اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ١٥ تموز ٢٠٢٥
أكد الباحث المغربي، الدكتور يونس الخمليشي، ضمن دراسة حديثة له، أن النصوص الإسلامية تقدم تصورات عملية ومنهجية، تجعل النزاعات تحت السيطرة وتبني السلم دون شروط، وتدعو إلى محاربة القيم السلبية في الذات قبل مواجهة الآخر.
وأكد الخمليشي، الفائز بجازة قطر العالمية لحوار الحضارات، أن الاستراتيجيات الإسلامية في إدارة النزاعات، سواء الواقعة أو المتوقعة، تقوم على تحقيق الحرية والسلام والتعارف والتعايش باعتبارها ركائز جوهرية لبناء علاقات إنسانية وحضارية مستقرة.
جاءت هذه النتائج في دراسة بعنوان 'الاستراتيجية الإسلامية لإدارة النزاعات، نحو حل الواقعة منها ومنع المتوقعة'، التي نشرت ضمن مجلة أديان، عدد أبريل 2025، الصادرة عن مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، في إطار عدد خاص بموضوع 'بناء السلام والوقاية من النزاعات'.
وفي سياق آخر، أبرز الخمليشي أن الإسلام يوفر منظومة غنية من الآليات التكتيكية المستنبطة من أصول الفقه والعلوم الشرعية، والتي يمكن توظيفها استراتيجيا، موضحا أن قواعد مثل سد الذرائع وفتحها، ومراعاة الخلاف، وتقييد المطلق بالمقيد، وتخصيص العموم بالخصوص، كلها أدوات انتقائية ذات بعد استراتيجي في فهم النصوص وتطبيقها، تتيح للفاعل الاجتماعي أو السياسي تقديرا مرنا للمواقف يمنع التصعيد ويعزز فرص التهدئة.
وأوصت الدراسة في ختامها بإنشاء مركز متخصص يعنى بالبحث في الاستراتيجيات عامة، مع تركيز خاص على الاشتقاق المنهجي للاستراتيجيات الإسلامية في إدارة النزاعات، سواء في جانب منع النزاعات المتوقعة أو حل النزاعات الواقعة، وذلك عبر الاستفادة من مختلف العلوم والمعارف الإنسانية والدينية، بما يسهم في تجويد طرق تحقيق السلم الأهلي والدولي.
كما أكد أن النصوص الإسلامية تؤسس لثقافة التعارف مع الآخر وفهمه وقبوله، وصلة الرحم الإنسانية بكل أبعادها الثقافية والاجتماعية والأخلاقية، بما يعزز قيم العدالة والاعتراف والمساواة في مختلف مستويات العلاقة بين الأطراف المتنازعة.
وأبرز أن هذه الاستراتيجيات تنطلق من مبدإ اعتبار كل إنسان حرا بمجرد ولادته، والسعي إلى جعل السلم هو الخيار الطبيعي بين الجماعات والأفراد، والعمل على أن يكون أي نزاع واقع هو الأخير من نوعه، مع تعسير استمرار الحرب وتيسير السلم.
وأشار في خلاصاته إلى أن من بين أبرز استراتيجيات الحل الوقائي للنزاعات المتوقعة نجد 'مؤالفة الأعداء قبل عراكهم'، عبر بناء الثقة والتفاؤل وإشاعة ثقافة العفو والمصالحة، بالإضافة إلى بناء أسوار سلمية تحُول دون اندلاع الحرب، وضمان الحرية للجميع، أفرادا وجماعات، بما يخلق شروطا مواتية للسلم.
وفي المقابل، تعتمد معالجة النزاعات الواقعة على استراتيجية إدارة المعرفة بالآخر، وبناء قواعد معرفية واضحة تحفظ لكل طرف مكانته ومجاله وثقافته وتاريخه، وإشاعة قيم العدل والتقوى والإحسان حتى في أحلك ظروف الصراع.
واعتمدت الدراسة على استقراء النصوص القرآنية والسنة النبوية، واستخلاص نماذج عملية من السيرة النبوية لتبيان أوجه 'العقل الاستراتيجي الإسلامي' في التعامل مع النزاعات، تنظيما وحلا ومنعا.
كما تناولت الدراسة بالتحليل الخصائص الجوهرية لفن الاستراتيجية بشكل عام، مؤكدة أنها تتميز بثلاث خصال أساسية هي: عدم التخصصية، أي قابليتها للتطبيق في ميادين متعددة وليست حكرا على المجال العسكري؛ والكونية، بمعنى شمولها لكل الثقافات والمجتمعات عبر الأزمنة؛ وأخيرا الحضورية، باعتبارها حاضرة في كل منظومة فكرية أو حضارية قوية وراسخة.
وأكد الباحث أن الاستراتيجية في المنظور الإسلامي تجسد هذه الخصائص الثلاث بشكل جلي، ما يمنحها مرونة وقدرة أكبر على التعامل مع النزاعات في مختلف السياقات.
إضافة إلى ذلك، شددت الدراسة على أهمية ما سماه الباحث 'التعارف القيمي' باعتباره ركيزة لحل النزاعات ومنعها، حيث يقوم على إقامة علاقات إنسانية مبنية على فهم الآخر، والاعتراف بثقافته ومكانته، واحترام تاريخه، وتجاوز ذاكرة الحروب، وبناء مستقبل قائم على التآلف والتعاون.
واعتبر أن هذا التعارف يشمل أبعادا متعددة مثل احترام المكان الجغرافي والثقافي والاجتماعي للآخر، والإقرار بحقوقه المتساوية، ورفض التمثيل به أو الانتقام منه حتى بعد انقضاء العداء.