر مستقرة. وما وقع مع المهداوي كان التجسيد الأكثر وضوحا لهذا الارتباك.
أزمة نموذج لا أزمة أشخاص
اليوم، وبعد أن هدأ غبار الصدمة الأولى، بات واضحا أن المشكلة ليست في الكلمات التي وردت في المقطع المسرب وحدها، ولا في الأشخاص الذين نطقوا بها، ولا في اللحظة التي خرج فيها التسجيل إلى العلن.
إن الأزمة، كما تبدو في مرآة هذه اللحظة، هي أزمة نموذج كامل في حاجة إلى إعادة البناء، فالتنظيم الذاتي لا معنى له إن لم يكن مستقلا تماما عن الانفعالات والأهواء، وعن الحسابات الصغيرة التي تحول غرف النقاش إلى غرف محاكمة.
وإذا لم يفتح نقاش وطني جدي حول كيفية إعادة تأسيس هذا النموذج على قواعد مهنية صلبة ومساطر شفافة، فإن ما وقع لن يكون سوى بداية سلسلة من الأزمات التي ستزيد من فقدان الثقة في المؤسسات الساهرة على الإعلام.



































