اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٦ أيار ٢٠٢٥
أثارت عملية هدم سوق 'الحنطات' بمنطقة سيدي عثمان في الدار البيضاء، الأربعاء الماضي، جدلا واسعا في صفوف متتبعي الشأن المحلي بالعاصمة الاقتصادية، وكذا الهيئات الحقوقية، التي اعتبرت هذه الخطوة شكلا من أشكال هدر المال العام.
وقد خلقت عملية هدم السوق الكائن بأحد أشهر المناطق الشعبية بمدينة الدار البيضاء صراعات، خاصة أنه منذ تشييده لم يتم فتحه في وجه المعنيين به، وهم تجار سوق درب عمر.
وحسب المعطيات المتوفرة لدى جريدة 'العمق المغربي'، فإن السوق تم تشييده خلال الولاية الأولى لمحمد ساجد، الذي كان يترأس المجلس الجماعي لمدينة الدار البيضاء، بتكلفة مالية كبيرة شملت تمويل دراسات متخصصة وبناء نحو 700 محل تجاري.
وأضافت المصادر أن المشروع قوبل برفض شديد من طرف تجار 'درب عمر'، الذين يقدر عددهم بالآلاف، ويتوزعون على أكثر من 65 قيسارية متخصصة في مجالات متنوعة.
وعبرت هيئات حقوقية عن غضبها من طريقة تعامل أصحاب القرار داخل مدينة الدار البيضاء مع المشاريع التنموية والاقتصادية التي لم يتم الاستفادة منها وتم هدمها، معتبرة ذلك تبذيرا للمال العام يعاقب عليه القانون.
وقال محمد عماري، نائب المنسق الجهوي للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب، إن قرار هدم سوق 'الحنطات' بمدينة الدار البيضاء أثار استغرابا واسعا وتساؤلات عميقة لدى ساكنة المدينة عموما، وأعضاء الهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بمنسقية جهة الدار البيضاء-سطات خصوصا.
وأفاد العماري، في تصريح لجريدة 'العمق المغربي'، أن 'هذا الموضوع تحول إلى قضية رأي عام تضع تحت المجهر مصير المشاريع التي يشرف عليها مجلس المدينة، وتطرح بحدة نقاشا حول كفاءة تدبير المال العام من قبل ممثلي السكان'، مشيرا إلى أن 'هدم هذا السوق لم يكن مجرد إزالة مبنى، بل صدمة كشفت عن إشكالات بنيوية في التخطيط والمساءلة'.
وتابع قائلاً: 'تكمن المفارقة في أن سوق ‘الحنطات’ لم يكتب له أن يؤدي الغرض الذي بني من أجله قط، فبعد تخصيص ميزانية ضخمة لإنشائه، ظل هذا المشروع معطلا لأكثر من 20 سنة، ليتحول من مرفق عمومي واعد إلى هيكل مهجور، قبل أن يصدر قرار هدمه، ليكتمل بذلك مشهد هدر الموارد العمومية'.
وأشار الفاعل الحقوقي إلى أن 'هذا السيناريو يطرح أسئلة جوهرية حول دراسات الجدوى الأولية: هل كانت هناك حاجة حقيقية لهذا السوق في المقام الأول؟ هل تم تقييم احتياجات الساكنة والتجار بشكل سليم؟ وهل تم التخطيط لموقعه وتصميمه بطريقة تضمن استدامته وفعاليته؟ وهل تم إشراك المعنيين بالأمر وتطبيق مبدأ الشفافية في جميع مراحل إعداده وتنفيذه؟'.
وأكد أيضاً أن 'الفشل في تفعيل المشروع قبل هدمه يوحي بوجود خلل عميق، إما في الرؤية التنموية للمجلس، أو في القدرة على التنبؤ بالتحديات التي قد تواجه المشروع، أو حتى في الاستعدادات التشغيلية التي يجب أن تسبق أي افتتاح'.
وزاد: 'هذه الإشكالات تضعنا أمام تساؤلات حول آليات اتخاذ القرار داخل المجلس البلدي، ومدى استنادها إلى معطيات علمية وموضوعية بعيدا عن الارتجالية، رغم الاعتمادات الكبيرة المخصصة من ميزانيته لمشاريع الدراسة، التي استفادت منها شركات للقيام بدراسات حول نقل الأسواق الشعبية وتحديد مواقع بديلة لها تضمن نجاح مثل هذه المشاريع'.
وأوضح نائب المنسق الجهوي للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب أن 'الأمر لا يقتصر على هدم سوق ‘الحنطات’ نفسه، بل يمتد إلى تكاليف الهدم وإعادة الإنشاء، التي ستستنزف من نفس الميزانية المخصصة أساساً لخدمة الصالح العام'.
وأردف أن 'هذا المسار المالي، الذي يبدأ بإنفاق ضخم على مشروع لم يستخدم، ثم يتكرر مع هدمه وإعادة بناء بديل، يثير قلقا بالغا حول مفهوم المساءلة وغياب مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة'.
وتساءل الحقوقي: 'من يتحمل تكلفة هذا الفشل؟ هل سيتم تحديد المسؤولين عن تبديد هذه الأموال؟'، موضحا أن 'الصمت حول تحديد المسؤوليات يبعث برسالة سلبية مفادها أن المال العام يمكن أن يهدر دون محاسبة، مما يقوض ثقة المواطنين في مؤسساتهم المحلية، ويمس بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ويضعف المبادرات، سواء الرسمية أو المدنية، في مكافحة الفساد وحماية المال العام'.
وخلص العماري حديثه قائلاً: 'لهذا، فإن الهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب، منسقية جهة الدار البيضاء-سطات، تطالب بتحديد المسؤوليات وفتح تحقيق معمق وشامل يشمل الجوانب الإدارية، والمالية، والتقنية، والقانونية، بالإضافة إلى تحديد من تسبب في هدر المال العام بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء بالإهمال أو سوء التدبير أو الفساد، ومن ثم تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال الإجراءات التأديبية أو القضائية المناسبة'.