اخبار المغرب
موقع كل يوم -سي ان ان عربي
نشر بتاريخ: ٢٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- إحدى أسرع الطرق للسفر جوًا من نيروبي، عاصمة كينيا، إلى مدينة مراكش في المغرب، يتم عبر باريس فرنسا.
ورغم أنّ المدينتين تقعان في ذات القارة، وتفصل بينهما مسافة نحو 6 آلاف كيلومتر، لكن ما من رحلات جوية مباشرة تربط بينهما.
والأمر لا يقتصر على هاتين المدينتين الكبيرتين؛ فالكثير من العواصم والمدن الكبرى في القارة الإفريقية لا تربط بينها رحلات مباشرة، أو جداول رحلاتها المباشرة محدودة جدا، ما يعني أن المسافرين غالبًا ما يضطرون إلى القيام بوقفات عدة، عادة في الشرق الأوسط أو أوروبا.
ويوضح رافاييل كوتشي، مدير الاستشارات لشؤون الحكومة والقانون والصناعة لدى رابطة الخطوط الجوية الإفريقية، أنّ 'أكبر التحديات تتمثّل بمسألة الوصول إلى الأسواق، في سياق السماح لشركات الطيران بنقل الركاب بحرّية من وإلى المدن الإفريقية من دون القيود الحالية'.
ويعتمد قطاع الطيران في القارة بشكل كبير على اتفاقيات الخدمات الجوية الثنائية، وهي عقود تُبرم بين الدول تحدد أي شركات طيران يمكنها تشغيل مسارات معينة.
وتحاول العديد من الجهات، من بينها رابطة الخطوط الجوية الإفريقية، الدفع نحو إنشاء سوق طيران موحدة في إفريقيا على غرار الاتحاد الأوروبي، ما سيتيح لأي شركة طيران أوروبية تشغيل أي مسار داخل الاتحاد بحرّية، وإزالة القيود على الأسعار وعدد الرحلات، طالما توفّرت مواعيد الهبوط في المطارات.
وبحسب اتحاد النقل الجوي الدولي، يعاني قطاع الطيران الإفريقي أيضًا من ارتفاع التكاليف، وضعف البنية التحتية، والقيود التنظيمية، ومخاوف السلامة. كما تحتاج القارة إلى مزيد من الاستثمارات في البنية التحتية والإشراف على السلامة وإنشاء مراكز إقليمية.
ويُقدّر بنك التنمية الإفريقي وجود فجوة تمويلية تبلغ 25 مليار دولار بحلول العام 2040.
ويُقدر أن قطاع الطيران الإفريقي يدعم 75 مليار دولار من النشاط الاقتصادي و8.1 ملايين وظيفة. ورغم ذلك، لا تمثّل القارة سوى 2% من حركة الركاب الجوية العالمية، ما يكشف عن فرصة نمو هائلة.
وبحسب تقرير اتحاد النقل الجوي الدولي للعام 2021، يمكن أن يؤدي تحرير الأسواق إلى استحداث أكثر من 500 ألف وظيفة جديدة في إفريقيا، وإضافة نحو 4 مليارات دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي.
ويقول كوتشي:'إفريقيا من أسرع الأسواق نموًا في مجال الطيران، وهناك جهود منسّقة بين الاتحاد الإفريقي، ورابطة الخطوط الجوية الإفريقية، وهيئة الطيران المدني الإفريقية، لضمان قدرة المواطنين على التنقل بحرّية أكبر وبأسعار معقولة'.
انطلاقة بطيئة
وفي أوروبا، تمثل الرحلات داخل القارة ثلثي المسارات الجوية، أما في إفريقيا فلا تتجاوز الرحلات داخل القارة نسبة 21% فقط.
ويقول كيربي جوردون، مدير التسويق لدى شركة 'FlySafair'، وهي من أبرز شركات الطيران منخفضة التكلفة في القارة: 'الواقع أنّ السفر الجوي في إفريقيا لا يزال صغيرًا جدًا مقارنة ببقية العالم'.
ويضيف:'نحن أكبر مشغل لطائرات بوينغ 737 في إفريقيا، ولدينا 37 طائرة فقط، بينما تمتلك شركة مثل خطوط ساوث ويست الجوية في أمريكا الشمالية حوالي 800 طائرة'.
وأُطلقت 'FlySafair' بجنوب إفريقيا في العام 2014، وتُشغل حاليًا تسع رحلات داخلية وخمس رحلات دولية. وتغطي مساراتها الإفريقية أماكن سياحية وتجارية رئيسية مثل شلالات فيكتوريا في زيمبابوي، وويندهوك في ناميبيا.
ويقول جوردون:'العديد من المسارات داخل إفريقيا لا تزال محدودة الطلب، وهي في مرحلة التطوير'.
ويشرح كوتشي من رابطة الخطوط الجوية الإفريقية: 'الطلب اليومي على العديد من المسارات بين المدن الإفريقية لا يتجاوز 100 مقعد. وإذا كانت طائرتك من نوع 737 التي تضم أكثر من 120 مقعدًا، فقد لا يكون تشغيل الرحلة مجديًا اقتصاديًا'.
كما ترفع قلة الطلب وارتفاع التكاليف التشغيلية، مثل أسعار الوقود ورسوم المطارات، من أسعار التذاكر.
ويقول سومس أبافو، المدير الإقليمي للعلاقات الخارجية في اتحاد النقل الجوي الدولي: 'فيما تحقق شركات الطيران عالميًا نحو 7 دولارات ربحًا عن كل راكب، فإنها في إفريقيا لا تتجاوز الدولار الواحد، وهذا أحد الأسباب الرئيسية وراء ضعف نمو الطيران الإفريقي'.
كما أنّ العديد من الدول الإفريقية تعتبر الطيران 'بقرة حلوبًا'، فتفرض عليه ضرائب ورسومًا مرتفعة، ما يحد من نموه.
ويشير جوردون إلى أن السعر ليس العائق الوحيد، إذ 'يجب أيضًا أن يكون لدى السكان القدرة المالية على السفر'.
وفي العام 2024، بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إفريقيا حوالي 2,885 دولارًا سنويًا، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 13,664 دولارًا، ما يجعل السفر الجوي بعيد المنال بالنسبة للكثيرين.
ويضيف جوردون: 'لو تم تنفيذ سياسة السماوات المفتوحة في إفريقيا، فسيكون ذلك نقطة تحول كبيرة. فالقطاع هش للغاية ويحتاج إلى كل فرصة للنمو والازدهار'.
طموحات تحلق عاليًا
أطلق الاتحاد الإفريقي في العام 2018، مبادرة سوق النقل الجوي الأفريقي الموحد لتعزيز حركة السفر الجوي داخل القارة. وحتى الآن، وقّعت 38 دولة، من بينها كينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا وإثيوبيا ورواندا، على الالتزام بالمبادرة.
لكن التنفيذ كان متفاوتًا. فقد وضعت المبادرة لوائح وقوانين تتعلق بالمنافسة وحماية المستهلك، ويتم الآن اختبارها عبر 'مشروع تنفيذي تجريبي' في الدول المختلفة.
ويقول كوتشي:'حققنا نتائج جيدة، فقد شهدنا خلال السنوات الأربع الماضية تطوير 108 مسارات جوية جديدة'.
كما تشجع المبادرة الدول على تخفيف سياسات التأشيرات، مثل اعتماد التأشيرات الإلكترونية أو تأشيرات الوصول، لتعزيز حرّية الحركة.
راهنا، تسمح بنين، ورواندا، وسيشيل، وغامبيا، وغانا فقط بدخول حاملي جوازات السفر الإفريقية من دون تأشيرة. لكن دولًا أخرى بدأت التخفيف من القيود.
ويشير أبافو من اتحاد النقل الجوي الدولي إلى أن إثيوبيا ورواندا تمثلان قصص نجاح واضحة، فـ'الطيران جزء أساسي من استراتيجيات التنمية الاقتصادية في البلدين، وقد استثمرا بشكل كبير في البنية التحتية'.
تعد الخطوط الجوية الإثيوبية الأكبر في إفريقيا من حيث السعة، وتعمل حاليًا على إنشاء مطار ضخم بقيمة 10 مليارات دولار يستوعب 60 مليون مسافر سنويًا.
أما الخطوط الجوية الرواندية، فقد بدأت منذ أكثر من 20 عامًا فقط، وهي اليوم تُشغل 17 خطًا داخل إفريقيا وخمسة خطوط دولية تشمل لندن وباريس ودبي، ولديها مطار جديد بقيمة 2 مليار دولار سيفتتح العام المقبل.
كما أن المغرب استثمر بكثافة في قطاع الطيران، ضمنًا توسيع مطار مراكش المنارة الدولي.
من جهته، يؤكد الاتحاد الأوروبي دعمه لمشروع السوق الجوية الإفريقية الموحدة من خلال تقديم مساعدات مالية وفنية. فقد تم تخصيص برنامج بقيمة 5 ملايين يورو لمدة 4 سنوات لتقديم الخبرة الفنية من وكالة سلامة الطيران الأوروبية، وسيتم تجديده بـ10 ملايين يورو إضافية حتى العام 2030.
ويقول خافيير نينيو بيريز، سفير الاتحاد الأوروبي لدى الاتحاد الإفريقي:'استنادًا إلى خبرتنا الممتدة لـ30 عامًا مع السوق الأوروبية الموحدة، نعلم جيدًا أن الربط الجوي أمر حيوي، فهو محرّك للتجارة ويخلق الوظائف ويعزز الأعمال'.



































