اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٧ أذار ٢٠٢٥
كشفت تصريحات حكومية وبرلمانية عن بعض خفايا ملف استيراد الأغنام والابقار، موضحة أن عددا من المستوردين استفادوا من إعفاء ضريبي من خلال إلغاء الرسوم الجمركية على استيراد الابقار والأغنام، وهو الإعفاء الذي كلف خزينة الدولة 13 مليار درهم، أي ما يعادل (1300 مليار سنتيم) دون أن ينعكس ذلك على أسعار اللحوم الحمراء التي شهدت ارتفاعا غير مسبوق، ما أثار جدلا واسعا حول جدوى هذه التدابير ومدى استغلالها لمصالح شخصية.
في هذا السياق، كشف رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، رشيد حموني، أن عدد المستوردين المستفيدين من الإعفاءات الضريبية المتعلقة بإلغاء الرسوم الجمركية على استيراد الأبقار والأغنام، بهدف زيادة العرض وانخفاض الأسعار، بلغ 277 مستوردا، وفق معطيات قدمتها الحكومة لنواب الأمة.
وأوضح حموني في تصريح لجريدة 'العمق المغربي'، أن هذا العدد تم الكشف عنه بناء وثائق تم توصل بها من وزارة الاقتصاد والمالية، مشيراً إلى أن الدولة خسرت 13 مليار درهم نتيجة لهذا الإعفاء، وهو المبلغ الذي كان يمكن أن يدخل إلى خزينة الدولة لو تم الإبقاء على الرسوم الجمركية ورسوم الاستيراد.
وكان وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، قد أقر بوجود نحو 18 مضاربا يتحكمون في سوق اللحوم الحمراء، عملوا على تضخم هوامش الربح بشكل غير مسبوق، موضحا أن الحكومة تحاول التصدي لهذا الإشكال.
واعتبر المتحدث ذاته في تصريحات أدلى بها لقناة 'ميدي 1 تيفي' أن الحكومة قامت بمجموعة من الإجراءات لخفض أسعار اللحوم الحمراء عبر فتح باب الاستيراد وإلغاء الرسوم الجمركية على اللحوم، بهدف زيادة العرض وخفض الأسعار.
وأوضح حموني أنه في حين كان من المقرر أن ينعكس هذا الاعفاء على الأسعار المرتفعة للحوم والأغنام، ظلت الأسعار مرتفعة وربما ارتفعت أكثر في بعض الأحيان، مما يعني أن المستوردين استفادوا بشكل كامل من الإعفاءات، بينما لم يستفد المواطنون من أي تخفيض في الأسعار، مؤكدا أن هاته النقطة أثارها فريقه مراراً خلال مناقشات قانون المالية برسم 2025، دون أن تجد آذاناً صاغية من الحكومة.
وشدد حموني على أن هذه العملية تمثل هدراً كبيراً للمال العام، مطالب بفتح تحقيق شفاف حول المستفيدين الحقيقيين، خاصة أن الحكومة اكتفت بنشر أسماء الشركات المستوردة دون الكشف عن هويات أصحابها.
كما دعا رئيس فريق التقدم إلى الكشف عن تفاصيل الاستفادة من الدعم البالغ 500 درهم لكل رأس غنم خلال عيد الأضحى الماضي، والذي لم ينعكس أيضاً على الأسعار، معتبراً أن ما جرى هو فضيحة مالية تستوجب المحاسبة والمساءلة.
وحسب مزور فإنه من ضمن التدابير المتخذة، سماح الحكومة باستيراد 200 ألف رأس من الأغنام، مع إلغاء الرسوم الجمركية لحماية المستهلك من الارتفاع الكبير في الأسعار، إلا أن التحقيقات أظهرت أن هامش ربح المستوردين تراوح بين 20 و25 درهما للكيلوغرام، بينما كان يفترض ألا يتجاوز 10 دراهم، أما الجزارون التقليديون، فتتراوح هوامش ربحهم بين 8 و10 دراهم.
برلمانيون
وعلمت جريدة 'العمق'، من مصادر مطلعة أن عدد من برلماني حزب من أحزاب الأغلبية الحكومية، استفادوا من الإلغاء الضريبي الذي أقرته الحكومة بخصوص استيراد الأبقار لمواجهة غلاء أثمنة اللحوم في السوق الوطنية.
من جهته، اعتبر نائب الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، إدريس عدة، أن هذه الواقعة لها مستويان. الأول يتعلق بوزير الفلاحة الذي اتخذ القرار العام الماضي، حيث يجب التساؤل عن الاحتياطات التي اتخذها لضمان عدم التلاعب بالصفقة وتحويلها إلى عملية مضاربة ونهب للمال العام، وهذا يضع الوزير أمام مسؤولية مباشرة بشأن برمجة هذه العملية والقرار السياسي الصادر عنها.
أما المستوى الثاني، وفق تصريح عدة، للجريدة، فيتعلق بمسؤولية شركاء الوزير في هذه العملية، الذين قال إن عددهم 18 شخصاً ممن يفترض أنهم استفادوا من الدعم مقابل الالتزام بالمساهمة في تخفيض أسعار خروف العيد. إلا أنه لم يلاحظ أي انخفاض للأسعار، مما يثير تساؤلات حول مدى التزام هؤلاء المستفيدين.
وأكد المتحدث ذاته، أن الاعفاء تم بشكل عبثي وارتجالي دون أدنى شروط تضمن تحقيق الأهداف المرجوة، مضيفا أن هناك جهات استحوذت على 1300 مليار سنتيم دون موجب حق ودون الالتزام بأي شروط مقابل ذلك، وهو ما يشكل نموذجاً لسوء تدبير المال العام.
المساءلة القضائية
وشدد على أن هذه القضية تستدعي المساءلة السياسية والإدارية والقضائية لردع مثل هذه الممارسات وتصويب الأخطاء الإدارية، واستعادة المال العام لحفظ حرمته.
ولفت إلى أن تخصيص هذه الأموال لدعم الفلاحين الصغار للحفاظ على القطيع كان سيكون أكثر جدوى، خاصة في ظل الحاجة الملحة لتعزيز الاعتماد على الفلاحين الصغار في دعم القطاع الزراعي بالمغرب.
بدوره، وصف رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، ما حدث بأنه 'عملية سرقة موصوفة لمقدرات المجتمع في واضحة النهار دون أي تحرك حكومي'.
وأشار إلى أن تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة، ووزير الصناعة والتجارة، رضا مزور، أكدت 'هذه الشبهات، مما يستدعي تحقيقاً معمقاً حول القضية'.
ودعا الغلوسي، في تصريح 'للجريدة'، إلى فتح تحقيق مع جميع الأطراف المعنية دون استثناء، واتخاذ تدابير قانونية لضمان عدم فرار المتورطين، خاصة مع تداول معلومات حول تورط برلمانيين استغلوا مواقعهم لاختلاس المال العام بدلاً من الدفاع عن مصالح المجتمع.
وأكد أن البحث القضائي يجب أن يشمل حجز ممتلكات وأموال المتورطين، مع فتح تحقيق حول مصادر ثرواتهم، وتفعيل مسطرة الاشتباه في غسل الأموال، مشددا على ضرورة مصادرة الثروات المشبوهة وإعادتها إلى خزينة الدولة، لضمان عدم إفلات الفاسدين من العقاب.
وشدد الغلوسي على ضرورة التعامل بحزم مع هذه القضية أمر ضروري للحفاظ على أمن واستقرار المجتمع، ومنع انتشار الفساد والإفلات من العقاب، خاصة أن استمرار هذه الظواهر يؤدي إلى تعميق مشاعر الغضب والإحباط داخل المجتمع.