اخبار المغرب
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
شبكات المهربين تستغل ضعف المراقبة الحدودية لنقل الببغاوات براً من دول وسط أفريقيا إلى إسبانيا
شهد مجال تربية الطيور، وبخاصة 'الببغاوات الناطقة'، تنامياً كبيراً خلال العقدين الأخيرين داخل المغرب، وأسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في التعريف بعدد من أنواع تلك الحيوانات وكيفية العناية بها، فيما تواصل السلطات حملاتها الهادفة لحماية تلك الحيوانات ومراقبة مدى توافق حيازتها مع القوانين المؤطرة لذلك المجال، وكان آخرها عملية حجز 132 ببغاء من منزل أحد المربين في الرباط، بدعوى عدم حصوله على رخصة تربية الطيور النادرة، وعدم وجود شهادة تعريف لتلك الحيوانات.
شهدت الواقعة موجة تعاطف كبيرة، إذ طالب عدد من صناع المحتوى السلطات بمحاولة إيجاد تسوية تضمن عودة الطيور لصاحبها، وهو ما يطرح جدلية تطبيق القانون والتعاطف الإنساني.
يعود أصل جل الببغاوات المتداولة في المغرب إلى أدغال أفريقيا، وبسبب الأوضاع السياسية والاجتماعية التي سادت بلدان تلك المنطقة، شهدت عمليات تهريب تلك الطيور النادرة رواجاً كبيراً على مدى عقود، وخصوصاً الببغاء الرمادي الأفريقي أو (الغابوني)، مما تسبب بانخفاض مهول في أعدادها داخل موطنها وجعلها مهددة بالانقراض، ويصل ثمن طير بالغ من تلك الفصيلة في المغرب إلى 900 دولار، فيما يصل ثمن نوع 'الماكاو' إلى نحو 1500 دولار، وشهد هذا النوع القادم من غابات آسيا خلال الأعوام الأخيرة ارتفاع الطلب عليه في المغرب.
يوضح مدير المشاريع في 'مجموعة البحث من أجل حماية الطيور' محمد أمزيان أن التعاطف أمر يمكن تفهمه، لكن تربية الطيور يؤطرها قانون خاص يجب تطبيقه'، مشيراً إلى أنه كان على الشاب عمر منذ بداية مسيرته في تربية تلك الحيوانات المحمية أن يقوم بمحاولة تسوية وضعيته بطريقة ما، على رغم أن تلك العملية مستحيلة بالنظر إلى صعوبة استخراج بطاقة هوية الطيور (خاتم يوضع حول رجل الطائر يضم رموزاً تدل على بلد المنشأ وعام الإنتاج وهوية المربي)، ويوضح المتخصص المغربي أن نسل تلك الطيور التي لا تملك بطاقة تعريف تبقى بدورها مجهولة الهوية للأبد.
ويستغرب أمزيان من تركيز السلطات في حملاتها على مراقبة الببغاوات، وذلك على حساب بعض الأنواع الأخرى من الطيور المهددة بالانقراض، مثل طائر الحسون الذي يسمى محلياً 'المقنين'، إذ 'يتعرض للصيد بطريقة عشوائية من طرف صيادين غير قانونيين، ويقومون بنقله في ظروف جد سيئة داخل صناديق صغيرة مملوءة عن آخرها إلى الأسواق العشوائية ببعض المدن، فيما يُهرب جزء منها نحو الجزائر'.
من جانبه، يوضح مربي العصافير المعروف في مواقع التواصل بلقب 'عصفور' أنه على رغم الرابط القوي الذي ينشأ بين المربي وطيوره، فإنه لا يمكن التساهل في مجال تطبيق القانون، مضيفاً أنه يقوم بتربية وبيع الأنواع التي يسمح القانون بحيازتها، وبخصوص وضعية سوق الطيور في المغرب، يقول مربي الطيور إنها 'تشهد فوضى عارمة، باعتبار أن السواد الأعظم من الطيور النادرة مجهولة المصدر، إذ شرع بعض المربين قبل عقود في اقتناء بعض من تلك الأنواع، التي قدمت للمغرب عبر قنوات التهريب من أدغال أفريقيا ومن غابة الأمازون بأميركا الجنوبية وكذا من آسيا ويسروا عملية تكاثرها، على رغم صعوبة تلك العملية عند بعض الأنواع مثل ببغاء الأمازون، والتي تتطلب معايير دقيقة خلال عملية التزاوج'.
وقعت جل دول العالم بما فيها المغرب على 'اتفاق التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من مجموعات الحيوان والنبات البرية' المعروف اختصاراً بـ'اتفاق سايتس'، والذي يوزع الأنواع المحمية إلى ثلاث مجموعات، تضم الأولى 'كل الأنواع المهددة بالانقراض والتي تتأثر أو يُحتمل أن تتأثر بالتجارة، ويجب أن تخضع التجارة في عينات هذه الأنواع لتنظيم صارم خاص، ويجب ألا يسمح بالتجارة فيها إلا في حالات استثنائية'.
وتضم المجموعة الثانية 'كل الأنواع التي على رغم أنها ليست بالضرورة مهددة حالياً بالانقراض، ولكن ربما تصبح كذلك ما لم تخضع التجارة في عينات هذه الأنواع لتنظيم صارم لتجنب الاستغلال المتنافي مع بقائها'، فيما تضم المجموعة الثالثة 'كل الأنواع التي يعلن أي طرف (دولة) أنها تخضع في حدود سلطته لتنظيم يهدف إلى الحيلولة دون الاستغلال أو تقييده، والذي يتطلب تعاون الأطراف الأخرى لرقابة التجارة فيها'.
بحسب الصندوق العالمي لطيور الببغاء، فإن قرابة ثلث أنواع الببغاوات مهددة بالانقراض، أي مدرجة ضمن القائمة الحمراء للأنواع المهددة عالمياً الصادرة عن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، عدد منها بسبب الاصطياد من أجل البيع. ويوضح الصندوق العالمي أن 'أفريقيا تعد واحدة من المصادر الرئيسة للببغاوات في هذه التجارة العالمية، إذ يسمح عدد من دول غرب ووسط أفريقيا، بما في ذلك جمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا والسنغال ومالي وساحل العاج، بصيد بعض أنواع الببغاوات بغرض التصدير'.
ووفقاً لاتفاق 'سايتس' يجب أن تتم هذه التجارة فقط إذا أمكن إثبات أنها لا تلحق ضرراً بالتجمعات البرية، ومع ذلك لا توجد عملياً أية مراقبة لتلك الجماعات البرية.
وتوضح المؤسسة الدولية أنه من بين الأنواع الأكثر شهرة الببغاء الرمادي الأفريقي، الذي يصنف مهدداً بالانقراض، بحسب الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، ووفقاً لأبحاث صندوق الببغاء العالمي، انهارت الجماعات البرية في معظم نطاقها واختفت تماماً من بعض البلدان، بعدما كانت هذه الطيور النادرة منتشرة على نطاق واسع داخل غابات أفريقيا الاستوائية، ولكن خلال عام 2016 أدرجت ضمن الملحق الأول من اتفاق 'سايتس'، مما حظر جميع صور التجارة الدولية بها.
وللتحايل على هذه القيود، يستغل المهربون تجارة الطيور القانونية لتهريب الببغاء الرمادي الأفريقي، من طريق تقديمها على أنها أنواع أخرى من الطيور، أو إخفائها في حجرات سرية، وما يزيد الأمور تعقيداً أنه يُسمح في عدد من البلدان بالاحتفاظ بالببغاوات، إذا كانت ولدت في الأسر، لكن من الصعب للغاية على سلطات إنفاذ القانون والتمييز بينها وتلك التي صيدت من البرية.
ولمعالجة هذه المشكلة، يتعاون الصندوق الدولي مع جامعة كولورادو الأميركية، بهدف تطوير أداة جنائية جديدة قادرة على التمييز بين هؤلاء الصنفين، ولا تقتصر المشكلة على أفريقيا فحسب، إذ يؤثر صيد الببغاوات من أجل المتاجرة فيها أيضاً على ببغاوات أميركا اللاتينية وآسيا، بما في ذلك أنواع نادرة مثل 'المكاو' و'الكاكادو'.
من جانبه، يوضح الناشط المغربي في مجال حماية الطيور محمد أمزيان أن تهريب الببغاوات من دول وسط أفريقيا نحو المغرب يتم عبر البر، وذلك بواسطة شبكات التهريب التي تستغل ضعف المراقبة على الحدود، إضافة إلى تفشي الفساد، فيما تُهرب ببغاوات أميركا الجنوبية عبر إسبانيا، إذ أسهم التعاون الأمني المغربي - الإسباني في إحباط بعض من عمليات التهريب تلك، وهو ما أسهم في الكشف عن طرائق نقل تلك الطيور النادرة نحو القارة السمراء عبر المغرب.
تسهم المنظمات والجمعيات العاملة في مجال المحافظة على الطيور في البحث عن حلول لتفادي انقراض بعض تلك الحيوانات، وضمان بيئة ملائمة لعيش الطيور بصورة عامة، إذ قال روان مارتن وهو مدير قسم أفريقيا وتجارة الطيور في الصندوق العالمي للببغاء، في حديثه مع 'اندبندنت عربية' إنه 'صوَّت أعضاء الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، خلال مؤتمرهم العالمي في أبوظبي المنعقد خلال الأسبوع الماضي، على اعتماد قرار يدعو إلى إنشاء إرشادات عالمية عاجلة لمساعدة الدول على تنظيم تجارة الحيوانات البرية المحتفظ بها كحيوانات أليفة'، مضيفاً أن القرار لقي دعماً واسعاً، وأكد ضرورة اتخاذ إجراءات دولية منسقة لمواجهة تجارة الحيوانات الأليفة، وسيتضمن ذلك تشكيل مجموعة عمل تابعة للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، بهدف دراسة الأزمة بالتفصيل ووضع إرشادات لمساعدة الحكومات في اتباع نهج علمي ووقائي في تنظيم تجارة الحياة البرية.
وأوضح مارتن أن اعتماد هذا القرار من قبل أعضاء الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة يجلب اهتماماً عالمياً شديد الأهمية لتجارة الحيوانات البرية، ويشير المتخصص الدولي إلى أن 'وسائل التواصل الاجتماعي فاقمت هذه المشكلة، ويجب اتخاذ إجراءات عاجلة ومنسقة، إذ دمرت هذه التجارة جماعات الببغاوات البرية، وأضعفت النظم البيئية التي يعتمد عليها الناس، وتسببت بمعاناة لا توصف وساهمت في انتشار الأمراض المعدية بين البشر والحيوانات'.
يُعقد مؤتمر الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة كل أربعة أعوام، ويعد أكبر تجمع للمدافعين عن البيئة في العالم، ويجمع مسؤولين حكوميين وعلماء ومنظمات الشعوب الأصلية ومنظمات الحفاظ على الطبيعة، وممثلين عن الشباب والقطاع الخاص لتحديد أجندة الحفاظ على البيئة العالمية.