اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢١ حزيران ٢٠٢٥
أوصى مشاركون في ندوة علمية احتضنتها المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بأكادير، يوم الخميس 19 يونيو 2025، بضرورة اتخاذ تدابير عاجلة وفعالة للتصدي لظاهرة 'السرقة العلمية' التي باتت تستشري في الجامعات المغربية.
ودعا المتدخلون خلال هذه الندوة إلى إعداد تشريع خاص أو مدونة وطنية للنزاهة العلمية تُحدد بوضوح التعاريف والإجراءات والعقوبات، مع صياغة مدونات سلوك داخلية بالمؤسسات الجامعية. كما أوصوا بـتكوين الطلبة والباحثين في منهجية وأخلاقيات البحث العلمي، وفرض التصريح الإجباري باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي ضمن الأعمال البحثية.
وشددوا كذلك على أهمية إنشاء مكتبة وطنية رقمية شاملة لجميع الأطروحات الجامعية لضمان الكشف المسبق والفعّال عن الانتحال، معتبرين أن تعزيز ثقافة النزاهة العلمية يشكل الأساس لأي إنتاج معرفي رصين.
وجاء تنظيم هذه الندوة، التي أشرف عليها مختبر هندسة الطاقة والمواد والنظم، في سياق يتزامن مع تفجر سلسلة من 'فضائح السرقة العلمية' التي هزّت الأوساط الجامعية، خاصة في جامعة ابن زهر، التي تنتمي إليها المدرسة الوطنية المذكورة.
وفي تصريح لجريدة 'العمق'، أكد مبارك فداوي، رئيس المختبر المنظم، أن هذه التظاهرة العلمية عُقدت في لحظة دقيقة، تعرف خلالها الجامعة المغربية، وبشكل خاص جامعة ابن زهر، تزايدًا في عدد الشكايات المتعلقة بحالات الانتحال الأكاديمي.
كما أشار إلى تصنيف عدد من الجامعات المغربية ضمن المناطق الحمراء والبرتقالية في ما يتعلق بمؤشرات النزاهة العلمية، مشددًا على أن الهدف من الندوة هو تسليط الضوء على خطورة هذه الظاهرة وانعكاساتها السلبية على جودة البحث العلمي ومبدأ تكافؤ الفرص بين الطلبة.
وأوضح فداوي أن أشغال الندوة تناولت عدة محاور، أبرزها العلاقة المتنامية بين السرقة العلمية وتطورات الذكاء الاصطناعي، والتي اعتبرها 'تهديدًا حقيقيًا يستوجب حلولًا وتشريعات عاجلة'. كما ناقش المشاركون مختلف أشكال الانتحال، سواء كان كليًا (كوبي كولي) أو جزئيًا، مؤكدين أن أي اقتباس دون إحالة واضحة إلى المصدر يُعد شكلاً من أشكال السرقة العلمية.
من جهته، صرح الأستاذ هشام مفتاح، من المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، أن الندوة جاءت كرد فعل على 'مجموعة من الفضائح العلمية' التي كُشف عنها مؤخرا، مشيرا إلى 'فضيحة كلية الحقوق بأكادير'، التي صدر فيها حكم ابتدائي ضد أستاذ جامعي بتهمة سرقة مجهود فكري من زميل في مؤسسة جامعية أخرى، بالإضافة إلى فضيحة أخرى في المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، حيث قام أحد الأساتذة بنسخ 56 صفحة حرفيًا من أطروحة دكتوراه لطالب، وأدرجها ضمن ملف تأهيله الجامعي، وهي قضية ما تزال محل احتجاج منذ عامين دون استجابة تُذكر.
ورأى مفتاح أن هذه الممارسات لا تنتهك فقط مبادئ النزاهة الأكاديمية، بل تشكل خطرًا مباشرًا على مستقبل البحث العلمي في الجامعات المغربية، معتبرًا أن تفشي الظاهرة يعكس تراجعًا في تصنيف جامعة ابن زهر على المستوى الدولي، ويُعد مؤشرًا على 'تدهور الكفاءة والنزاهة المؤسسية'.
وخلال الندوة، قدّم المتدخلون تحليلا دقيقا لأبعاد هذه الظاهرة، مسلطين الضوء على أنواع متعددة من السرقات العلمية، من بينها النسخ الكامل والجزئي، وسرقة الأفكار، والانتحال الذاتي، إضافة إلى التحديات المستجدة المتمثلة في استخدام مخرجات الذكاء الاصطناعي دون التصريح بذلك.
كما تم التطرق إلى الأسباب العميقة الكامنة وراء انتشار الظاهرة، والتي تعود إلى تداخل عوامل شخصية مثل ضغط الترقية والكسل الأكاديمي، ومؤسساتية كضعف آليات المراقبة وغياب العقوبات الرادعة، إضافة إلى أبعاد ثقافية واجتماعية تتجلى في غياب ثقافة البحث الرصين.
وحذر المشاركون من الآثار المدمرة للسرقة العلمية، التي لا تقتصر على الإضرار بمصداقية البحث الأكاديمي وتشويه سمعة الباحث، بل تمتد لتقويض سمعة المؤسسة الجامعية، وحرمانها من فرص التعاون الدولي، بالإضافة إلى ضرب مبدأ الاستحقاق، ما يُفقد الطلاب النزهاء والمجتمع الثقة في المنظومة الجامعية برمتها.
وفيما يتعلق بالإطار القانوني، تم استعراض النصوص المؤطرة لقطاع التعليم العالي، وعلى رأسها القانون رقم 01.00، إلى جانب مذكرات وزارية تُلزم باستخدام برامج الكشف عن الانتحال، غير أن المتدخلين أجمعوا على أن هذا الإطار، رغم توفره، يظل بحاجة إلى تفعيل صارم وآليات رقابة شفافة لضمان بيئة علمية نزيهة ومبدعة.