اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
لا تزال قضية مقتل الشاب المغربي عبد الرحيم أكوح، البالغ من العمر 35 سنة، تثير صدى واسعا في الأوساط الحقوقية والإعلامية بإسبانيا والمغرب، وذلك بعد مصرعه يوم الثلاثاء 17 يونيو 2025، إثر تعرضه للخنق من طرف شرطي بلدي إسباني كان خارج أوقات عمله، بضاحية Torrejón de Ardoz الواقعة شرق العاصمة مدريد.
الواقعة، التي وثّقتها تسجيلات فيديو وشهادات شهود عيان، تعود إلى مطاردة قام بها شرطي بلدي رفقة زميله السابق المتقاعد، طارد خلالها عبد الرحيم ثم طرحه أرضا مستعملا تقنية 'الخنق الخلفي' المعروفة باسم La Mataleón، وهي حركة قتالية خطيرة تحظرها عدة هيئات أمنية بسبب آثارها المميتة.
ورغم صراخ المارة وتوسلاتهم للشرطي بالتوقف عن الضغط على عنق الضحية، إلا أن هذا الأخير واصل خنقه، مرددا عبارة 'اتصلوا بالشرطة'، قبل أن يفقد الضحية وعيه ويسقط مغشيا عليه. وحين وصلت سيارة الإسعاف إلى مكان الحادث، حاولت الطواقم الطبية إنعاش عبد الرحيم باستعمال التنفس الاصطناعي وجهاز الصدمات، لكنه كان قد دخل بالفعل في حالة توقف قلبي تنفسي، وتوفي بعد دقائق من وصوله إلى الرعاية الطارئة.
إلى ذلك، فتحت النيابة العامة الإسبانية تحقيقا تحت إشراف قاضي التحقيق بمحكمة مدريد، حيث تم توقيف الشرطي عن العمل وتجريده من جواز سفره، مع وضعه تحت المراقبة القضائية. كما وُجّهت له تهمة 'القتل غير العمد'، في انتظار ما ستُفضي إليه نتائج التحقيق والخبرة الطبية، فيما أمرت القاضية المكلفة بالملف بتشريح طبي شامل للجثة لتحديد أسباب الوفاة بشكل دقيق.
وخلص تقرير الطب الشرعي الأولي، الذي نُشر مطلع يوليوز، إلى أن الوفاة ناتجة عن فقدان الأوكسجين بسبب الضغط على الرقبة، مما يؤكد أن الخنق هو السبب المباشر للموت، غير أن التقرير النهائي لا يزال قيد الإعداد، وقد يُحدد ما إذا كانت هناك عوامل إضافية ساهمت في الوفاة.
لكن قرار الإفراج المؤقت عن الشرطي بكفالة، الذي صدر في 19 يونيو، فجّر موجة احتجاجات واستياء واسع، خاصة في صفوف الجالية المغربية ومنظمات الدفاع عن المهاجرين، حيث اعتبرت جمعيات حقوقية مثل SOS Racismo وCorridor en Lucha أن هذا القرار يندرج في إطار 'تطبيع العنف المؤسسي ضد المهاجرين'، وحذّرت من تساهل القضاء مع حالات مماثلة.
وأكدت منظمات المجتمع المدني أن تقنية Mataleón القاتلة لا يجب أن تُستعمل ضد المدنيين العزل، مطالبين بإيقاف الجاني ومحاكمته بجريمة 'قتل عمد' نظرا لطبيعة الفعل وسياقه.
من جهتها، أكدت عائلة عبد الرحيم أنه لم يكن يحمل سلاحا ولا يشكل أي تهديد، بل كان ضحية عنف مفرط وغير مبرر. وصرحت شقيقته بأنهم فوجئوا بقرار الإفراج عن المتهم، فيما أعلن محامي الأسرة أن العائلة ستطالب بإعادة تصنيف الجريمة إلى 'قتل عمد'، مشيرا إلى أن شهودا ذكروا أن الشرطي المعتدي كان في حالة سكر أثناء الواقعة.
وفي ساحة Plaza de España بمدينة Torrejón de Ardoz، خرج العشرات من أبناء الجالية المغربية يوم السبت 21 يونيو في وقفة احتجاجية، رفعوا خلالها صور عبد الرحيم ولافتات تطالب بالعدالة، وتندد بالتمييز العنصري ضد المهاجرين، حيث كانت مشاهد والدة الضحية وشقيقته وهما تبكيان وتصرخان مطالبتين بـ'استرجاع حق عبد الرحيم'، من أبرز لحظات التظاهرة التي وثقتها الصحافة الإسبانية.
في الجانب الرسمي المغربي، أعلنت القنصلية المغربية في مدريد متابعتها للقضية، مؤكدة أنها تقدم الدعم القانوني والمعنوي لعائلة الضحية، وتنسق مع السلطات المحلية لمواكبة تطورات الملف.
كما وجهت النائبة البرلمانية نعيمة الفتحاوي، عن حزب العدالة والتنمية، سؤالا كتابيا إلى وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، تستفسر فيه عن الإجراءات التي اتخذتها مصالح الوزارة للدفاع عن حقوق الضحية ومؤازرة أسرته، وضمان سلامة الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا.
وتترقب الأوساط الحقوقية والجالية المغربية تطورات التحقيق، وسط دعوات متصاعدة بإعادة النظر في التكييف القانوني للوقائع ومحاسبة المتورطين بشكل عادل، في انتظار ما ستكشف عنه التحقيقات القضائية والتقارير الطبية النهائية.